صباحاتنا أبرد من الثلج والشر يلفّها في الميادين كافة, والشمس نورها أسود كلما أشرقت وكلما غابت، وخيوطها برائحة نتنة بلا لون ولم تعد ذهبية وقد سرقوها مع كل العصمليات والرشاديات لما تركوا لنا دراهم من تنك نقتات منها على أنفسنا حثالة ونرتديها قمامة، وقد غدونا بلا طير سوى غربان تنعق وبوم يهمهم تطرب تلك الصباحات فتهزنا دبكا وتمايلا بشدة الغنج. وها هي القاهرة اليوم التي أمست على أمل وأضحت بلا حلم ونيل بماء كالح, وهي تفقد نفسها ونخسرها الآن بخارطة طريق. وقد فارقتنا دمشق قبلا، وبغداد في خبر كان منذ أعدنا أليها بأنفسنا المغول تترا وفرسا وزطا وبرامكة بقطار سريع. ولم تعد الدنيا من قبل لنا، وهي الآن من بعد أيضا، بفارق أنّها تمنحنا الآن القبر تلو اللحد بلا أكفان لنزداد عريا وكشفا لما فوقنا وأسفلنا. تتهافت الجيوش جرارة من جلق تدك قاسيون فلا تذر ولا تبقي, وفي المعمورة تنال من الإرادات وتنهال على الأصوات تكتيما، وهي الآن تعيد الزمن إلى نفسها ولم تطق الفراق عنه إلاّ قليلا. ثم إنّها تجيّش لتحسب مليارات الأمريكان بكل الدقة، وتعي تماما من يسلّحها ويدفع مصروفها، فأيّ بديع أو مرسي أو الشاطر هم بالنسبة إلى السيسي، والحال نفسه لو أنّ الذي حلّ لمصر كان صباحين أو البرادعي أو شفيق, وكذا موسى الذي فقد ظلّه بالجامعة العربية وأمام بيرز لمّا نطحه اردوغان فصفق بلها. وحدنا من دون الخلق نفاخر الدنيا بتسولنا، فكلنا نقتات من موائد الغير نشحد بلا ملل تحت يافطة مساعدات, وقد بتنا حالة حيوانية لا تثير شفقة وإنّما احتقارا بلا هوادة. وإنّ حال أميركا ومعها أوروبا وروسيا بهذا القدر من الضخامة، ونحن من الضحالة التي لا ترى وإن بمجهر، فهل نصدق أنّنا سعينا ولو مرة للأمام حقا. وإن كل القائم يلغينا ويعدنا تماما للحظة الفناء ككل الذين أخذتهم العزة بالانحراف وما عادوا أقواما في الدنيا، إلاّ يكون مطلوبا ما هو أكثر من قاعدة عزام وابن لادن لكسر قواعد تنعم فيها بالحرير (…).