الفضيحة الكبرى التي كشفها "سنودون" العميل السري لوكالة المخابرات المركزية الاميركية، تؤشر الى مدى الانهيار الاخلاقي الذي وصلت اليه الدولة الاكبر في العالم ، واجهزتها المخابراتية، وهي تقوم بالتجسس على هواتف المواطنين ، وتنتهك خصوصياتهم . خطورة ما كشفه هذا الشاب الجرئ، الذي لم تمنعه ضخامة الراتب "17" الف دولار شهريا، من "دب الصوت" عاليا ، ليعرف العالم المخدوع باميركا ، ما يجري في الظلام ، وفي الغرف السوداء… أنه لم يستثر ويستفز الشعب الاميركي ، ومؤسساته المدافعة عن حقوق الانسان ، والتي بدت وكأنها مخدرة ، فلم تثر على هذه الاجهزة التي تعتدي على خصوصية الانسان الاميركي، وتجعله عاريا تماما امامها، ولم تطالب بعزل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم المشينة بحق المواطنين الاميركيين، والتي من شأنها الاساءة لاميركا ومبادئها وصورتها في العالم كمدافعة عن حقوق الانسان…هذا اولا. ثانيا: تؤشر الحقائق التي كشفها "سنودون" الى الانقلاب الكبير في القيم والمبادئ الاميركية التي هي سبب نهوض هذه الامبراطورية ، خاصة اذا ما قارناها بفترة السبعينيات من القرن الماضي، اذ تم اجبار الرئيس نيكسون على الاستقالة، بعد ما قام واعضاء من حزبه بوضع اجهزة تنصت في مقر الحزب الجمهوري، وهو ما عرف بفضيحة "ووتر غيت" اعتبرت انتهاكا للقانون ، وعملا مشينا يستحق فاعلوه العقاب وهذا ما حدث بالفعل ، اذ ترتب عليه ان فقد الفاعلون مستقبلهم السياسي . تصوروا ان وضع اجهزة تنصت في مقر الحزب الجمهوري ، ادى الى استقالة الرئيس الاميركي ، في حين التجسس على المواطنين الاميركيين، وانتهاك خصوصياتهم ، يمر هكذا دون عقاب ، وكأنه هفوة بسيطة ، لا تستدعي المساءلة والعقاب… اليست هذه مفارقة خطيرة ، تؤكد الانقلاب الخطير الذي حدث في السياسة الاميركية ؟؟ ثالثا: التجسس هذا لم يعد مقصورا ومحصورا على الاميركيين ، بل وصل الى اوروبا، اذ اعترف "سنودون " بانه تم التجسس على الدول الاوروبية بنفس الاسلوب، ورغم ردة فعل الاتحاد الاوروبي الغاضبة ، والتي تمثلت بتصريحات الرئيس الفرنسي حيث طالب الرئيس الاميركي بايضاح الحقيقة ، الا ان الامور بقيت تحت السيطرة، ثم ما لبثت ان تراجعت موجة الاستنكار هذه الى الصفر .. وتلاشت تماما ."ويا دار ما دخلك شر"..!! وهنا نسال… اذا كانت الادارة الاميركية واجهزتها لا تحترم حقوق الانسان الاميركي، فكيف بالله عليكم تحترم حقوق الانسان العربي؟؟ نجزم ان دولة وصلت الى هذا الانحدار القيمي والاخلاقي ، في طريقها الى زوال، بعد ان تخلت وتنكرت لقيم الرواد الاميركينن الذين بنوا اميركا وجعلوها قبلة العالم ، كما زالت امبراطوريات كثيرة عبر التاريخ ، وهذا ايضا مدعاة بان تكف عن الادعاء بانها حامية حقوق الانسان ، فالذي يجعل من نفسه حاميا ومدافعا عن هذه القيمة النبيلة، عليه ان يصونها في بلده ، ولا يسمح لكائن مهما كان الاقتراب من قدسيتها ، وانزال اشد العقوبات به . لقد بدأ التغيير واضحا في السياسة الاميركية ،بعد انتصارها في الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي ، وبعد ان اصبحت واشنطن هي القطب الوحيد المهيمن على العالم .. فنظرت للحروب الاستباقية ، في عهد المحافظين المتصهينين، وللفوضى الخلاقة ، واحتلوا العراق وافغانسان تحت يافطة مكافحة الارهاب ، ونجزم ان الفوضى الهدامة التي تضرب العالم العربي ،هي بفعل السياسة الاميركية ،لاعادة تقسيمه واحكام السيطرة عليه. باختصار…. تقرير "سنودون" اثبت ان اميركا التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان ، هي اول من ينتهك هذه الحقوق ، وانها سخرت تقدمها التكنولوجي للاعتداء على خصوصية مواطنيها وحلفائها والعالم كله ، لتبقى هي القوة المسيطرة . انه السقوط الاخلاقي. [email protected]