لا أدري لماذا علينا أن نتحمل مظاهر الفساد وأصحاب الأيادي المتسخة، الذين ينتشرون في كل مكان! فالمواطن يدرك أن الفاسدين يعبثون بحياته، ويعلم ألاَّ أحد يحاسبهم، بل إن البعض منهم يتطلع للحصول على مناصب أرفع من تلك التي يشغلها. من واقع الحياة، كلما زاد فساد مسؤول ما، ارتفعت أسهمه وزادت حظوظه في تولي مناصب أرفع. وكلما أزبد هذا المسؤول وأرعد في التغني بالانجازات، اتجهت الأنظار إليه وصار من "أصحاب الحظوة".
يرى البعض في هذا النوع من المسؤولين أنهم "رجال"، ويوصف من يمارس الفساد بأنه "سُبيع بن سُبيع". ولهذا فإن مسؤولينا يحبون أصحاب الأيدي المتسخة ويفضلونهم على غيرهم؛ لأنهم يجيدون السرقة ونهب المال العام دون حياء أو خجل.
منذ تأسست هيئة مكافحة الفساد لم نر مسؤولاً واحداً يمثل أمام القضاء ويعلن اسمه في وسائل الإعلام بتهمة الفساد. والهيئة -كما الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة- تعد قضايا الفساد وتحقق فيها ثم لا تدري كيف تصل بها إلى نتيجة، حتى وصل الأمر ببعض الجهات إلى أن تمارس الفساد دون خشية من أحد؛ لأنها تدرك أن الهيئة -كما الجهاز تماماً- مصابة بحيرة كبيرة.
في مثل هذه الأجواء لن يفلح سوى أصحاب الأيادي المتسخة؛ فهم أصحاب حظوة لدى بعض الذين يقبضون مع شللهم على مواقع هامة ويحبطون أي توجه لتصحيح أوضاع البلد، بل ويحاربون من لا تزال يده نظيفة ولم يتورط في أعمال فساد ونهب للمال العام.
ومع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد اليوم، فإننا سنشهد تزايداً أكثر لأصحاب الأيدي المتسخة. ونخشى أن نجد أنفسنا تحت رحمة هؤلاء وفي مواجهة مباشرة معهم، إذا ما تجاهلت الدولة أمر محاربتهم. فالمواطن البسيط لم يعد قادراً على تحمل ما يمارس ضده من فساد، سواء من قبل المسؤولين أم من قبل من يعملون تحت إمرتهم، وسيعبر عن سخطه ذات يوم. لذلك، يجب على الدولة أن تتجنب هذا الغضب، الذي سيترك آثاره السلبية على سلمنا الاجتماعي.
لا يجب أن يتجاهل المسؤولون النتائج الكارثية لمثل هذا المشهد، الذي يمكن أن نعيشه ذات يوم. فالصمت على ممارسات أصحاب الأيادي المتسخة يمكن أن يكلف البلد الشيء الكثير. ولهذا، على الحكومة أن تبدأ بتجفيف وتطهير مرافقها من هؤلاء "الفسدة"؛ فالصمت عنهم يجعلها تبدو كما لو أنها تكافئ الفساد وتزيد من استشرائه، وقد لا نجد في يوم ما يداً نظيفة لنصافحها.