السفر إلى منطقة حرض الحدودية والتي تتبع جغرافياً لمحافظة حجة، أمر اعتيادي، إن كنت في مهمة عادية، ستجد نفسك مرحباً بين القبائل، ولن تبخل على نفسك بربطة قات شامي تسهر على أعوادها إلى الهزيع الأخير من الليل؛ لكن عندما تكون المهمة إلى جبهة قتال فالأمر مختلف هنا. كانت وجهتنا إلى جبهة حرض التي يتواجد فيها عدد من رجال القبائل لغرض قطع الطريق والإمداد عن الحوثي في الطريق الواصل إلى محافظة صعدة.. في منطقة عبس التابعة لمحافظة حجة، قابلنا أحد رجال القبائل، وأخبرنا أن عبس منطقة آمنة، ولا خوف من التواجد الحوثي فيها، إلا أنه شدد علينا من الحذر قرب حرض وبعدها، فرغم أن جبهة حرض القبلية مسيطرة على الوضع إلا أن هناك الكثير من الكمائن التي يعدها بعض الحوثيين للإيقاع بكل من يعود من تلك الجبهة. في بداية حرض تقابلك نقطة عسكرية بجوارها أطقم عسكرية حديثة من نوع "سيارات فورد" قيل أنها جاءت مساعدات من الولاياتالمتحدةالأمريكية، طلب الجنود البطائق الشخصية، ثم غادرنا النقطة وبدأت دولة القبائل. في الاتجاه الأيمن الطريق الموصل إلى محافظة صعدة، كان هذا الطريق هو هدفنا.. خلال مسافة ليست بالطويلة أوقفتنا نقطة أمنية تابعة للقبائل المسيطرة على المنطقة في الجبهة، وعلى جانبي الطريق كنا نرى بعض المسلحين المدنيين يمتطون أسلحتهم وكأنهم يؤدون وظيفة حماية الطريق. انتظرنا حتى أخذ الشباب في تلك النقاط التعليمات من قادتهم بالإذن بدخولنا، رافقنا أحد الشباب من مطقة عبس إلى الجبهة، ذهاباً وإياباً كدليل يدلنا على الطريق. دخلنا إلى واد جبلي متوسط تعلوه تلال من الجبال المتوسطة والكبيرة، على الطريق بعض النقاط، شاهدنا في التباب مراكز عسكرية للقبائل وخيام تابعة للمسلحين، وهناك مركز تدريب للذين ينضمون للجبهة. أوصلنا المرافق الدليل إلى تلة صغيرة، عليها خيمة منصوبة ويحرسها عدد من المسلحين القبائل، يمضغون القات ويراقبون المشهد بصمت، علمنا بعدها أن بعضهم مرافقون لقائد الجبهة الشيخ أبو مسلم الزعكري. مع قائد الجبهة أبو مسلم طلبنا أن نلتقط بعض الصور للمشاهد التي أمامنا، رفض المقاتلون وقالوا لا نريد تصوير مواقعنا العسكرية، يفضل أن تتوقفوا عن التصوير، كما أنه يمنع تصوير الشخصيات خوفاً عليهم حسب ما أخبرونا. افترشنا الأرض في انتظار أن نقابل قائد الجبهة الذي كان نائماً، أيقضه المرافقون وأخبروه أننا في انتظاره، استيقظ وقابلنا بترحاب بعد أن غير ملابسه وبدأ يتحدث بحسرة على ما أصاب منطقة دماج من حصار من قبل جماعة الحوثي. وقبل ذلك أسباب قيام هذه الجبهة التي أوضح أنها دفاعاً عن أبناء دماج المظلومين، التي تركتهم الدولة يرزحون تحت حصار وقصف الحوثي. قال أبو مسلم، أن موقف الدولة مخزي وغير مشرف، وليس الدولة فحسب، بل أكد أن القوى السياسية والقبلية حتى التي شردها الحوثي من صعدة متخاذلة عن قضية دماج، وتحسب المواجهات على مقياس الربح والخسارة، وليس مسألة دفاع عن عرض وشرف وأرض أبناء المنطقة. على اليمين والشمال من التبة التي جلسنا عليها، كنا نشاهد جبال مرتفعة، وتلال من الجبال، قال أبو مسلم أنها تحت سيطرتهم، ورفض أن يحدثنا عن عدد المقاتلين في الجبهة، قال أنهم ليسوا بالكثير. حدثنا أبو مسلم أن بعض القبائل حذرته من الدخول في مواجهات مع الحوثي، وأن الحوثي سيبتلع حرض كونه يمتلك تكوينات دولة، لكنه رفض وقال: سأكون شوكة في حلق الحوثي حتى يخرج من حرض وصعدة. وأضاف أبو مسلم "قلت لهم لو سقطت السماء على الأرض ونحن بينهما لن نتراجع عن موقفنا، فإما أن نكون أو لا نكون، إما أن يتحقق الأمر الذي خرجنا لأجله أو نهلكه دونه". وأضاف: "نحن هنا لكسر حاجز الخوف، وكسر حاجز هيبة الحوثي، نحن وضعنا العقبات وراءنا ولن نتراجع، ولن نعود بخفي حنين". أوضح أبو مسلم، أنه تعرض لضغوطات من صنعاء واغراءات، وأعطوه منصب مستشار المحافظة، وقالوا له نحن أهملناك في الماضي، وسنعوضك، إلا أنه رد عليهم بالرفض وأنه لم يخرج من أجل منصب سياسي أو مصلحة شخصية. قلت له من هي الأطراف التي قدمت لك هذه الطلب: أجاب بأنها جهات سياسية دون أن يوضح أكثر. وتابع حديثه "الحوثي قدم لنا اغراءات بترك منطقة عاهم ومستبأ، مقابل فك الحصار عن صعدة وفتح جبهة حرض، إلا أننا رفضنا هذا العرض حتى يتم فك لحصار الشامل على دماج، لأن الحوثي مراوغ كالثعلب، ويحتاج إلى هبة من الشعب كله لإيقافه". حدثنا أبو مسلم عن بعض مشائخ صعدة الذين خرجوا منها بعد ضغط من الحوثي وتهديد، قال أنهم رضوا بفلل في جدة، وبعض الهبات التي يحصلون عليها، وتركوا قضيتهم وكرامتهم، وأصبحوا شيخ بلا قبيلة، وقبيلة بلا شيخ. سألته، أين السعودية من ما يجري في دماج: أجاب. السعودية مثل الذي يحفر من كل أتجاه، كما أن عبث اليمنيين السياسي، ولد لديها عدم الثقة لأنهم استنزفوها بدون فائدة، كانت تكتشف ملفات سرية واتضح أن الحروب السابقة كانت حروب تجارية". نفى دعم السعودية لجبهة حرض، وقال: نحن معتمدون على الله، ولا نسوق قضيتنا عند أحد، لقد خرجنا وتركنا خلفنا كل شيء. قبائل ليس لديها ما تخسره خرجنا من عند الرجل، وشعرنا أن هناك حاجة داخلية لخوض هذه المعركة، وأن هناك قهر وظلم دفع بهذه القبائل أن تتواجد في تلك الجبال القاحلة الباردة في مواجهة الموت. كان هناك شاب في بداية عمره، يمتطي سلاحه، ويتحرك بسرعة وبراعة، ولديه طلاقة في الكلام، عمره لا يناسب للقتال في مثل تلك الجبال، أخبرنا أحدهم أنه فقد والده في صعدة، وجاء من صنعاء ليقاتل من قتل أباه. قال لي أنه كان يدرس في إحدى أرقى المدارس الأهلية بمنطقة حدة بصنعاء، وعندما فقد والده، ترك كل شيء وجاء ليجاهد ضد الحوثيين، لقد خسر كل شيء، خسر أغلى ما يملك. في مساحة جغرافية كبيرة تسيطر القبائل عليها، لقطع الطريق والإمداد على جماعة الحوثي، إلا أن الحوثيين شقوا طرقاً فرعية جديدة للسيارات "الشاصات" تحمل لهم بعض الوقود وما أمكن من المواد الغذائية عبر التهريب. وتتجمع القبائل في تلك المنطقة من مختلف المحافظات وخاصة من حجةوحرض والحديدة، حيث نصبوا حاجزاً في الطريق الواصل إلى محافظة صعدة، معقل جماعة الحوثيين، مطالبين بفل الحصار عن دماج. قبل أن آذان المغرب، طلب منا المرافقون أن نرحل من المنطقة، ويجب علينا الخروج قبل أن يبدأ الظلام، خوفاً علينا من التعرض لكمين حوثي. خرجنا من المنطقة الوعرة، حيث لا تجد للدولة أي وجود، وإن كنا لاحظنا بعض الأطقم العسكرية، لكن يبدو أنها تابعة للقبائل..كنا نسخر من موقف الدولة وضعفها أمام ما يجري، حتى أن أحدنا ضحك على أحد الجنود في أول نقطة قابلتنا داخل مدينة حرض عندما طلب منا هوياتنا. قال بصوت منخفض " روح قلد عفاطة عند القبائل". على جانبي الطريق تسكن الكثير من العوائل التي نزحت من صعدة، على خيم ومنازل صغيرة من القش، قال مرافقنا أنهم يحصلون على بعض المساعدات من المنظمات الإغاثية لكنها لا تسد حجم الحاجة.