لا تهدأ محاولات رجال التسويق والمبيعات في المتاجر المصرية الكبرى في الاستحواذ على أكبر عدد من الزبائن في شهر رمضان الكريم، فهذا الشهر الذي انتصف يوم أمس لا يشهد نهاره أي إقبال يذكر من الصائمين الذين تمنعهم حرارة الجو وظروف المرور وساعات العمل من الخروج للتسوق أو الترفيه عن الأطفال، إلا أن ليل مولات القاهرة "شكل تاني". زينات في كل مكان، وعروض تنورة راقصة أيام الخميس من كل أسبوع، ونماذج للفوال والمسحراتي وبائع العرقسوس وغيرها من الشخصيات الرمضانية التي تجتذب الصغار وتضغط على الكبار لاتخاذ قرار شرائي لما قبل العيد.
الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار مع الانقطاع المتكرر للكهرباء ومياه الشرب تحدٍ كبير له انعكاساته ليست على البيوت والمصالح المصرية فحسب، بل امتدت آثاره إلى المتاجر والمولات الكبرى. فحسب رأي سيد الولي، محاسب بأحد مولات القاهرة المطلة على النيل، فإن الحركة النهارية للبيع والشراء تكاد تكون معدومة، ولا تتجاوز بالفعل حد الصفر مع استثناءت طفيفة لبعض المحال والأنشطة ذات الطبيعة الخاصة بالمول، مثل الصيدليات وأماكن الحياكة وإصلاح الملابس، أما باقي الأنشطة وخاصة المطاعم ومنطقة الملاهي التي تحتل طابقاً كاملاً ومستقلاً في أغلب المولات لا حس ولا خبر إلى ما بعد صلاة التراويح.
ومن الأمور الأخرى التي تقلل من الحركة حالة الملل التي تصيب عشرات الأولوف من الأسر التي تعاني من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمياه، ما يعني إرجاء أعمال منزلية روتينية كانت تتم يومياً في النهار إلى ما بعد الإفطار، فإذا أضفنا حالة الخمول التي تصاحب الإفطار وغلبة النوم بعده مروراً بصلاة التراويح التي تنتهي في بعض المساجد بعد العاشرة، فإن المحصلة أن ساعات العمل الفعلية وحركة البيع والشراء لا تتجاوز الساعتين، لذا من الطبيعي أن تبحث بعض المولات عبر مديري التسويق بها على عروض واحتفالات ومسابقات وبرامج تجتذب الشرائح الجماهيرية إليها في رمضان.
التنورة دائماً
يجذبني عرض التنورة والماسكات والعرض الراقص للرجال ذوي الأرجل الطويلة، فهذا نقطة ضعف أطفالي الذين يجيبونني على زيارة أركديا مول في الموعد المحدد لهذا العرض أسبوعياً طوال شهر رمضان"، قالتها شيماء محمد إبراهيم مهندسة وأم لطفلتين، مشيرة إلى أن الوقت المتاح داخل المول محدود جداً، وبالتالي لا شراء ولا بيع فعلي، وإنما مشاهدة وأخذ فكرة سريعة وترفيه عن الأطفال وسط هذه الزينات والأجواء الرمضانية الصاخبة في الطابق المخصصة للألعاب، ويبقى الشراء قراراً إجبارياً مؤجلاً إلى ما قبل العيد مباشرة، أي الأسبوع الأخير في رمضان، حيث تعد المحلات بتقديم تشكيلات جديدة بمناسبة عيد الفطر، وتقدم أخرى تنزيلات في الأسعار، ويبقى الزحام على أشده في تللك الفترة.
"عربة الفول التي تتوسط أحد الطوابق بأحد المولات تحفة فنية تحاكي الواقع، وأجمل ما فيها العبارات المكتوبة عليها من الخارج"، قالها خالد محمد مرشد سياحي ومن قاطني ساحل كورنيش النيل، مؤكداً أن طعم رمضان اختلف في كل بقعة على أرض مصر، من الغزو الصيني بالمنتجات الرمضانية ابتداءً بالفوانيس ومروراً بالزينات والأطعمة وحتى الياميش والمكسرات، ومن ثم ليس غريباً أن يتحول رمضاننا، إن جاز التعبير، إلى رمضان صيني، وهكذا وصلت ملامحه لبعض المتاجر التي تسعى لاستقطاب الجمهور بأي شكل.
صور رمضانية
"إن خلص الفول أنا مش مسؤول"، ليست هذه واحدة فقط من الأغنيات المصرية الشهيرة في رمضان، بل أيضاً واحدة من الكتابات البارزة على نموذج عربة الفول التي يحرص رواد المول كباراً وصغاراً على التقاط الصور إلى جوارها، بجانب التقاط صور خاصة لأطفالهم إلى جانب المسحراتي ومعلم المقهى وغيرها من النماذج التي حرصت بعض المولات على توزيعها برشاقة بين طوابقها المتعددة لتعميق الشعور بالأجواء الرمضانية في كل ركن من أركانها، مع الخلفيات الموسيقة الغنائية لأشهر أغاني رمضان "وحوي يا وحوي"، "حلو يا حلو"، "هاتوا الفوانيس ياولاد"، "يا ولاد حارتنا اتلموا اتلموا شوفو رمضان شوفو خفة دمه"، "مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت في أمان"، وغيرها من الأغنيات الرمضانية الجميلة.
لجين طفلة دون الخامسة عبرت عن فرحتها بالأجواء الرمضانية في المول، وكفت عن سؤالها عن رمضان الذي تصر أن تراه وتقابله، وبعد رحلتها الأسبوعية إلى المول باتت تقول لوالدتها "عايزين نروح لرمضان في المول قبل أن يمشي" . الطفلة الصغيرة تسعد كثيراً ببعض ماسكات الشخصيات الكارتونية الشهيرة، كما تجذبها ألعاب الملاهي إلى درجة الإدمان.
مسابقات يومية
وأكد أيمن شوقي، مدير تسويق بأحد المولات ل"العربية.نت"، أن المول الذي يعمل به أعد لرمضان هذا العام برنامجاً متميزاً من المسابقات اليومية التي ترعاها وتدعم جوائزها إدارة المول بالتعاون مع بعض المتاجر الكبرى. وتتنوع المسابقات ما بين الأسئلة الدينية والثقافية العامة، إضافة لعروض الماسكات التي يحرص لاعبوها على السلام على مرتادي المول والتقاط الصور إضافة لعروض التنورة، والسحب اليومي على أحد الجوائز المقدمة للزائرين، في محاولة جادة لتنشيط المبيعات التي تراجعت لدرجة كبيرة في الأيام الأولى من رمضان، بما يقتضيه الشهر الكريم من نفقات والتزمات أسرية ومنزلية، تتحول ابتداءً من هذه الأيام إلى تدبير ملابس العيد والمدارس على حد سواء، وهو التحدي الأكبر أمام قطاع كبير من الأسر المصرية، التي ودعت بعضها عادة إعداد كعك العيد تدبيراً للنفقات.
ويبقى رمضان رغم كل تلك المظاهر شهر جوهره العبادات والطاعات والشعور بالمحتاجين الذين لا يجب أن نسقطهم من حساباتنا رغم كل الضغوط الاقتصادية، لذا ليس غريباً أن نجد داخل واحد من المولات ركناً لمساعدة هؤلاء وآخر لإخراج زكاة الفطر في صورة ألبسة للمحتاجين وكسوة العيد للأطفال والفقراء.