يعمد المؤلف عبدالله بن جلق بعنوان في كتابه {أهل الزبير، ناس وحكايات ولهجة} إلى تحليل اللهجة المتداولة بين سكان أهل الزبير، بالرجوع إلى أصول بعض كلماتها، وتشابهها مع كلمات بعض المناطق في المملكة العربية السعودية والكويت، وثبت بتفسير لمعاني ما يزيد على خمسمئة كلمة من لهجة أهل الزبير، مما يجعلنا نطلق باطمئنان على الكتاب بأنه نظرة انثروبولوجية متأنية ومعمقة، على اعتبار أن الانثربولوجيا في أحد فروعها علم للإنسان يقوم على المقارنة والتحليل لأصل وانتشار لغة ودين المجموعات البشرية وأبنيتها الاجتماعية. ثمانون سالفة يمكن التعبير عن الثقافة بلغة الحكاية، بل قد تكون الحكاية نفسها، دلالة ثقافية دامغة ومؤثرة وما سلسلة الأقاصيص التي اعتمدها المؤلف إلا إشارات قوية على نمط التفكير وطبيعة الحياة وأسلوب المعيشة السائدة آنذاك. وقد أورد المؤلف ما يزيد على 80 حكاية في الحب والزواج والصداقة والموت والقسمة والنصيب، ورحلة الحج، والأطعمة والأشربة، والأمثال والنكات وصراع القيم، والمزارع والتزاور والتخاطب و{الكشتات} والغنى والفقر والمرض. يقول في بعض أقصوصاته: كانت تحتضر.. تمد يدها إلى الأعلى، وتقول ألا تأكلون معي من هذا العنب الحلو.. ثم تغيب. وعن الفقر (شبع من الفقر.. ومات). وعن القسمة والنصيب (اللي يستحي من بنت عمه ما يخلف منها). وهكذا نجد أنفسنا أمام توليفة غنية وكاشفة عن مجتمع تعكس طبيعته الأليفة نوعاً من الحياة القاسية، والتي يغلب على معظمها طابع الفقر والعوز ولكنه يتمتع بقيم عالية في التكافل والاحترام والترفع عن الدنايا والصغائر. اللهجة الثقافة في بعض وجوهها لغة، فهي عند تفكيكها خطاب أو نص له رموزه، لذا عند دراستها يجب تتبع المسار الذي اختطه علماء الألسنية المحدثون، والذي كان يقارب اكتشاف القوانين الشاملة للغة كما أشار كلود ليفي شتراوس، وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا نلاحظ حرص المؤلف على تفكيك لهجة أهل المكان (الزبير) الذي يكتب عنه المؤلف، فهو يقول: {إن الكلمة الواحدة قد تأخذ لفظاً يختلف من لسان إلى لسان في كل دولة، فمثلا كلمة {شلونك} تأتي في لهجته أهل الزبير بجر النون في لحن ملحوظ ومطول، وفي اللهجة الكويتية تأتي بضم الواو المفخمة الخارجة من الأنف، وفي اللهجة البحرينية تأتي بالفتحة على النون {شلونك} وفي اللهجة السعودية تضاف إليها أحياناً الواو (وشلونك) فتخرج سريعة انسيابية من دون أن تكون فضفاضة. ويضيف المؤلف: :ولهجة أهل الزبير تتميز برنة في النطق وتطويل في اللفظ، تتباين بين الرجل والمرأة}، فالزبيري تكتشف هويته بصورة جلية بمجرد الحديث معه أو سماعه، ويشير عبدالله بن جلق في معرض تحليله للهجة أهل الزبير: {إن هذه الإمالة، اختص بها أهل {سديرا} في نجد والذي يريد أن يتأكد من ذلك عليه أن يقيم في {حرمة} أو {سدير} لبضعة أيام ويستمع لتخاطبهم ليلحظ التقارب بين اللهجتين}. ابن جلق الشاعر في الكتاب يفرد المؤلف عبدالله بن جلق فصلاً كاملاً للشاعر إبراهيم بن أحمد بن جلق، وهو أحد شعراء الزبير الذين نالوا حظاً من الشهرة رغم أن شعره لم يصلنا منه إلا النزر اليسير، وهو عين الشاعر الذي أشار إليه محمد بن لعبون أمير شعراء النبط في إحدى قصائده بقوله: ما طرق فوق الورق يا بن جلق زور كف فوق كف ما يليق كلما هب الهوا له واصطفق حمله بفراقهم ما لا يطيق حتة المضنون به حت الورق من شفا روح عليهم في مضيق تنتحي رايات حربه وانخنق مع نظير العين في طق وطقيق وقد أورد المؤلف قصيدة لابن جلق تعتبر من عيون الرثائيات من الشعر النبطي، فيروى أنه كان في بغداد لحاجة له، وإذا بطارق يخبره بوفاة زوجته ودفنها في مقبرة الزبير، وقد كان لهذا الخبر وقع الصاعقة عليه، فرثاها في هذه الأبيات التي منها: قلت أنا بسألك من رب الرسول وش جرى ياشين خبث العلام قال يفداك الغضي زبن الدلول شرب كاس فيه مزجوج اللحام قلت راعتك الدواهي من يقول من تسند عنه منضوح الكلام قال أنا مريت يوم السبت ضول عند بابه للرعابيب ازدحام اسمع أمه عند تفصيخ الحجول والخزاري والأهلة الزمام تفديه بالصوت واسمعها تقول ليت أخو وضحى كشف عنها اللثام يورد المؤلف ما يزيد على خمسمئة كلمة من لهجة أهل الزبير، من بينها على سبيل المثال: حدر: بمعنى تحت. حَدَر: بمعنى ذهب. جذه: بمعنى هكذا. ثعبة: بمعنى طرف دلة القهوة. حول: بمعنى انزل. ربمه: مدح بمعنى تربية أمه (لفظ نسائي). الكوبه: تصغير وسخرية. قميدرة: بمعنى تلف وفوضى وامتزاج. مدعفس: بمعنى مكرمش. ينتع: بمعنى يتقطع في المشي. مده: سجادة طويلة. ميبب: بمعنى أقواس جبس. داعوس: بمعنى مكان ضيق. مجيم: بمعنى مغلق لا ينفتح. يا خلاف: تهكم وهي لفظة نسائية. سكبة: كشخة. سكملى: كرسي. لهطه: بمعنى دوام الانشغال. زتوت: بلا عودة. يخازر: النظر بتركيز. اشوله: بمعنى لماذا. خرس: بمعنى شدة الظلام. حاط دوبه دوبه: لا ينفك عنه. يتعنفق: دلال مع دلع وكبر. نزة: خوف بعد غفلة.