الهجرة الدولية: استمرار النزوح الداخلي في اليمن وأكثر من 50 أسرة نزحت خلال أسبوع من 4 محافظات    قراءة تحليلية لنص "عدول عن الانتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    المقالح: بعض المؤمنين في صنعاء لم يستوعبوا بعد تغيّر السياسة الإيرانية تجاه محيطها العربي    المقالح: بعض المؤمنين في صنعاء لم يستوعبوا بعد تغيّر السياسة الإيرانية تجاه محيطها العربي    بيان توضيحي صادر عن المحامي رالف شربل الوكيل القانوني للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشأن التسريب غير القانوني لمستندات محكمة التحكيم الرياضية (كاس)    وزارة الشؤون الاجتماعية تدشّن الخطة الوطنية لحماية الطفل 2026–2029    إضراب شامل لتجار الملابس في صنعاء    جبايات حوثية جديدة تشعل موجة غلاء واسعة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي    الحكومة تشيد بيقظة الأجهزة الأمنية في مأرب وتؤكد أنها خط الدفاع الوطني الأول    المنتخب الأولمبي يتوجه للقاهرة لإقامة معسكر خارجي استعدادا لبطولة كأس الخليج    اليمن ينهي تحضيرات مواجهة بوتان الحاسمة    منتخب مصر الثاني يتعادل ودياً مع الجزائر    نقابة الصرافين الجنوبيين تطالب البنك الدولي بالتدخل لإصلاح البنك المركزي بعدن    وقفة ومعرض في مديرية الثورة وفاء للشهداء وتأكيدا للجهوزية    الأحزاب المناهضة للعدوان تُدين قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات على اليمن    دفعتان من الدعم السعودي تدخلان حسابات المركزي بعدن    مقتل حارس ملعب الكبسي في إب    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تدين وتستنكر التهديدات التي يتعرض لها الزميل خالد الكثيري"بيان"    الكثيري يطّلع على أوضاع جامعة الأحقاف وتخصصاتها الأكاديمية    ضبط قارب تهريب محمّل بكميات كبيرة من المخدرات قبالة سواحل لحج    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    محور تعز يتمرد على الدستور ورئيس الوزراء يصدر اوامره بالتحقيق؟!    الجزائية تستكمل محاكمة شبكة التجسس وتعلن موعد النطق بالحكم    المنتخبات المتأهلة إلى الملحق العالمي المؤهل لمونديال 2026    انخفاض نسبة الدين الخارجي لروسيا إلى مستوى قياسي    تدهور صحة رئيس جمعية الأقصى في سجون المليشيا ومطالبات بسرعة إنقاذه    القائم بأعمال رئيس الوزراء يتفقد عدداً من المشاريع في أمانة العاصمة    تكريم الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب في دورتها ال14 بلندن    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء محدودة من 7 محافظات وأمطار خفيفة على أجزاء من وسط وغرب البلاد    تغريد الطيور يخفف الاكتئاب ويعزز التوازن النفسي    ماذا بعد بيان اللواء فرج البحسني؟    الداخلية تعرض جزءاً من اعترافات جاسوسين في الرابعة عصراً    لجان المقاومة الفلسطينية : نرفض نشر أي قوات أجنبية في غزة    المرشحين لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2025    مجلس الأمن وخفايا المرجعيات الثلاث: كيف يبقى الجنوب تحت الهيمنة    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    اعتماد البطائق الشخصية المنتهية حتى 14 ديسمبر    اتفاق المريخ هو الحل    صنعت الإمارات من عدن 2015 والمكلا 2016 سردية للتاريخ    رئيس النمسا يفضح أكاذيب حكومة اليمن حول تكاليف قمة المناخ    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الرئيس المشاط يُعزي الرئيس العراقي في وفاة شقيقه    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    النرويج تتأهل إلى المونديال    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لنص "عدول عن الانتحار" ل"أحمد سيف حاشد"
نشر في يمنات يوم 18 - 11 - 2025

تم إعداد هذا التحليل المتعدد المستويات لنص "عدول عن الانتحار" للكاتب أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر" باستخدام أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف الوصول إلى قراءة مركّبة تجمع بين المنظور الأنثروبولوجي والسوسيولوجي والسيكولوجي.
تقدّم هذه القراءة محاولة لفهم البُنى الثقافية والاجتماعية والنفسية التي يعيد النص تمثيلها، من خلال تحليل دور السلطة الأبوية، والفضاءات الاجتماعية، وبنية الشخصية، وتأثير التجربة الطفولية في تشكيل وعي الكاتب ومسار حياته لاحقًا.
قراءة أنثروبولوجية للنص
يعد نص "عدول عن الانتحار" للحقوقي والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، وثيقة سردية تكشف البنية الثقافية واليومية للأسرة اليمنية التقليدية، وما تحمله من رموز، وقيم، وضوابط اجتماعية تتجاوز حدود التجربة الفردية.
في القراءة سيتم قراءة العادات والتقاليد في النص من منظور انثروبولوجي، لا تركز على الحدث فحسب، بل على البنى الثقافية التي تنتجه، والتي يعيد النص تمثيلها بوضوح.
انثروبولوجيا ثقافية
يروي حاشد في النص تجربة شخصية قاسية، لكنها ترتفع إلى مستوى الأنثروبولوجيا الثقافية من حيث كونها تكشف عن منظومة كاملة من الأعراف والطقوس وممارسات السلطة في المجتمع اليمني الريفي/القبلي.
سلطة المجتمع
الأب في النص ليس شخصًا فقط، بل هو النموذج الثقافي للأب اليمني التقليدي: صاحب السلطة المطلقة على الجسد والروح والسلوك، ممثل شرف العائلة وحارس النظام الأخلاقي، يمارس سلطته عبر الضرب، المنع، القسوة، التأديب الجسدي، يُنظر إليه كقانون اجتماعي متجسد، لا مجرد فرد.
هذا الدور ليس خاصًا بالأب وحده، بل هو امتداد لبنية ثقافية أبوية راسخة تقوم على: القوة بوصفها وسيلة للتربية، القسوة كعلامة على الرجولة والمسؤولية، حماية الشرف الأسري عبر ضبط الأبناء.
ومن منظور أنثروبولوجي، فإن سلطة الأب هنا ليست شخصية، بل هي نظام اجتماعي مفوض من المجتمع، يعمل عبره الأب كوكيل للعرف والتقليد.
قوة مضادة للسلطة
تظهر الأم في النص بوصفها: حامية الطفل، مستودع الحنان داخل الأسرة، القوة العاطفية التي توازن القسوة الذكورية.
وهذا النمط الأنثروبولوجي مألوف في المجتمعات الأبوية.
الأم تقوم بأدوار ثقافية ثابتة: التخفي والستر ("تخبئه في الديوان المظلم")، التبرير والدفاع، التضرع والقراءة ("تقرأ سورة ياسين كنوع من الحماية الرمزية")، الوساطة بين الطفل والأب.
وهذه الأدوار تُظهر ازدواجية القوة الناعمة التي تستخدمها الأم مقابل القوة الصلبة التي يستخدمها الأب.
العيب والعقاب الجسدي
نص "عدول عن الانتحار" يعرض فيه حاشد ممارسات مألوفة في المجتمعات التقليدية اليمنية، مثل: الضرب المبرح، تحسس الرؤوس ليلاً للبحث عن الهارب، الصراخ الذي يهز القرية بأكملها، اعتبار تمرد الطفل تهديدًا للنظام الأسري.
وهذه كلها ليست حوادث فردية، بل ممارسات ثقافية تمثل: مركزية "العيب" في الضبط الاجتماعي، واعتبار الطاعة فضيلة أساسية، والتحكم بالجسد بوصفه أداة للتنشئة.
والطفل هنا لا يُسمح له بالفردانية، بل عليه أن يعمل ضمن حدود الجماعة والعرف.
بين السيطرة والتمرد
الجسد في النص ليس مجرد آلة بيولوجية، بل مساحة للصراع بين سلطة الأب ورغبة الطفل في التحرر، موضوع للعقاب، وسيلة للانتقام الرمزي (إطلاق النار للتعبير عن الرفض)، مكان تُمارس عليه السلطة وتُترجم عليه القيم.
ومن منظور أنثروبولوجي، الجسد في الثقافة اليمنية التقليدية ليس ملكًا للفرد، بل للعائلة والقبيلة.
ولهذا يصبح عقاب الطفل مسموحًا، وتمرده خطيئة تهدد الجماعة.
رمزية السلاح
وجود البندقية واستخدامها جزء أساسي في الثقافة اليمنية، ونص "عدول عن الانتحار" يوضح ذلك:السلاح في الديوان، معرفة الطفل البسيطة باستخدامه، تقليد الوضع القتالي، الخطر الطبيعي الذي يصاحبه.
والسلاح هنا ليس أداة للقتل فقط، بل رمز للرجولة، وعنصر من عناصر التنشئة، وجزء من الثقافة المادية للمنزل اليمني التقليدي، ورفيق الحياة اليومية.
استخدام الطفل للسلاح ليس تصرفًا عشوائيًا، بل يقع داخل بيئة ثقافية ترى السلاح كامتداد للذات.
فضاءات أنثروبولوجية
من النص يتضح أن "الدار، الديوان، السطح" فضاءات أنثروبولوجية.
فضاءات النص ليست محايدة. والبيت اليمني بقسمَيه: الدار (الجزء الداخلي الحميم، للنساء والأطفال). الديوان (الفضاء الرجولي العام للضيوف والرجال).
هذه الفضاءات تحدد الأدوار والعلاقات: تهريب الأم للطفل إلى ديوان مظلم، وهو فعل "تجاوز" للحدود الرمزية، اختباء الطفل بين إخوته تعبير عن البحث عن "الأمان الجماعي"، قفزه من فوق الدار فعل رمزي يحاكي الهروب من السلطة الأبوية.
والفضاء هنا يحمل دلالات على: الطبقات الاجتماعية داخل البيت، الفصل الجندري، والعلاقة بين الداخل والخارج، وحضور الجماعة عبر الجيران الذين يهرعون عند سماع الرصاص.
مجتمع يراقب ويحاسب
هرع النساء والرجال والأطفال إلى الدار يؤكد أن حياة الفرد عامة، والمشكلات الأسرية شأن جماعي، والسلطة لا تمارس داخل الأسرة فقط، بل داخل شبكة اجتماعية مترابطة،
" صراخ الليل يهز القرية كلها"، يشير إلى أن المجتمع اليمني التقليدي مجتمع مراقبة دائمة.
والجيران هنا يمثلون: بنية "العيب"، وسلطة الجماعة، وشبكة الضغط الاجتماعي.
الرموز الدينية
يحضر الدين الشعبي بقوة: "الخضر" كحامٍ غيبي، قراءة سورة ياسين للحماية، نسبة النجاة للحظ والبركة.
وهذه الرموز ليست تفاصيل دينية فقط، بل جزء من النظام الثقافي الذي يفسر المصائب والحوادث، وأدوات حماية رمزية، وهي عناصر من المعتقدات الشعبية التي تتجاوز الدين الرسمي.
تكثيف أنثروبولوجي
نص "عدول عن الانتحار" يُعدّ وثيقة غنية لأنها تكشف سلطة أبوية قاسية مفوضة من الجماعة، وأم تحمي وتوازن القسوة بالحنان، وثقافة سلاح متجذرة في الهوية، وقدسية العيب كأداة ضبط، وهيمنة الجماعة على الفرد وحياته الخاصة، وجسد يُعاقَب ويتمرّد ويقاوم، وطقوس ومعتقدات دينية شعبية ترافق الأحداث.
إنه نص يعكس بوضوح بناء المجتمع اليمني التقليدي، بصراعاته وعنفه ورحمته، وبتداخل السلطة بالعاطفة، والجماعة بالفرد، والعادات بالتجربة الإنسانية العميقة.
فيما يلي تحليل بنية الشخصية كما تظهر في نص "عدول عن الانتحار" لأحمد سيف حاشد، مع تفكيك مكوناتها النفسية وآليات اشتغالها وتأثير البيئة عليها:
قراءة سيكولوجية حول بنية الشخصية في النص
التوازن وسط الفوضى
الأنا في النص تؤدي دور "المدير النفسي" الذي يحاول تهدئة الانفعالات وضبط الرغبات، رغم أن الطفل يعيش ظروفاً لا تسمح بنضج طبيعي.
وظائف الأنا واضحة في تقييم نتائج الانتحار: "سيقتل أمي معي... سيحزن إخوتي..."
حساب التبعات الأخلاقية: "من سيعيل أسرتنا إن قتلت أبي؟"
البحث عن بدائل أقل خطراً: إطلاق النار بدلاً من قتل النفس أو الأب.
والأنا هنا ناضجة بشكل يسبق العمر، نتيجة للمعاناة والحرمان العاطفي.
تضخم مشبع باللوم
الأنا الأعلى في هذه الشخصية أكبر من طاقة طفل، ومصدره: التربية الصارمة، صورة الأب المتسلط، والحس الأخلاقي الذي غرسَته الأم.
ويتجلى الأنا الأعلى في الشعور العميق بالذنب تجاه أسرته، الخوف من "العار" إذا قتل الأب، الشعور بالمسؤولية المبكرة عن العائلة.
وهذه المبالغة في محاسبة الذات تشير إلى أنا أعلى قاسٍ تشكّل داخل بيئة سلطوية، تماماً كقسوة الأب.
كبت يتحول إلى انفجار
الهوَ* في الشخصية يحمل رغبة هائلة في الانتقام، غضباً مكبوتاً من سنوات، طاقة عدوانية كانت ممنوعة من الخروج.
لكن بسبب قوة السلطة الأبوية، لا يستطيع الهوَ التعبير المباشر، فيلجأ إلى: فكرة الانتحار (عدوان موجّه إلى الداخل)، إطلاق النار داخل المنزل (تفريغ بديل للعنف).
و هذه الأفعال تمثل اشتغال "الهوَ" تحت ضغط كبير، مع غياب وسيلة صحية للتنفيس.
*الهُو هو مخزن الغرائز والدوافع الفطرية، ويعد أحد مكوّنات الشخصية في نظرية التحليل النفسي التي وضعها عالم النفس سيغموند فرويد.
المستويات النفسية الثلاثة للشخصية
1. المستوى الانفعالي: شخصية حسّاسة متوترة.
الطفل يعيش توتراً عالياً بسبب: الخوف من الأب، القمع،الوحدة، الشعور بعدم الأمان.
ويتجلى ذلك في: فرط الوعي لحركات الأب (يسمع "دبيب النمل")، والقلق الحاد أثناء الاختباء وسرعة الانفعال والرغبة في رد الفعل.
وهذه العلامات تشير إلى ان الطفل تعرض لتهيّج انفعالي عالٍ.
2. المستوى السلوكي: شخصية متمرّدة رغم الخوف ورغم القمع، لكن الشخصية ليست مستسلمة؛ بل تميل إلى: الاحتجاج، المشاغبة العاطفية،البحث عن فعل "مدوِّ" يعبّر عن الظلم.
السلوك التمردي (إطلاق النار) ليس شغفاً بالعنف، بل احتجاج صامت ومجلجل على القهر.
3. المستوى المعرفي: ذكاء مبكر وقدرة تحليل عالية.
النص يكشف شخصية ذات: قدرة تأمل وتحليل تفوق العمر، تفكير منطقي في لحظة أزمة، قدرة على ربط الأحداث ببعضها، تخيّل واضح للمستقبل (وأثر أفعاله عليه).
وهذا يشير إلى ذكاء فطري ناضج، اضطر للنمو سريعاً لانعدام الأمان.
السمات الجوهرية للشخصية
الحساسية المفرطة
يمتلك الطفل حساسية عالية تجاه الظلم والقسوة، تجعله يتفاعل بشدة مع أي اعتداء.
العدوان المكبوت
الغضب المتراكم لا يخرج في صورته المباشرة، بل يأخذ طرقاً ملتوية (انتحار – انفجار سلوكي).
النزعة الاحتجاجية
شخصية حاشد الطفل في النص لا تقبل الظلم، وتبحث عن طريقة لقول "لا" حتى لو كانت محفوفة بالمخاطر.
المسؤولية المتقدمة
يتحمل ما لا يمكن لطفل تحمله (مصير الأسرة، مستقبل الأم، العار).
الارتباط العاطفي بالأم
الأم هي مركز الأمان ومصدر القيم، وتمثل الجانب اللطيف في شخصية قُسِّيَت مبكراً.
الخوف الممزوج بالشجاعة
الشخصية خائفة لكنها ليست جبانة؛ بل تتصرف في لحظات خطيرة بجرأة غير متوقعة.
بنية الشخصية
شخصية أحمد سيف حاشد "الطفل" كما تظهر في النص هي: شخصية حسّاسة، ذكية، عالية الوعي، لكنها مشحونة بجروح نفسية عميقة، تحاول قنص توازنها بين الخوف والرغبة في العدالة، وبين حب الأم وكراهية القهر، وبين الانهيار والتمرد.
هي شخصية تشكّلت في بيئة قاسية، فخرجت منها أقوى، أكثر وعياً، وأكثر قابلية للتمرد والاحتجاج من أي طفل عادي.
سيكولوجية تأثير علاقة الأم على شخصية الطفل
بناء شخصية مقاومة للانكسار
لولا وجود الأم كملاذ عاطفي، لكان الطفل عرضة لإحدى نتيجتين: الانسحاق النفسي، أو التحول نحو عدوانية انتقامية.
لكن الأم أسهمت في تشكيل شخصية مرنة نفسياً تتحمل الألم،تتجاوز الصدمات، ولا تستسلم للهزيمة.
هذه المرونة ظهرت لاحقاً في شخصية أحمد سيف حاشد الحقوقي والبرلماني المنحاز للناس والمساكس للسلطات، المواجه للظلم السياسي والاجتماعي دون انهيار.
ضمير أخلاقي قوي
الأم من خلال النص هي التي غرست في الطفل: التعاطف، مراعاة الآخرين، احترام قيمة الحياة، الشعور بالذنب تجاه الأذى الذي قد يلحق بالأسرة.
هذه الأخلاق المبكرة تحولت في شخصيته البالغة إلى: حسّ عدالة مرتفع، وانحياز للفئات المستضعفة، ورفض للعنف غير المبرر.
لذلك أصبح حاشد لاحقاً شخصية عامة ذات نزعة حقوقية وإنسانية واضحة.
الحساسية تجاه المعاناة البشرية
التعلق العميق بالأم يصنع حساسية خاصة تجاه الألم، لأنها كانت: المتألمة، المعيلة، الحامية، المتلقية لأذى الأب أيضاً.
وهذه التجربة تخلق لدى الطفل وعياً مبكراً بالألم الإنساني، فيكبر ليصبح:
إنساناً مرهفاً، شديد الانتباه لجروح الآخرين ومعاناتهم.
لهذا يكتب حاشد اليوم نصوصاً ممتلئة بالإنصاف والغضب على الظلم.
شخصية احتجاجية لا عدوانية
حاشد الطفل تعلم من أمه: تجنب الفعل المدمّر (قتل الأب/قتل النفس)، اختيار الاحتجاج بدلاً من الإيذاء، والتعبير عن الرفض بطريقة لا تُفني الذات ولا الآخرين.
ولاحقاً يظهر هذا في شخصية حاشد ك: مقاومة سياسية سلمية، انحياز للكلمة والفكرة، وليس للسلاح أو الانتقام.
الأم أسست لنمط شخصية "تحتج ولا تدمّر".
ضبط الذات
العطف الممزوج بالخوف الذي عاشه حاشد الطفل مع الأم خلق لديه: قدرة على السيطرة على انفعالاته، تقييم العواقب، ومراجعة القرارات الانفعالية.
وهذا الانضباط يظهر في النص حين يسرد مراجعاته الأخلاقية لفكرة الانتحار.
وفي حياته اللاحقة يظهر أحمد سيف حاشد في صورة سياسي/حقوقي يستطيع التفكير قبل الفعل.
اكتفاء عاطفي
رغم عنف الأب، لم يتحطم الطفل لأنه وجد: احتضاناً، خبزاً، تواجدًا يومياً داعماً.
وهذا التعويض العاطفي يشكّل في حياته اللاحقة: قدراً من التوازن النفسي، عدم التحول لشخص انتقامي أو مريض بالعنف، حب للضعفاء شبيهاً بحب الأم له.
حماية من القسوة
الأطفال الذين يتعرضون لقسوة أبوية قد يتحولون إلى: نسخة طبق الأصل من الأب، أو نسخة منه لكن منكسرة.
وجود الأم يمنع ذلك، لأنها توفر: نموذجاً بديلاً للسلوك (الرحمة بدل العنف)، صوتاً داخلياً معاكساً لصوت الأب، معنى إيجابي للإنسانية.
ولذلك صار حاشد لاحقاً ناقداً للسلطة لا ممارساً للاستبداد، رغم أنه نشأ في بيئة ذكورية قاسية.
الانحياز إلى المستضعفين
لأنه عاش طفلاً ضعيفاً، عاجزاً أمام سلطة الأب، ولم يجد سنداً سوى الأم، كبر حاشد حاملاً في داخله: تعاطفاً عميقاً مع الضعفاء، غضباً من القهر، وعياً بقيمة الحماية.
وهذا يفسر لاحقاً شخصيته الحقوقية التي تنحاز للفئات: الفقيرة، المظلومة، أو الضحية.
الخلاصة
يمكن القول إن علاقة الأم بالطفل في النص لم تكن مجرد علاقة حنان، بل كانت البنية التحتية للنفسية المستقبلية للحقوقي والبرلماني أحمد سيف حاشد.
لقد أسهمت في تشكيل شخصية: مرنة، حساسة، أخلاقية، احتجاجية، متعاطفة، ورافضة للقهر.
وهي علاقة أنقذته في طفولته، وصنعت منه في كبره إنساناً يقاوم الظلم بالكلمة لا بالرصاص.
نص "عدول عن الانتحار"
أحمد سيف حاشد
أطلقتُ سراح تفكيري في كل الاتجاهات، وأنا أحدّث نفسي: الانتحار قرار مؤلم ومؤسف بل وفاجع ليس بحق نفسي فقط، بل بحق أسرتي التي تحبّني، وتشعر بالامتعاض وعدم الرضى حيال بعض أخطأ أبي المعهود بغلظته وقسوته، دون أن أنكر عليه هنا محبّته وأبوّته.. أشعر بحاجة ماسة أن أبلغ أبي استيائي البالغ، واحتجاجي الشديد بما يؤدّي إلى ندم أشد يراجع به نفسه، بوجع يطاله وحده.. يجب أن لا يطال هذا الندم والوجع أحداً غيره.
لابد أن أفعل شيئاً يُؤذي أبي وحده وبمفرده، على أن أعيدُ النظر في قراري المنفعل بالانتحار، والرجوع عن الفاجعة التي كنتُ قد نويتها وبيُّتها، وستصيبُ أهلي لا محالة بفادح لا يقوون عليه.. يجب العدول عمّا عزمتُ عليه في لحظة انفعال كان قد بلغ ذروته.. أريد أن أفعل شيئاً آخر مغامراً ومقامراً على أن يكون أقل كلفة من إزهاق روحي التي إذا ذهبت قطعاً لن تعود، ولا أشد منها إلا فراق من أحب.
غريزة البقاء هي الأخرى مالت إلى رفض قرار الانتحار، ثم وجدتُها تتشبث بالحياة أكثر مما كانت عليه، ثم ما لبثت في صراعها معي أن أنشبت أنيابها ومخالبها في حياة لا تريد فقدانها.. غريزة البقاء استثارت وجودها داخلي، وحشدت قواها، وذهبت بي إلى وجهة غير ما كنتُ قد عقدتُ العزم عليه.. تراخى قراري حتى أنتهى إلى رجوعي عنه، أو عمّا كنتُ قد عقدتُ العزم عليه.
ليس سهلاً ولا هيناً على طفلٍ أن يعقد عزمه على الانتحار إلا بكيل قد طفح، وضرر استمر، ومعاناة بلغت أتونها، ولكن غريزة البقاء ظلت تنازعني قرار الانتحار، وتمنحني أعذارها، كأن تقول لي ما كانت تقوله لي أمّي وتكرره: ما زلتَ حديث عهد بحياة ستعتدل وتتغيّر يوماً لصالحك.. ما زال مشوار الحياة أمامك طويل، وسيطوله يوماً تغيير وتبديل.. اصبر قليلاً.. قليلاً من الصبر.. تحمّل حتّى تقوى على الصبر ويشتدُّ ساعدك، وتذهب بعيداً، وتتحرر تماماً من قسوة والدك، وسيفتح الله لك ألف باب على مصراعيه.
ثم تدعوني وتشدُّني غريزة البقاء إلى ما هو أهون فعلاً وأقل ضرراً؛ فتقول لي: بإمكانك البحث عن فعل تغيظ به والدك، على أن يكون أقل فقداناً وخسراناً وكلفة عليك وعلى محبيك.. الفقدان إلى الأبد لا تقوى عليه، ولا تقوى أمّك وأخواتك على تحمُّله.
ثم أحدثُ نفسي: إن قتلتُ نفسي، فالأكيد أنني سأقتل أمّي معي حسرة وندماً وكمداً.. سوف أفتقد اخواتي إلى أبدٍ سيمتد إلى يوم القيامة.. سأثقلهم بقية حياتهم حتى مماتهم بكثير من الحزن والحسرة ووجع الفقدان.. جميعهم لا يقوون على حمل مصاب جلل كهذا.
وأسترسل في التفكير والحديث مع نفسي: قطعاً ومن المستحيل أن أقتل أبي، فمن سيعيل أسرتنا الكبيرة بعد أبي إن قمتُ بقتله وتغييبه عن ظهر هذه الدنيا الفانية؟؟! أين سأذهب من عار سيلطخ حياتي كلها، بل وندم أشد، سيودي بعده بي لا محالة، بل ولن تطول مهلته؛ فأكون ما هربتُ منه بتُّ أفعله مرتين.. مرة بإعدام أبي، ومرة أخرى بقتل نفسي.. وتبعاتُ هذا وذاك سيكون وخيماً على بقية أسرتي المنهكة.. قرار أحمق بخسارة مضاعفة.. لا .. لا .. هذا خيار مستحيل يجب أن لا أطرق له باباً أو نافذة.. هنا بإمكاني أن أتهم "الشيطان" داخلي في وسوسة تريد أن تدفعني إلى ما هو أثقل وأفدح.
الحقيقة أريدُ فعلاً آخرَ أقل كلفة ولكن لا يخلو من ضجيج أعبّر فيه عن نفسي ورفضي للقمع الذي اجتاحني من أبي.. لن يكون هذا إلا بفعل آخر صارخ ومشبع بالتمرد والاحتجاج. أريد أبي أن يندم على فعله المملوء بقسوة الحديد. أريده أن يسمع بعضاً من جنوني احتجاجاً على قمعه.. أريدُ أن أرد له بعضاً من جنونه بما هو متاح ومقدور عليه، ودون إزهاق أي روح.
لا أستطيع أن أبلع قهري وأصمتُ كحجر أو خشبة.. لا بد أن أفعل شيئاً أعبّر عنه بأقصى ما يمكن من الاحتجاج، ولكن دون الانتحار. أريد بوجه ما أن أعاقب أبي وأسمعه بعضاً من احتجاجي المنتفض.. لابد من حملِه على أن يُحِسَّ بمظلمتي وظلمه لي، ولا بأس أن يسمع قصتي كل الناس.. أريد أبي أن يندم بسبب قسوته المفرطة حيالي. كان غضبي يستعيد ركضه ورفسه داخلي، والدم يستعيد ثورته ويغتلي في عروقي.. أحتاج إلى إفراغ ما لدي وما في جوفي من رفس واكتظاظ وثورة.
* * *
نزلت من الحجرة التي كنتُ فيها، وعرّجتُ على باب الدار لأتأكد من إغلاقه بالمزلاج والمرزح، ثم صعدتُ إلى الديوان.. وضعت على الجدار المقابل علبة "طاحونية" فارغة، ولكنها زاهية بلونها الأخضر، وثبتّها بسكين في خُرم الجدار، ثم وضعت أمامي شبه "صندوق"، وهو عبارة عن ألواح خشبية كانت تُستخدم لنقل صفائح الجاز، وتحميلها على الجِمال عند نقلها.
انبطحتُ خلفه، وحاولت تثبيت البندقية بيدي من خلال ألواحه الخشبية لتقلل من الارتداد أثناء إطلاق الرصاص، واطلقت لرِجلَيَّ التمدد في وضع قتالي لم آلفه، ولكن انطبع في ذهني من صور شاهدتها في مجلات صينية وروسية حصلت عليها في وقت سابق من أخي المنتمي للحزب الديمقراطي الثوري، وقريني عبد الباسط أخ محمد سعيد غالب الذي كان ينتمي لأحد فصائل العمل الوطني التي يرأسها عبدالله عبدالرزاق باذيب.
كنتُ أعرفُ أن البندقية تركض الرامي خلفها عند إطلاق الرصاص؛ فلزم أن أثبّتها على نحو يقلل من ارتدادها.. حاولتُ أسدد على العلبة التي وضعتها على الجدار، فيما إصبعي جاهزة على الزناد بأمان مفتوح على الاطلاق السريع، وبمجرد الضغط على الزناد بإصبعي المتحفزة تم اطلاق الرصاص على السريع.
لم أكن أعرف أن كل ذلك الغبار سيكتظ من الداخل على ذلك النحو الكثيف، ولفترة بدت لي غير وجيزة.. لم أعرف أن الرصاص الراجع سيفعل بالجدران ما فعل!! لا أدري كيف نجوت؟!! لعل "الخضر" الذي منعني أبي من زيارته كان حاضراً معي، أو هو الحظ الوفير.
لم أكن أعرف أن صوت الرصاص والغبار الكثيف سيكون بذلك القدر الذي يجعل من يرى الدار من خارجه، ويسمع لعلعة الرصاص في داخله، يعتقد أن ثمة زلزالاً قد حل فيه، فيما كانت رائحة البارود نفَّاذة تملأ المكان وتعج فيه.
وفي زحام الغبار حاولت أفتش عن علبة "الطاحونية" التي سددت إليها الرصاص، فوجدتها كما هي، والسكين ثابته كما هي في الجدار دون إصابة أو مساس.. لقد تفاجأتُ وشعرتُ بالغرابة أنني لم أصب الهدف الذي سددتُ البندقية إليه، رغم قربي منه أو عدم ابتعادي عنه أكثر من أربعة أمتار على الأرجح.. كانت رماية سريعة من المسافة "صفر"، لقد نجوتُ أنا والهدف، وأُصيب ما عدانا.
النسوة والرجال والأطفال هرعوا إلى الدار ليروا ماذا حدث!! كان أول الواصلين جارنا القريب مانع سعيد.. باب الدار مغلق، وأنا اطمئن الجميع من مفرج الديوان، إنه لم يحدث شيء ولم يصبني أي مكروه.
تكوَّم الناس باب دارنا، فيما أسئلتهم تتزاحم، وترتسم علاماتها، على الوجوه، وبعضهم يدق باب الدار بقوة ويهم بكسره، وأمي تهرع من البئر إلى دارنا وتتصرف كمجنونة.. تصرخ وتبكي وتنوح بقلب مخلوع، ومفطور بالفجيعة!!
نزلتُ وفتحتُ الباب وأطمئن الناس أنني بخير، فيما امي تفتش جسمي وملابسي لترى ماذا صنعت بنفسي. وعندما تأكدت من سلامتي ذهبت لتخفيني من أبي بديوان آخر في الدار.. ديوان مظلم ومملوء بحزم الزرع اليابس.. أما أبي فقد هرع من رأس "شرار" ربما لينتقم منّي أشد انتقام، ولكنه لم يجدني وأبلغته أمي أنني هربت إلى الجبل.
* * *
مكثتُ يومين في مخبئي السري لا تواسيني فيه غير أمّي، وحنانها وخبزها. ومع ذلك لم أنجُ من عقاب تأجّل، ولم تنج أمي من مائة سؤال ومشكلة.
خلال يومين أحسست أنني مللت مخبئي وملّني هو الآخر.. هواجس تحتدم داخلي، وكوابيس ضارية تقض مضجعي.. سأم يثقل كاهلي، ووحشة ووحدة قاتلة تشتد في جوف الليل الموغل في السواد.. طلبتُ من أمّي أن تترك لي فسحة بين إخوتي النيام لأنام بينهم، ثم توقظني قبل حلول الفجر لأعود إلى مخبئي خلسة دون أن يراني أبي.. ولكن انكشف أمري بعد ساعة زمن.. يا لخيبة حيلتي وحيلة أمي!!
مرَّ أبي على إخوتي النيام قرابة الساعة العاشرة ليلاً وهم يغطون بنوم عميق. أنا الوحيد بينهم من كنتُ متوجساً ويقظاً وأكاد أسمع دبيب النمل.. لا أدري ما الذي لفت نظر أبي أو أثار انتباهه رغم سكوننا وخمودنا.. لا ادري أي شيطان أخبره أنني على الأرجح أكون موجوداً هنا، في وسط من يغطون بالنوم.
سمعته يعد من هو موجود، ويقول لأمّي: هناك واحد زائد في العدد، وهي تشكك وتناور وتحاول أن توهمه وتصرفه إلى موضوع آخر؛ لكن أبي جثا على ركبتيه بيننا، وبدأ يتحسس بأصابعه، ويعد الرؤوس ويسميها لأمي، وأمي مرتعدة الفرائص تحاول أن تقرأ بكتمانها سورة ياسين، فيما أبي يعد ويتحسس الرؤوس، وما إن وصل إلى رأسي عرفني حتى أخذ يدقه بالأرض كالمطرقة، فانقَّضَّت أمي عليه كذئبه، وراحا يتشاجران وصوتي وصوت إخوتي المذعورين وصوت الشجار يملأ فضاء القرية وجوارها. صراخ يمزّق سكينة ليل أناخ واستتب، ويصيبُ أهل قريتنا وما حولها بالحيرة والأسئلة والفزع.
اقتنصتُ فرصة لحظة الشجار بين أبي وأمي ونفذت بجلدي. ركضت وقفزت من فوق الدار.. كانت مجازفة غير أن الخوف والهلع صنع المعجزة، وربما مادة الأدرينالين التي تفرزها الغدد الكظرية في حال كهذا تجنبنا ما قد يلحق بنا من ضرر محتمل.
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.