أثار الموقف السعودي الرافض لعضوية مجلس الامن الدولي جدلاً واسعاً وحظي باهتمام سياسي ومتابعة إعلامية لافتة للنظر.. مبعث الاهتمام بالموضوع هو الخروج على مألوف الاداء الاعتيادي للنظام السعودي، ما اعتبره البعض بالمفاجأة في مضمونها وشكلها وتوقيتها، والأهم من ذلك الاهداف والبواعث والرسالة التي يحملها او يحتملها القرار وما اذا كانت تشكل بداية لتغيير في مسار السياسة السعودية أم لا؟ الغضب السعودي الممزوج بالمرارة والشعور بالخذلان من دور الحليف الاميركي الذي راهن عليه بعض أركان النظام حيث كان الطموح لنفوذ سعودي في سوريا على النمط الحريري في لبنان.. هذا الرهان باء بالفشل وبدا واضحاً ان التوافق الاميركي الايراني على بديل شبيه بنموذج المالكي في العراق هو الاقرب للتحقيق، ما يعني ان السعودية فقدت كل اوراقها ونفوذها في المنطقة، ولعل هذه الخلفية كانت السبب الرئيس في الموقف الجديد في العلاقة الاميركية السعودية الراكدة منذ عام 1945، وهي المرحلة التي أسست لما يسمى بالنظام العالمي الجديد في ذلك الوقت، بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، وتواضع المنتصرون فيها على ما اسموه بالشرعية الدولية والقواعد الحاكمة لتنظيم العلاقات السياسية وادارة الحروب، منذ ذاك الزمان وحتى الآن جرت في النهر مياه كثيرة تغيرت فيه خرائط الجغرافيا السياسية وانتهت حروب باردة واشتعلت معارك اخرى، وتبدلت الاهتمامات والاولويات، ما يعني ان ادارة المرحلة الحالية تحتاج الى تغيير وتجديد ومقاربات مختلفة، فلم يعد النفط مركز الاهتمام الاميركي بعد ان وصلت الولاياتالمتحدة الى انتاج يقترب من الاكتفاء الذاتي. من الواضح ان الاعتذار السعودي عن عضوية غير دائمة بمجلس الامن جاء في اللحظات الاخيرة، الامر الذي يستدعي التوقف امام الاحتمالات القادمة، فالارجح ان تتعرض الادارة السعودية الى حملة دبلوماسية وسياسية لاحتواء هذه الخطوة والضغط من اجل تنفيس الموقف وتفريغه من اية مضامين او مدلولات سياسية والتراجع، يعني أن القرار كان بمثابة قفزة في الفضاء وردة فعل انفعالية لم تكن محسوبة.. وأما إذا أصر النظام السعودي على موقفه؛ فعليه ان يتحمل تبعات ذلك الموقف، فالحملات الاعلامية العالمية التي تنتظر اشارة البدء سوف توظف في طريقها كل نقاط الضعف من حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والاستبداد والفساد وحقوق المرأة والاقليات، وتحديدا حقوق الشيعة في المشاركة السياسية وغيرها، الامر الذي يعني فتح تسهيلات ايرانية برعاية دولية هذه المرة، وسوف تصبح المجموعة الشيعية هي مبرر التدخل الاممي. الموقف "الاسرائيلي" في التوظيف لا تخطؤه العين، فهي تريد توظيف الغضب السعودي ضد التقارب الاميركي الايراني وتحديدا في الملف النووي، ولم تعد قلقة – أي "إسرائيل" – من مخرجات الازمة السورية بعدما نزعت بتوافقات دولية مخالب الاسد وأنيابه في صفقة تدمير الاسلحة الكيماوية، فبقاء بشار الذي سارع الى الاستجابة لمقتضيات الامن الصهيوني أصبح مصلحة "إسرائيلية" بامتياز، وهو الامر الذي يفسر الثقة التي اصبح يتحدث بها بشار في بقائه في السلطة وعن طريق التفاهمات الدولية لحل سياسي قريب في جنيف او غيرها. في مقال سابق حذّرت من ان تعود ايران الى دور الشرطي في المنطقة بعد الانتهاء من التفاهم مع اميركا بعد ان اصبحت الاخيرة بحاجة الى من ينوب عنها في معاقبة حالات التمرد، وإذا قدّر لهذا المقال ان يصل الى اصحاب القرار السعودي فإن التحذير الذي لا بد منه ان تتحول السعودية من دولة اقليمية فاعلة الى ساحة مستهدفة من القوى المؤثرة، ولا شك ان ثمة تهديدات حقيقية من محيط البلاد ومن داخلها سيتم توظيفها لاجل الابتزاز وتقديم التنازلات. في الجعبة السعودية الكثير من الاوراق والبدائل وهي قادرة ان ارادت، وبداية الامر الالتفات الى الاصلاح الداخلي الذي لا غنى عنه في مواجهة التحديات ومن شانه ان يعزز الموقف الوطني، ومن الضروري، ومن الآن؛ سحب كل الذرائع والمبررات التي يمكن ان تستخدمها القوى الاخرى، ولا شك ان مواجهة الموقف الدولي بحاجة الى تحالفات اقليمية جديدة تتجاوز الحسابات الصغيرة لتحقيق المصالح الكبيرة الراجحة.