ساعات حزينة عاشتها مصر أمس قبل وبعد صدور بيان المجلس العسكري الانقلابي، حيث مرّت في مخيلتنا ثورة مصر العظيمة وإطاحتها بالديكتاتور المجرم حسني مبارك لتبدأ مصر عهدا ديمقراطيا دستوريا يبدو أنّه لم يرق لبعض القوى والدول فأرادت العودة به إلى الوراء حتى لا يكون أنموذجا يحتذى في المنطقة، لا سيما وأنّه قدّم الإسلاميين إلى سدة الحكم. ما جرى في مصر من إعلان تعليق العمل بالدستور وإزاحة أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الحديث وهو محمد مرسي عبر الجيش وبعض القوى هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان تم تدبيره من الليبراليين والفلول وبمساعدة من بعض الدول العربية ورضى من الولاياتالمتحدة الأميركية التي نسّقت الخطوة مع جيش الانقلاب. وقد قصد بالانقلاب إزاحة الإخوان من الحكم، لا سيما وأنّ ما سمي خارطة الطريق التي أعلن عنها الجيش هي نفسها التي أعلن عنها الرئيس مرسي قبل الإطاحة به! لقد انقلب الجيش على مجمل العملية الديمقراطية، وتم العودة بمصر خطوات إلى الوراء، إلى الظلام وحكم العسكر، ولكن هذه المرة بمباركة قوى ليبرالية تتمسح بالديمقراطية وتدّعي أنّها تدافع عنها. منذ اللحظة الأولى لاستلام مرسي الرئاسة تم وضع كل العراقيل الممكنة في وجهه، شرطة متمردة، قضاء فاسد، إعلام الفلول، وحظيت هذه الخطة بدعم خارجي لم تشأ فيها الدول الديكتاتورية وتلك التي تدّعي الديمقراطية أن يكون للإخوان سلطة في دولة مواجهة مع العدو. الفرحون اليوم في مصر كثر، وأولهم المخلوع حسني مبارك والقوى الظلامية والفلول، والفرحون في خارج مصر أيضا كثر على رأسهم النظام السوري الذي يقول: انظروا ما تفعله ثورات الربيع العربي وماذا يحلّ بها، فلا تتورّطوا في دعم الثوار في سوريا! المتضررون هم الشعب المصري الذي لم ير إلاّ رئيسا وحكومة نظيفة وإن لم يخلُ ذلك من الأخطاء، ومن المتضررين كذلك المؤسسة العسكرية المصرية التي فقدت مصداقيتها وبات ينظر إليها على أنّها طرف في الصراع. فقدت مصر فصلا ديمقراطيا مشرقا كان فيه الإعلام يقول ما يراه وإن كان افتراءً على الرئيس نفسه، لندخل في عصر جديد من قمع الحريات ابتدأ منذ الدقائق الأولى للانقلاب بإغلاق القنوات الفضائية الإسلامية ومنع العشرات من قيادات الإخوان من السفر، وما قادم سيكون أسوأ منه. باتت مصر الآن بحاجة إلى العقلاء كي يأخذوا على يد الجيش ويعيدوا البلاد إلى الديمقراطية وحكم المؤسسات بدلا من الانزلاق لعهد الظلام والعودة بمصر إلى الوراء. سيسجّل التاريخ على كل من شارك في هذه الأحداث أنّه أجهض أول تجرية ديمقراطية حقيقية في العالم العربي وتآمر على ثورة الشعب المصري، فليحذر هؤلاء من غضبة الشعب وحكم التاريخ الذي لا يرحم. ورغم كل ما جرى، سيبقى الإخوان وكل المخلصين في صلب الحياة في مصر ولن ترهبهم إجراءات النظام الجديد. ولو تقررت انتخابات جديدة لفاز بها الإخوان مرة أخرى. وعندها ماذا سيفعل الفلول والمتمردين والجيش؟ هل سيدبّروا مؤامرة جديدة للإطاحة بالنظام الجديد؟!