لعل البعض ينتظر رؤية أبو جهل وهو يغادر محطة محافظة حجة راكباً فرسه، والعبيد ملتفون حوله بصدورهم العارية يطوف محافظات الجمهورية، كي يؤمن بوجود ثلة من المستبدين وأمة من المستعبدين. قرابة الشهرين.. و"المصدر أونلاين" يعرض نماذج وعينات من المستضعفين والمكبلين بقيد الرق، لعلكم تتذكرون بعض أسمائهم: قناف، مصوعية، بخيت، مبارك، زليخة، شعية، يحيى، صغيرة، وغيرهم. خمسون يوماً والحيرة تتملكني، هل أسرد لكم حكاية هذا العبد أم قصة تلك الجارية؟ هل أكشف لكم عن هذه المأساة، أم أبوح لكم عن ذلك السر، هل أزور تلك المحافظة أم هذه؟ وأين أذهب.. هذه المديرية أم المجاورة لها، تلك القرية الواقعة على الساحل أم قرينتها في علو قمة الجبل؟! مفكرتي لم تعد تطيقني، وخانة مواعيدي وزياراتي الميدانية باتت عشوائية لاستحداثاتي المتناقضة! قررت إعادة ترتيب وتنظيم كل شيء، يبدو أنني بحاجة لذلك. بحاجة لقضاء فترة أطول في مناطق وقرى العبيد والجواري. أصغي لهم واحداً تلو آخر. وبعد عيد الفطر أبوح لكم بما لملمته في رحلتي مع عبيد اليمن.
في الجزء السادس من الملف الذي لم يفتح من قبل.. يكشف "المصدر أونلاين" عن المضايقات والتهديدات التي تعرض لها العبيد، وتعرض ما يمكن وصفه بالتناقضات الحكومية.. إلى التفاصيل...
شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات عدة من قبل الجانب الحكومي. ورغم تناقضاتها إلا أنها تبدو جيدة بعد أن خيم الصمت على قضية العبيد والجواري قرابة النصف قرن. ففي منتصف الأسبوع الماضي أنهى الفريق الميداني المكلف من قبل وزيرة حقوق الإنسان، الدكتورة هدى ألبان، مهمته لتقصي الحقائق حول ما نشره "المصدر أونلاين" عن العبودية في اليمن.
وبحسب الفريق فإن عملية النزول الميدانية اقتصرت على مديريتي كعيدنة والزهرة، بسبب شحة الموازنة المالية المعتمدة للوزارة.
أعضاء الفريق الذين قاموا بمباشرة مهامهم فور صدور القرار الوزاري، اضطروا للنزول وتحمل نفقات السفر من أموالهم الخاصة لعجز الوزارة عن دفع المستحقات المالية لهم.
فور عودتهم تلقيت اتصالاً من المسؤول عن الفريق الميداني: "نشكرك على ما قمت به ونشتي نأخذ منك العديد من المعلومات لكي نضمها في التقرير" قالها بسيم العريقي. كنت متحمساً للغاية لكن ظروفي حالت دون تمكني من لقائه الأسبوع الفائت، فحينها كنت مشغولاً بتلك المضايقات والتهديدات التي تعرض لها العديد من العبيد والجواري.
انحصرت تلك التصرفات اللامسؤولة على الموظفين الحكوميين بمحافظة حجة وامتد أثرها إلى المستعبدين بمحافظة الحديدة.
قناف بن سيارة: أم قاضي عبدالرحمن جبريل قال نبوك (نذهب) لعندهن بنيابة عبس وأنا اشا شورك (رأيك).
كان ذلك يوم الثلاثاء 20 يوليو الجاري، حينها تملكتني الحيرة لأن أعضاء السلطة القضائية يقضون إجازتهم القضائية، إضافة إلى أن الاختصاص القضائي للمكان الذي يعيش فيه قناف هو محكمة ونيابة الزهرة بمحافظة الحديدة، في حين أن عبدالرحمن جبريل هو عضو بنيابة عبس بمحافظة حجة.
لمدة ستة أيام ونيابة عبس تقوم بملاحقة قناف والجارية مصوعية، والأخيرة لست خائفاً عليها لمعرفتي بقوتها وصلابتها: "اشا منك تسكت أم خوف عند قناف" قالتها مصوعية بصوتها المرتفع وكعادتها الساخرة: لو "تزوجوني بقناف أرفض.. هو جبان".
ظهر الاثنين 26 يوليو التقيت بالنائب العام الدكتور عبدالله العلفي وشرحت له ملابسات القضية. فرد النائب أيش اسمه؟ (بامتعاض قالها) بدل ما يقوم مع هؤلاء الضحايا والضعفاء يعمل هكذا! وبعدين هذا مش من اختصاصه، أنا سأتخذ إجراءاتي القانونية". ويخرج قلمه ومفكرة صغيرة من جيبه ويدون اسم عضو نيابة عبس عبدالرحمن جبريل.
لم تقتصر تلك التصرفات المخزية على هذا الأمر، ففي مديرية أسلم قامت إدارة أمن المديرية بالتحقيق مع كل من التقت بهم أو قاموا بتسهيل مهمتي أو أجريت معاهم حوارات صحيفة.
وأجبرت إدارة الأمن كلاً من العبيد مبارك وبخيت وأحمد وعلي، على التوقيع بالبصمة على أوراق رسمية جاء فيها بأن الصحفي قام بإعطائهم مبالغ مالية مقابل تحدثهم ل"المصدر أونلاين" بأنهم عبيد.
كما ضغطت إدارة المديرية وإدارة الأمن على مدير مكتب الصحة عمر محمد غالب وعضو المجلس المحلي حسن إسماعيل دروب بهدف تكذيب ما نقلته الصحيفة على ألسنتهم.
ورغم ما تعرض له غالب ودروب من تهديدات ومضايقات إلا أنهما رفضا الانصياع لرغبة مدير المديرية.
يقول مدير الصحة بمديرية أسلم: "ارغموني على نفي ما قلته لكم عن وجود 5000 عبد في مديريتنا، لكنني مستحيل أرضخ لتهديداتهم، فتلك هي الحقيقة ويجب علينا العمل على حلها لا نفيها.. أنا أستغرب من كل من يقول بأن مديريتنا خالية من العبيد، فهؤلاء المزايدون يخشون فقط على مناصبهم وثرواتهم، لكننا جمعياً سنقف لهم بالمرصاد، ويكفي ما عاشه العبيد من ذل وامتهان وعلينا العمل معاً لحل هذه القضية بدلاً من نفيها وتكذيبها".
لعل الشاب يحيى جهل كان أكثر من تعرض للمضايقات، فحماسته لحصر كافة المستعبدين وإعداد قائمة بيانات دقيقة عن العبيد في مديرية أسلم جعلته عرضة للتهديدات والضغوطات، والأخيرة امتدت لأفراد عائلته الذين انقسموا لشقين أحدهما مع يحيى والآخر ضده.
يحيى الذي يدير فريقه الرائع لمناهضة العبودية، اضطر على مدى الأسبوعين الماضيين إلى تغيير شريحة موبايله ثلاث مرات، وإلى التخفي عن عيون السلطة المحلية وجهاز الأمن بالمديرية، والأسوأ من ذلك أن مشروعه الذي وصلت بياناته إلى 200 عبد تم أخذه عنوة من المجلس المحلي: "لا تقلق سنرجع إليهم وندون بياناتهم من جديد". قالها يحيى بحماسة تنبئ عن إيمانه بالمسؤولية التي سخر إجازته الصيفية لأجلها.
صباح الاثنين 26 يوليو أدار سالم الأحمدي مدير مديرية أسلم اجتماعاً ضم أعضاء من المجلس المحلي والشخصيات القبلية، وخلصت بحسب ما نقله أحد الحاضرين ل"المصدر أونلاين" إلى أن المديرية تخلو من العبيد، وما جاء في الصحيفة كله كذب وافتراء، وكان هذا ما تم التوصل إليه بعد أن فشل المجلس المحلي من الخروج بموقف موحد على مدى الثلاثة الأيام الماضية.
أخبرني مساء الأربعاء 21 يوليو أحد أعضاء مجلس النواب بأن رئيس الجمهورية وجه بصرف مساكن للعبيد، وكان ذلك في لقاء لم تنقله وسائل الإعلام الرسمية. وقال المحامي محمد ناجي علاو في مكالمة هاتفية ليلة الأحد 25 يوليو، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن الأمين العام للمجلس الملحي بمحافظة حجة أمين القدمي وجه مدراء المديريات بنفي القضية و"....".
يقول يحيى جهل: "هناك توجيهات صدرت من المحافظة للمديريات باعتقال كل من يتحدث لوسائل الإعلام عن قضية العبودية، وأنا خائف على العبيد والجواري من احتجازهم.. يكفي ما وقع للعبد بخيت ومبارك وغيرهم".
في الواقع كل التصرفات الصادرة من هؤلاء المسؤولين لا تعبر عن اهتمامهم، بقدر اهتمامهم وحرصهم على نفيها وتكذيبها ومضايقة كل من يتحدث أو يكشف عنها، وهذه التصرفات حسب اعتقادي لا تمثل وجهة الحكومة بدليل ما سنورده لاحقاً بين السطور.
أحمد الجبلي محافظ محافظة الحديدة رفض الامتثال لتلك الرغبات النفسية التي تعتري الخائفين على مناصبهم من الزوال. ونقل المحامي علاو منسق منظمة هود ل"المصدر أونلاين" بأن الجبلي سيعمل على تصويب مظاهر الخلل وسيتحمل مسؤوليته تجاه هذه القضية.
قضية العبودية التي أثارها البرلماني عبدالعزيز جباري في جلسة البرلمان المنعقدة صباح السبت 24 يوليو لم تلق القبول من ثلاثة من ممثلي البرلمان عن محافظة حجة، ي حين فضل بقية أعضاء الكتلة الصمت.
أحدهم هو يحيى سهيل الذي سبق وأن نصحته بإثارة القضية في البرلمان، خصوصاً بعد تفاعل رئيس الجمهورية مع قضية العبيد وتوجيهه بصرف مساكن لهم، وكان ذلك على مرأي ومسمع من النائب لكنه ظل على رأيه الرافض لوجود العبيد في محافظتهم.
صباح الأحد 25 يوليو ولجت إلى مبنى وزارة حقوق الإنسان، وكان في استقبالي عادل اليزيدي مدير مكتب الوزيرة، وبسيم العريقي مدير إدارة البلاغات بالوزارة، والمسؤول عن اللجنة الميدانية المكلفة بتقصي ما أورده "المصدر أونلاين" عن العبيد في اليمن.
تحدثنا كثيراً وأشبعت رغبة العريقي الطامح لتضمينها في تقريره الذي سلمت النسخة الأولية منه أمس الاثنين لمدير مكتب الوزيرة.
وبحسب ما علمه "المصدر أونلاين" فإن التقرير يؤكد على وجود أعداد من المستعبدين في محافظتي حجةوالحديدة، وينبغي القيام بعملية حصر ميدانية تتبناها الحكومة، ومن ثم وضع المعالجات والحلول العملية للقضاء على هذه الظاهرة.
وقال قيادي بوزارة حقوق الإنسان بأن الوزارة تقدر الدور الذي قام به "المصدر أونلاين"، وأنها حريصة على معالجة ذلك، مضيفاً بأن الوزارة تلقت اتصالات لا حصر لها من منظمات دولية.
وأشار -مفضلاً عدم الكشف عن هويته- أن الحكومة متفاعلة مع القضية وأن على القائلين بنفيها السكوت، فتقارير الوزارة تثبت ذلك، مطالباً بمحاكمة كل من مارس الاستعباد، وأن الوزارة ستعمل على الدفع بتحريك دعاوى قضائية ضدهم وأنها لن تتهاون تجاه هؤلاء المستعبدين.
وعبر القيادي عن تضامنه مع "المصدر أونلاين" تجاه ما دعا إليه عدد من أعضاء البرلمان إلى محاكمة الصحفي بتهمة تشويه اليمن ونشر أخبار كاذبة، وقال: "إن كان هناك من يجب محاكمته فهو هؤلاء المكذبين للقضية.