صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات وتشكيل الجيل العربي الجديد
نشر في الخبر يوم 26 - 10 - 2013

إن الشباب وثوراتهم هم الحقيقة الأكثر ثباتا والأهم في الواقع العربي الجديد. فهم الذين ثبتوا مبدأ التغيير في ظل أكثر الأوضاع جمودا، كما ثبتوا مبدأ التضحية بوسائل سلمية أمام أكثر الجيوش والأنظمة بطشا، وهم أنفسهم الذين حلموا بالمساواة بين كل مواطن والآخر في ظل الشراكة الإنسانية في الحقوق والواجبات. بل إكتشف الجيل العربي مبكرا انه من اجل أن يطالب ببعض الحقوق عليه ان يواجه دبابة، وإكتشف أيضا ان الدبابة بكل قوتها تخشى من شعار وحنجرة ومن بيان وكلمة.
لقد جاءت ثورات الشباب، كما عبرت عن نفسها في ميدان التحرير وميادين الدول العربية، بصفتها حركات إنسانية مدنية مؤمنة بتلاقي المجتمع على أهداف سياسية في وطن يتقاسمه ابناؤه. لهذا فالربيع العربي أكبر من ربيع لأنه سلسلة متتالية من ثورات وحراكات شبابية إصلاحية في طول المنطقة العربية وعرضها بما يعكس مشاعر ومخاوف ورغبات الجيل الشاب المكون من 70٪ من العرب. ومن الخطأ إعتبار الثورات العربية نهاية مرحلة، بل انها في الجوهر بداية طريق متعرج طويل، فالثورات العربية لعبت دور الصاعق المفجر لمرحلة متداخلة فيها الكثير من التحولات المحلية والإقليمية. لقد نجح الجيل العربي بأسرع من المتوقع في تغيير قادة أنظمة سياسية وفي تأسيس إنطلاقته عبر حراكات سياسية في مجتمعات عربية كثيرة، لكنه يكتشف في نفس الوقت آلام التعثر، فتحقيق حلمه بالتغيير والتقدم والعدالة والمساواة والحريات سيتطلب جهودا تراكمية تتجاوز اللحظة التفجيرية الاولى للثورات العربية.
لقد مورست السياسة لدى العرب منذ الإستقلال بصفتها مواجهة مع الخارج، أما في الداخل فمورست السياسة بصفتها إحتكاراً للأقوى أمنيا وعسكريا وبصفتها فساداً وإفساداً وعداء مع الناقد والمعارض والرأي الآخر، مما أدى إلى تراجع ميزان الحقوق والعدالة والتنمية والثقة. وقد أسس هذا الوضع للإستعلاء والفساد والتعصب في الداخل بينما ساد الضعف في العلاقة مع الخارج. وهذا يفسر إلى حد كبير كيف تراجع النظام العربي أمام إسرائيل في حروب شتى، وكيف إنتهى حال العراق في ظل حكم صدام حسين إلى تدخل خارجي لم يصمد أمامه سوى ساعات وأيام.
والجدير بالإنتباه أن أوضاع الدول التي ثارت فيها الشعوب لم تكن تشبه في ديكتاتوريتها الأنظمة التي انتشرت في آسيا والتي رغم ديكتاتوريتها الا إنها كانت تنمي وتطور. فأن نقول بأن ثورات العرب الاخيرة كانت فقط ضد الديكتاتورية فيه تقليل من حدة الغضب العربي. فالأنظمة الاسيوية مثلا كماليزيا وسنغافورة سابقا وكوريا الجنوبية سابقا ساهمت في تنمية مجتمعاتها وتصدت للفساد مما مهد لنشوء الطبقة الوسطى المستقلة والمؤسسات ولحالة ديموقراطية رغم تاريخها الديكتاتوري. إن لب الاختلاف بين ديكتاتوريات العرب وبعض الديكتاتوريات في أقاليم أخرى أن الديكتاتوريات العربية التي ثارت الشعوب ضدها كانت نهمة ماليا وإنشغلت حتى النخاع في الفساد والافساد والتوريث وتدمير الطبقة الوسطى إضافة الى أنها لم تكترث للصالح العام. لهذا فالمشكلة العربية اعمق من تلك القائمة مثلا مع ديكتاتوريات آسيا او حتى اميركا اللاتينية. فالديكتاتوريات العربية التي ثارت الشعوب ضدها اوصلت الأمة الى القاع.
لقد إكتشف الجيل العربي الذي إنفجر ان استمرار ثورته دفع بالأنظمة لتحويل المعركة إلى مواجهة طائفية بين أقلية وأغلبية وبين ريف ومدينة وبين قبيلة وحاضرة او بين متطرفين دينيين وعلمانيين، فمن خلال التقسيم التقليدي يمكن إعادة استحضار القديم. لكن الصراع بصبغته الطائفية والعصبوية وحتى الدينية لا يمثل المشهد الرئيسي العربي. إن جوهر المشكلة العربية كان ولا يزال وسيبقى الى أمد طويل مرتبطاً أساسا بالقدرة على إستيعاب متطلبات جيل عربي يمثل اغلبية السكان بدأ في السير في طريق الثورة والتغيير. لهذا فمن دون علاج صادق وتشاركي لمشكلة إحتكار السلطة والعدالة والسيطرة على الموارد ستبقى الأزمة مفتوحة وستستمر الحرائق في منطقتنا. ان السير نحو معادلة عربية إنسانية لمشكلة إحتكار فئة للدولة والسلطة سيتطلب إستعادة بوصلة الحقوق في ظل وصول جيل عربي جديد يحمل مشروعا تنمويا لهرم السلطة السياسية في البلاد العربية.
وقبل أن نلوم الاخر أكان غربيا او إقليميا (ايران او حتى تركيا) يجب أن نتساءل كيف أدى إعتماد أنظمة بكاملها على طائفة محددة في العراق في عهد صدام ثم في العهد الجديد، وفي سورية في عهد الاسد الاب والابن، الى حالة الكراهية والخوف بين طوائف مهمشة. ثورات العرب تؤكد لنا أن التهميش والقمع ان أخذ صبغة طائفية او قبلية او مناطقية يصنع غضبا صامتا كما يبني عصبية وتضامناً بين جموع الضعفاء. إن الإضطهاد الطائفي يصنع تضامناً طائفياً مضاداً عماده المذهب، والإضطهاد الديني يصنع تعصبا دينيا عماده الدين، والتهميش القومي يخلق تضامناً قومياً عماده اللغة كما يحصل مع الأكراد. إن التمييز والعنصرية لا زالا، حتى لو اخذا ابعادا فئوية في هذه اللحظة التاريخية، أحد محركات الثورات العربية.
ومن الطبيعي ان ينتشر الشعور بعد كل ثورة بضرورة العودة الى الأوضاع كما كانت قبل الربيع العربي. ومن الطبيعي ان يترحم البعض على السابق. هكذا فعلنا بعد سقوط الملك فاروق ومجيء عبد الناصر، ونفعل بعد سقوط مبارك ومجيء مرسي، ونفعل بعد سقوط مرسي ومجيء السيسي. لكننا لا نملك خيار العودة بالتاريخ الى الوراء. إن العودة الى النظام القديم تحت حكم الأسد أو حكم الجيش في مصر وحكم ديكتاتور في اليمن او ليبيا لن يؤدي الا الى تفجير ثورات أكبر بعد فترة من التردي. فهذا خيار لا يملكه الجيل العربي الذي فجر الوضع العربي الراهن في 2010-2011. العرب يتغيرون كل ساعة وكل يوم، فما سقط وذهب لن يعود، والشعوب التي ثارت وهزمت الخوف لن يرهبها ديكتاتور، لهذا فمخاض البحث عن الجديد هو المهمة التاريخية الأصعب التي ستستنزف جهود العرب وجهود الجيل.
إن من يريد ان يمارس السياسة بعد ثورات العرب سيحتاج إلى أن يفكر اولا بمشروع سياسي يؤدي الى نهضة أمة ودولة ويؤدي إلى نمو وإزدهار وعدالة. وعلى من يريد ان يكون في القيادة، أكان يحمل مرجعية إسلامية او ليبرالية ديموقراطية، او إن كانت مرجعيته ما يعرف بالدولة العميقة او خليط من مكونات مختلفة، ان يفكر في الآخرين وفي المشروع الأوسع قبل أن يفكر بنفسه ومغانمه الضيقة. فمشكلة العرب حتى اللحظة ان كل فئة تفكر اولا بمغانمها قبل ان تفكر بالشعب وبالمجتمع الذي تمثله.
وبينما شهد أوائل القرن العشرين بداية نشوء القومية العربية والتي توجت بنشوء الناصرية وحركة القوميين العرب، يمكن القول أن ثورات الشباب في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين هي مجرد بداية في سلسلة متشابكة وطويلة من التحركات هدفها إعادة تشكيل الامة العربية إنسانيا وحضاريا، تنمويا وديموقراطيا. لن تنجح المشاريع العربية القادمة بلا إشراك حقيقي وقيادي لتلك القوة الشبابية التي صنعت الثورات. لن يقوم الإستقرار في غياب الدور النوعي الذي ستقدمه القوى السياسية التي ستنشأ من رحم الحركات الشبابية في المرحلة القادمة. مع الجيل الصاعد فقط سيكون ممكنا إكتشاف مشروع أكثر عمقا يصنع للعرب قطيعة تاريخية مع عبادة السلطة والفرعون وصناعة الديكتاتور وتأليه الفساد والظلم.
الثورات وتشكيل الجيل العربي الجديد
شفيق ناظم الغبرا
ان الشباب وثوراتهم هم الحقيقة الأكثر ثباتا والأهم في الواقع العربي الجديد. فهم الذين ثبتوا مبدأ التغيير في ظل أكثر الأوضاع جمودا، كما ثبتوا مبدأ التضحية بوسائل سلمية أمام أكثر الجيوش والأنظمة بطشا، وهم أنفسهم الذين حلموا بالمساواة بين كل مواطن والآخر في ظل الشراكة الإنسانية في الحقوق والواجبات. بل إكتشف الجيل العربي مبكرا انه من اجل أن يطالب ببعض الحقوق عليه ان يواجه دبابة، وإكتشف أيضا ان الدبابة بكل قوتها تخشى من شعار وحنجرة ومن بيان وكلمة.
لقد جاءت ثورات الشباب، كما عبرت عن نفسها في ميدان التحرير وميادين الدول العربية، بصفتها حركات إنسانية مدنية مؤمنة بتلاقي المجتمع على أهداف سياسية في وطن يتقاسمه ابناؤه. لهذا فالربيع العربي أكبر من ربيع لأنه سلسلة متتالية من ثورات وحراكات شبابية إصلاحية في طول المنطقة العربية وعرضها بما يعكس مشاعر ومخاوف ورغبات الجيل الشاب المكون من 70٪ من العرب. ومن الخطأ إعتبار الثورات العربية نهاية مرحلة، بل انها في الجوهر بداية طريق متعرج طويل، فالثورات العربية لعبت دور الصاعق المفجر لمرحلة متداخلة فيها الكثير من التحولات المحلية والإقليمية. لقد نجح الجيل العربي بأسرع من المتوقع في تغيير قادة أنظمة سياسية وفي تأسيس إنطلاقته عبر حراكات سياسية في مجتمعات عربية كثيرة، لكنه يكتشف في نفس الوقت آلام التعثر، فتحقيق حلمه بالتغيير والتقدم والعدالة والمساواة والحريات سيتطلب جهودا تراكمية تتجاوز اللحظة التفجيرية الاولى للثورات العربية.
لقد مورست السياسة لدى العرب منذ الإستقلال بصفتها مواجهة مع الخارج، أما في الداخل فمورست السياسة بصفتها إحتكاراً للأقوى أمنيا وعسكريا وبصفتها فساداً وإفساداً وعداء مع الناقد والمعارض والرأي الآخر، مما أدى إلى تراجع ميزان الحقوق والعدالة والتنمية والثقة. وقد أسس هذا الوضع للإستعلاء والفساد والتعصب في الداخل بينما ساد الضعف في العلاقة مع الخارج. وهذا يفسر إلى حد كبير كيف تراجع النظام العربي أمام إسرائيل في حروب شتى، وكيف إنتهى حال العراق في ظل حكم صدام حسين إلى تدخل خارجي لم يصمد أمامه سوى ساعات وأيام.
والجدير بالإنتباه أن أوضاع الدول التي ثارت فيها الشعوب لم تكن تشبه في ديكتاتوريتها الأنظمة التي انتشرت في آسيا والتي رغم ديكتاتوريتها الا إنها كانت تنمي وتطور. فأن نقول بأن ثورات العرب الاخيرة كانت فقط ضد الديكتاتورية فيه تقليل من حدة الغضب العربي. فالأنظمة الاسيوية مثلا كماليزيا وسنغافورة سابقا وكوريا الجنوبية سابقا ساهمت في تنمية مجتمعاتها وتصدت للفساد مما مهد لنشوء الطبقة الوسطى المستقلة والمؤسسات ولحالة ديموقراطية رغم تاريخها الديكتاتوري. إن لب الاختلاف بين ديكتاتوريات العرب وبعض الديكتاتوريات في أقاليم أخرى أن الديكتاتوريات العربية التي ثارت الشعوب ضدها كانت نهمة ماليا وإنشغلت حتى النخاع في الفساد والافساد والتوريث وتدمير الطبقة الوسطى إضافة الى أنها لم تكترث للصالح العام. لهذا فالمشكلة العربية اعمق من تلك القائمة مثلا مع ديكتاتوريات آسيا او حتى اميركا اللاتينية. فالديكتاتوريات العربية التي ثارت الشعوب ضدها اوصلت الأمة الى القاع.
لقد إكتشف الجيل العربي الذي إنفجر ان استمرار ثورته دفع بالأنظمة لتحويل المعركة إلى مواجهة طائفية بين أقلية وأغلبية وبين ريف ومدينة وبين قبيلة وحاضرة او بين متطرفين دينيين وعلمانيين، فمن خلال التقسيم التقليدي يمكن إعادة استحضار القديم. لكن الصراع بصبغته الطائفية والعصبوية وحتى الدينية لا يمثل المشهد الرئيسي العربي. إن جوهر المشكلة العربية كان ولا يزال وسيبقى الى أمد طويل مرتبطاً أساسا بالقدرة على إستيعاب متطلبات جيل عربي يمثل اغلبية السكان بدأ في السير في طريق الثورة والتغيير. لهذا فمن دون علاج صادق وتشاركي لمشكلة إحتكار السلطة والعدالة والسيطرة على الموارد ستبقى الأزمة مفتوحة وستستمر الحرائق في منطقتنا. ان السير نحو معادلة عربية إنسانية لمشكلة إحتكار فئة للدولة والسلطة سيتطلب إستعادة بوصلة الحقوق في ظل وصول جيل عربي جديد يحمل مشروعا تنمويا لهرم السلطة السياسية في البلاد العربية.
وقبل أن نلوم الاخر أكان غربيا او إقليميا (ايران او حتى تركيا) يجب أن نتساءل كيف أدى إعتماد أنظمة بكاملها على طائفة محددة في العراق في عهد صدام ثم في العهد الجديد، وفي سورية في عهد الاسد الاب والابن، الى حالة الكراهية والخوف بين طوائف مهمشة. ثورات العرب تؤكد لنا أن التهميش والقمع ان أخذ صبغة طائفية او قبلية او مناطقية يصنع غضبا صامتا كما يبني عصبية وتضامناً بين جموع الضعفاء. إن الإضطهاد الطائفي يصنع تضامناً طائفياً مضاداً عماده المذهب، والإضطهاد الديني يصنع تعصبا دينيا عماده الدين، والتهميش القومي يخلق تضامناً قومياً عماده اللغة كما يحصل مع الأكراد. إن التمييز والعنصرية لا زالا، حتى لو اخذا ابعادا فئوية في هذه اللحظة التاريخية، أحد محركات الثورات العربية.
ومن الطبيعي ان ينتشر الشعور بعد كل ثورة بضرورة العودة الى الأوضاع كما كانت قبل الربيع العربي. ومن الطبيعي ان يترحم البعض على السابق. هكذا فعلنا بعد سقوط الملك فاروق ومجيء عبد الناصر، ونفعل بعد سقوط مبارك ومجيء مرسي، ونفعل بعد سقوط مرسي ومجيء السيسي. لكننا لا نملك خيار العودة بالتاريخ الى الوراء. إن العودة الى النظام القديم تحت حكم الأسد أو حكم الجيش في مصر وحكم ديكتاتور في اليمن او ليبيا لن يؤدي الا الى تفجير ثورات أكبر بعد فترة من التردي. فهذا خيار لا يملكه الجيل العربي الذي فجر الوضع العربي الراهن في 2010-2011. العرب يتغيرون كل ساعة وكل يوم، فما سقط وذهب لن يعود، والشعوب التي ثارت وهزمت الخوف لن يرهبها ديكتاتور، لهذا فمخاض البحث عن الجديد هو المهمة التاريخية الأصعب التي ستستنزف جهود العرب وجهود الجيل.
إن من يريد ان يمارس السياسة بعد ثورات العرب سيحتاج إلى أن يفكر اولا بمشروع سياسي يؤدي الى نهضة أمة ودولة ويؤدي إلى نمو وإزدهار وعدالة. وعلى من يريد ان يكون في القيادة، أكان يحمل مرجعية إسلامية او ليبرالية ديموقراطية، او إن كانت مرجعيته ما يعرف بالدولة العميقة او خليط من مكونات مختلفة، ان يفكر في الآخرين وفي المشروع الأوسع قبل أن يفكر بنفسه ومغانمه الضيقة. فمشكلة العرب حتى اللحظة ان كل فئة تفكر اولا بمغانمها قبل ان تفكر بالشعب وبالمجتمع الذي تمثله.
وبينما شهد أوائل القرن العشرين بداية نشوء القومية العربية والتي توجت بنشوء الناصرية وحركة القوميين العرب، يمكن القول أن ثورات الشباب في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين هي مجرد بداية في سلسلة متشابكة وطويلة من التحركات هدفها إعادة تشكيل الامة العربية إنسانيا وحضاريا، تنمويا وديموقراطيا. لن تنجح المشاريع العربية القادمة بلا إشراك حقيقي وقيادي لتلك القوة الشبابية التي صنعت الثورات. لن يقوم الإستقرار في غياب الدور النوعي الذي ستقدمه القوى السياسية التي ستنشأ من رحم الحركات الشبابية في المرحلة القادمة. مع الجيل الصاعد فقط سيكون ممكنا إكتشاف مشروع أكثر عمقا يصنع للعرب قطيعة تاريخية مع عبادة السلطة والفرعون وصناعة الديكتاتور وتأليه الفساد والظلم.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.