يواجه مسلسل «همي همك» تحديات كبيرة في مجتمع «محافظ» تسيطر فيه القبلية وتصنف «دولة داخل الدولة». ورغم نجاحه الكبير في دور «زمبقة»، اضطر الفنان اليمني نبيل الآنسي إلى الانسحاب هذا العام من النسخة الخامسة من مسلسل «همي همك»، وذلك استجابة لضغوط من قبيلته التي انتقدت تقمصه دورا نسائيا. وفي مجتمع يتسم بالقبلية الشديدة كاليمن يعد التمثيل والفن من المهن غير المقبولة اجتماعياً. ويصبح أداء رجل لشخصية نسائية أكثر تجاوزاً للتقاليد والأعراف القبلية وإساءة بالغة في حق القبيلة، كونها تتعرض جراء ذلك إلى السخرية من القبائل الأخرى خصوصاً المعادية. وقال محمد الآنسي، أحد شيوخ القبيلة التي ينتمي إليها الفنان نبيل «زمبقة»: «حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، كان عليه أن لا يظهر لقبه حتى لا يسبب إحراجاً لأبناء قبيلته بين القبائل الأخرى». من جانبه اعترف الفنان نبيل الآنسي بأنه جُوبه برفض أفراد أسرته المحافظين إلى حد التزمت، لدوره بالمسلسل، وأنه في البداية كان يخشى ردة فعل المجتمع تجاهه وتجاه تمثيله دور امرأة في مجتمع ذكوري وأسرة محافظة جداً. ويصنف مسلسل «همي همك» في صدارة المسلسلات الدرامية والكوميدية اليمنية الأكثر متابعة خلال شهر رمضان المبارك، خصوصاً أنه انتقل في العامين الأخيرين من التركيز على مشكلات اجتماعية في منطقة يمنية معينة إلى التلميح إلى وقائع سياسية شهدها اليمن منذ مطلع عام 2011، بداية من حركة الاحتجاجات ومروراً بالأزمة السياسية ثم وصولاً إلى إسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ويشكل الآنسي نموذجاً لواقع مرعب تواجهه الدراما اليمنية حين تنتقد ظواهر على علاقة بالتركيبة القبلية التي تمسك بقبضة حديدية بمناطق كثيرة في اليمن، ويشكل نفوذها «دولة داخل الدولة»، حتى إن استمرار القنوات التلفزيونية المحلية في تقديم مسلسلات وبرامج ناقدة للتخلف وللسلاح والفوضى أشبه ب»الانتحار». وعبرت قناة السعيدة عن «اعتذارها الشديد» لمشاهديها عن أية أسماء وردت في مسلسل «همي همك» دون قصد. وأكدت في تنويه أضافته على المسلسل أن الأسماء التي وردت في المسلسل لم يقصد بها الإساءة لأي من الشخصيات أو القبائل اليمنية وليست لها أية علاقة بذلك. وكان مشائخ وأعيان آل الهيال (إحدى القبائل اليمنية البارزة) أعلنوا عزمهم على مقاضاة قناة السعيدة عما قلوا إنها إساءة يتعرضون لها من قبل برنامج «همي همك 5». وقال الشيخ فيصل الهيال في بيان صادر عن آل الهيال إن البرنامج لم يسئ لعقلاء ومشائخ صنعاء وخولان فقط وإنما تعدى ذلك وتناول كرم وقيم قبائل ومشائخ مأرب بطريقة مذلة وبذيئة وتحقير سيئ لهم ولكافة آل الهيال كما تناول جزء من حياة بعض الأسر اليمنية في أبين وبعضها الآخر ممن سبق لهم الانتقال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وأضاف البيان أن الشريعة الطاهرة وشريعتنا اليمنية النافذة كالمواد (192، 195، 201، 202) من القانون رقم 12 لسنة 1994م وتعديلاته قد حرمت الإساءة والبذاءات والتغيير الذي يقلب حقائق التاريخ والأصول اليمنية الأصيلة التي يقوم بها برنامج (همي همك 5) . وحذر البيان من أنه في حالة عدم التوقف عن عرض المسلسل فإن على مسؤولي القناة أن يتحملوا مسؤولية ذلك، «ولا يلومون إلا أنفسهم»، على حد وصف البيان . وكان المسلسل نفسه قد تعرض العام الماضي أيضا لهجوم زعماء قبائل في المنطقة الغربية المعروفة إداريا بمحافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، وذلك بسبب تناوله بشكل كبير لممارسات وانتهاكات في حق مواطنين من قبل زعماء عشائر يمتلكون سجونا خاصة، على حد وصف تقارير استند إليها المسلسل. من جانبه، شدد فهد القرني أحد أبطال «همي همك» على ضرورة أن يفهم الجميع أن الدراما هي خيال كاتب ورواية مخرج وفنتازيا لا يجب أن نحملها ما لا تحتمل وأن العمل أضاف إلى الدراما اليمنية جوا ولونا جديدين ينبغي أن يُشجع بشكل مستمر. واستطرد قائلا «إذا وجدت تفسيرات فردية أو شخصية لبعض أفراد وشخصيات المسلسل فإن ذلك لا يعني أن المسلسل موجه ضد قبيلة أو شريحة معينة ورسالتنا واضحة وهي: أينما وجدت الصراعات الداخلية دائما يدمر الكيان سواء كان قبيلة أو دولة، والمسلسل تحدث عن إرث قديم». ودعا القرني النخب والصحفيين والإعلاميين إلى ترك الحساسيات الشخصية والحزبية وأن يتعاملوا مع العمل على أنه تجربة أولى لإبراز التراث البدوي والأصيل. ويرى النقاد أن على الجهات المعنية في الحكومة والدولة أن تقدم الدعم والحماية للقنوات وللممثلين الذين يساهمون في تقديم مسلسلات تنتقد ظواهر اجتماعية سلبية ومتخلفة لا أن تتركهم يتراجعون عن النقد البناء تحت تهديدات القبائل المسلحة. وكثيرا ما تنتقد القنوات اليمنية في المسلسلات والبرامج رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، دون خطر، لكن حين يتعلق الأمر بزعيم عشيرة أو شيخ قبيلة فإن شبح التفجير يهدد القناة المسؤولة وشبح الموت يبدأ بمطاردة الممثل أو المخرج أو المسؤول المباشر عن المسلسل.