ليسوا ملائكة، ونستطيع ان نسجل بحقهم كثيراً من السلبيات، سواء على مستوى ادائهم السياسي، او من خلال مواقفهم الفكرية. لكننا لو عدنا في مقابل ذلك للبحث عن الايجابيات لوجدنا انها في الاونة الاخيرة كانت قد تركزت في مفاصل لم يحلم بها اشد المتفائلين من انصارهم. دعونا نطبق هذه المعادلة على الاسلاميين في مصر، فكلنا يعلم أن ثمة جماعات جهادية سلفية كانت قد خاضت منذ اغتيال السادات مع الدولة المصرية نزاعا مسلحا، امتدت آثاره الى كل القطاعات المصرية. هؤلاء سجنوا وعذبوا ووصل عدد معتقليهم في ايام مبارك الى ما يُنيف على المئة ألف، وقد كانوا يصرون في مرحلة محددة على رفض النظام وقوانينه. لكن بعد حين، كانت المراجعات التي قرر الاسلاميون من خلالها رفض العنف، واعتماد الوسائل السلمية في التغيير والدعوة. ثم جاءت ثورة مصر التي اسقطت مبارك، واعادت للشعب المصري حقه في إجارة نفسه، قرر هؤلاء الجهاديون السلفيون الدخول في اللعبة السياسية، وارتضوا بالديمقراطية وتداول السلطة، واحتكموا الى الصندوق بطريقة أذهلت العالم. لقد شاهدنا الاسلاميين -معتدليهم من الاخوان، ومتشدديهم من السلفية- على شاشات التلفزيون، يقدمون خطابا حواريا لا يقصي أحداً، ويتداولون مصطلحات تقدمية ديمقراطية، تتكئ على ارادة التغيير، لا فرض وجهة النظر. تخيلوا معي حجم الايجابية في التغيير حين نلاحظ وجود الاخوين الزمر في ميدان العمل السياسي، راضين بقواعد اللعبة عن رضا نفس ومنطق دعوة. من كان يحلم بذلك؟ اسألوا خبراء الحركات الاسلامية عن قيمة هذا التحول وأهميته في رفع الغطاء عن كل الزاعمين أن الاسلاميين لم يؤمنوا يوماً بالصندوق. اليوم وبعد كل هذا الانجاز، يصر دعاة العلمانية والليبرالية في مصر على التلاعب بقواعد اللعبة نحو العرفية واللامنطقية، بشكل يحرج هؤلاء الاسلاميين ويجعلهم اكثر رغبة في التخلي عن اللغة الجديدة. أما العسكر فهم إن قرروا التدخل في السياسة، والانقلاب على الشرعية، فلن يكون بوسع هؤلاء السلفيين إلا الكفر بالتغيير السلمي والعودة للعنف. على الجيش المصري أن يدرك حجم التغيير الايجابي في بنية الاسلاميين، وأن أي خطوة سيكون لها ما بعدها من إحياء تراث التطرف الذي دفناه بالصناديق.