لم يكن مستغرباً أن يكون نصف الشعب المصري قد جنح إلى تيار أحمد شفيق، ولم يكن مستغرباً ايضاً أن تكون طبقة الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات من جملة المعتصمين في ساحة التحرير للمطالبة بإسقاط الرئيس مرسي، ولكن الغريب الذي لم نستطع أن نستوعبه هو ذلك الانقلاب الخبيث الذي أحدث صدمة كبيرة أذهلت العقول وحيّرت الألباب. لقد انتصر أحمد شفيق وفرح دحلان وشرب خمر الفرحة وتبادل التهاني مع أسياده اليهود، وقد غمر قلب إلهام شاهين الفرحة ورقصت مع يسرا وفيفي وتبادلوا التهاني مع عادل إمام وبقية الشلة الإصلاحية التي تريد لمصر النهضة والرفعة والحرية. وبالمقابل فقد خرج الناس البسطاء من المساجد يبكون من شدة ما حدث ويتضرعون إلى الله تعالى أن لا يعيد مصر إلى سابق عهدها وسالف أمرها. إزاء هذا المشهد الفاضح وسواء رجع الأخوان إلى الحكم أو رجع الحكم أدراجه إلى العلمانيين مرة أخرى، فإنّ مصر ستبقى في منأى عن المعادلة الحاسمة التي ستعيد شرف الأمة، وهذا القول هو قول النبي عليه الصلاة والسلام وليس قول أحد، فالنبي عليه السلام امتدح جيش مصر وجند مصر فأخبر أنّهم خير أجناد الأرض، ولكن الأحداث الجسام وقيام دولة الخلافة لن يكون إلاّ في الشام، فالقيادة لأهل الشام والمكان الذي ستقوم فيه دولة الخلافة في الشام وقتل الدجال في الشام وظهور المهدي ونزول المسيح لن يكون إلاّ في الشام، حتى قوم يأجوج ومأجوج لن يمروا إلاّ بالشام ولن يقتلوا إلاّ بالشام. مصر لن تكون قائدة للأمة الاسلامية أو العربية لأنها لم تكن كذلك في يوم من الأيام، فقد كادت تصبح شيعية في زمن الدولة الفاطمية، حتى أنّ الأثر الذي تركه الشيعة في أهلها ما زالت آثاره جاثمة إلى يومنا هذا، فالكثير من العوامّ المصريين ما زالوا يتبرّكون بالست زينب ويقسمون بسيدنا الحسين ويطوفون حول قبر الست نفيسة ويذبحون الذبائح على القبور وإذا أقسموا غلظ الأيمان لا يقولون إلاّ «والنبي». لا نستطيع أن ننكر أنّ معظم الأحزاب القوية الكبيرة خرجت من رحم مصر، لا نستطيع أن ننكر فضل العلماء المصريين ومواقفهم، ولكننا يجب أن نكون واقعيين قليلاً، فمصر غارقة في مشاكلها العويصة ذات الأوتاد الغليظة المدقوقة على عنقها؛ التعداد السكاني ومشاكل الطعام والسكن والمياه والطاقة والبيئة والفقر والجهل والمرض، كلها مشاكل تفتق الأكباد وتأكل الآمال. لم يكن الرئيس محمد مرسي محسوداً على منصبه إزاء تلك المشاكل ومع ذلك فإنّه وخلال سنة واحدة أوصل نسبة استيراد القمح إلى الصفر، فلم تعد مصر تستورد قمحاً، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم جعل الأعداء وعلى رأسهم أمريكا و»إسرائيل» تتحرك بشكل سريع للتخلص من ذلك الرجل المقلق المخلص. خلاصة الأمر، فإنّ الناظر إلى المشهد الآن يرى الناس قد انقسموا إلى فسطاطين؛ فسطاط أحمد شفيق والبرادعي ودحلان وإلهام شاهين وكل من شاكلهم من مهنئين ومناوئين ومنافقين، وفسطاط آخر هو فسطاط الحق والعدل والإيمان والشرعية. وقد صدق رسول الله حيث قال: «إِذَا صَارَ النَّاسُ فِي فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا فَانْظُرِ الدَّجَّالَ الْيَوْمَ أَوْ غَداً.»