لا ريب أن الأردن يمر بمرحلة ضبابية غير معروفة العواقب بحكم موقعه الحساس من الدول العربية، وما يقتضيه ذلك من واجب النصرة الذي حمله الأردن على الأغلب بقوة، وفتح ذراعيه لاستقبال جميع الأخوة العرب من الدول التي دهتها الحرب وشردت أهلها، وموقعه الأخطر من العدو الصهيوني الذي تستغله الدول الكبرى، أمريكا تحديدا، لابقاء الوضع على ما هو عليه خوفا من أي تغيير قد يمس وجود وأمن ربيبتها "إسرائيل"، حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الشعب وما تزعم أنها تنادي به من الحرية وحقوق الانسان! الا أن الانتظار الى أن تنجلي الغمامة والغشاوة عن دخان أبيض يبين الى أين تسير المنطقة والدور المنوط بالأردن في المرحلة القادمة، يكلف الشعب محليا فاتورة باهظة يدفعونها يوميا من حياتهم وأرزاقهم وكرامتهم، فقد بين آخر تقرير للايكونومست أن الأردن من أسوأ الدول في مستويات المعيشة، وأغلاها في كلفة المعيشة، هذا على المستوى الاقتصادي غير المستوى الانساني والحريات والحقوق، الذي ما انفك يتراجع بحسب تقارير أمنستي وتقرير فريدوم هاوس الذي صنف الأردن كبلد غير حر فيما يتعلق بحرية التعبير والاعلام. يمر الحراك الأردني بحالة غيبوبة فلا هو حي ولا هو ميت، ومع معرفتنا بالظروف التي أدت الى ذلك من النكسة المرحلية للإسلاميين في مصر، والضربة المتوقعة لسوريا، قد نستوعب برود الأطراف الذي أصاب الحراك وأوقفه عن المضي قدما في مسيرة الاصلاح الداخلي، الا أننا لا نلتمس العذر عندما نتذكر أن أبناء الحراك ما زالوا في السجون والحكومة والأجهزة الأمنية تزيد في التعنت دون بوادر مصالحة، أو تنازل، والحكومة تعدت الخطوط الحمراء كلها ووصلت رغيف الخبز، القوت واللقمة الأخيرة لمعظم الشعب الأردني، في الوقت الذي توقف فيه زخم الحراك عن المطالبة بالاصلاح، وما عاد يزعجهم ويذكرهم أن الشعب واقف بالمرصاد لكل تجاوز! لا نقبل ولا نفهم أن يضيع جهد أكثر من سنتين من الحراك الذي لم يدع جمعة ولا يوما من أيام الاسبوع الا واستثمرها لدعم المطالب الاصلاحية، وإيجاد حالة من الوعي العام الشعبي الذي طوف الأردن من أقصاه الى أقصاه، ولم يقتصر على العاصمة بل دفع أبناء المحافظات والعشائر ضريبة السجن والاعتقال أكثر من أبناء عمان. لا نقبل ولا نفهم أن نتوقف وننتظر مستقبلا في عالم الغيب، بل نطالب بالاستمرار في الاصلاح لانه اصلاح داخلي كخطوة أولى، وليس في السياسات الخارجية، بل ان الاصلاح الداخلي يقوي الجبهة الداخلية الأردنية ويجعلها تتحمل تبعات أي خطر أوتهديد خارجي، بل ويقدم للعالم أردنا قويا متماسكا يلتف حول قلب رجل واحد وقرار وطني واحد، فها هي الشعوب المتقدمة لا تستطيع أن تمشي خطوة واحدة وتحرك أساطيلها وتصوب صواريخها وقنابلها دون استشارة الشعب، عن طريق ممثليهم في البرلمان، ونحن يتخذ نوابنا في البرلمان قرارا واضحا وصريحا بطرد السفير الاسرائيلي من البلد، ويظل القرار حبرا على ورق لأن البرلمان ليس له سلطة، فما جاء بقانون قاصر لن يقدم برلمانا قويا يدافع عن الشعب! واذا كان الشعب المصري طالب العالم باحترام ارادته وصوته الانتخابي والمحافظة على الشرعية؛ فإننا نطالب قادة الحراك باحترام أوقاتنا وجهدنا الذي قدمناه حبا وكرامة من أجل الوطن، وسرنا معهم بالثقة على هذا الدرب، لا نقبل أن يضيع جهدنا سدى وينسى الشعب في انتظار القادم، ونعود الى نقطة الصفر دون انجاز يذكر، فعندها يستحق قادة الحراك المحاسبة على خذلاننا والتفريط في جهودنا. إن التاريخ لا يأبه للقاعدين وعجلة التغيير لا تنتظر المتراخين، ومن أخلى موقعه في الحق فإن غيره سيسد الثغرة بالباطل، وفي الصباح لا يحمد الا القوم السرى والمسارعون في الخيرات. إن للاصلاح إقبالا وموسما والادبار عنه أعاد الناس الى حالة الذهول والنسيان، التي يفاقهما الفقر والخوف الذي عاد بنا الى مرحلة "امشي الحيط الحيط وقول يا رب الستر" ! حتى لا يصيبنا مثل ما أصاب جيراننا، وأصبحت الحياة، مجرد الحياة، حتى ولو بلا مقومات العيش الكريم الهدف والاولوية بحد ذاتها، وأصبحنا نجتر مفردات الأمن والأمان دون أن نعيش مضمونها أو نفهم معناها! فأي أمن وأمان والقوت مسلوب والحق مضيّع، والكرامة مهدورة والأمن مرهون بقوة الأصدقاء والحلفاء، والحكومة تفرق بين مسؤول ومواطن ونخبة وعامة في تقديم الخدمات والحماية؟ وبعدما ارتفعنا بالناس الى المطالبة بسقوف وقيم عليا من الحرية وحقوق الانسان والكرامة والمحاسبة والمساءلة، بفضل جهود الحراك داخليا والربيع العربي عربيا عدنا من حيث بدأنا! غير مقبول بتاتا هذه الحالة من الموات الذي يعيشه الحراك الاصلاحي الأردني، وإننا كأبناء الوطن الذين مشينا في أغلب نشاطات الحراك، وتحملنا تبعات ذلك، نطالب قادة الحراك باستئناف العمل، فلم نعطهم الحق في أخذ استراحة أو اجازة وإنما فوضناهم فقط في أن يقودونا في مسيرة الاصلاح، أما قرار الجمود هذا فلا تفويض ولا قبول به بل نستنكره ونرفضه. صاحب الحق لا يركن الى الراحة الا بعد تحصيل حقه، ففي الوقت الذي أخذنا فيه الراحة كان هناك فساد يستشري في مؤسسات الدولة، ومال عام يُسرق، وحقوق إنسان تنتهك وكرامات تذل، وأحرار يزجون في السجون، وإرادة سياسية ترهن مصيرنا وتسلمنا للخارج. المرحلة لا تقبل المواقف المتزعزعة بل تحتاج الى المضي قدما بقوة والأجيال القادمة لن تغفر لنا سكوتنا. والسؤال المطروح على قادة الحراك: ما الخطة القادمة ومتى استئناف العمل؟ أفيقوا يرحمكم الله!.