عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    تدمير ممنهج للكادر الجنوبي وبناء مؤسسات عائلية.. قرارات تفاقم الأزمات :العليمي.. وجه عفاش الآخر في الجنوب ..    صعّدت تهديداتها باغتياله.. هل حددت إسرائيل موقع عبد الملك الحوثي؟    بريطانيا وأستراليا وكندا تعترف بدولة فلسطين ونتنياهو: الخطوة تهدد وجود إسرائيل    اليمن ينال العضوية الكاملة في الاتحاد العالمي للدارتس    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    خرتيت إخواني في تركيا: قتل "افتهان المشهري" أمر عادي    رفعا التهنئة لقائد الثورة والرئيس المشاط بالعيد ال11 لثورة 21 سبتمبر المجيدة..    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    تدشين المحكمة العسكرية في شبوة بمشاركة قوات دفاع شبوة    ثورة 21 سبتمبر إرادة شعب    ثورة 21 سبتمبر إنجازات عسكرية وسياسية استثنائية    الجنوب ليس قضيتكم.. فخففوا صراخكم    21 سبتمبر تحول وطني وتاريخي    الراحلون دون وداع۔۔۔    الفائز بالكرة الذهبية 2025.. ديمبلي أم لامين جمال؟    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    نص كلمة قائد الثورة بمناسبة العيد الوطني لثورة 21 سبتمبر    اعدام 3 "عملاء" أمام حشد كبير في غزة    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    قاضي: جريمة اغتيال المشهري خطط لها باتقان ونفذها أكثر من شخص    أحتدام شراسة المنافسة في نهائي "بيسان " بين "ابناء المدينة"و"شباب اريافها".. !    منتخب الناشئين يخسر أمام قطر في مستهل كأس الخليج    هيئة التعليم والشباب والرياضة تشيد بتنظيم البطولة الوطنية لكرة السلة وتتفقد أعمال الصيانة في الصالة الرياضية المغلقة بالمكلا    الرئيس المشاط يعزي في وفاة اللواء عبدالرحمن حسان    إيطاليا تستبعد الكيان الصهيوني من "معرض السياحة الدولي"    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    المنحة السعودية المزمع وصولها في مهب افلام المعبقي    الأمم المتحدة:الوضع الإنساني المتدهور في اليمن ينذر بكارثة إنسانية    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    الإصلاح ينعى الشيخ عبد الملك الحدابي ويشيد بسيرته وعطائه    فخ المنحة السعودية:    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    بطولة إسبانيا: ريال مدريد يواصل صدارته بانتصار على إسبانيول    إصلاح حضرموت ينظم مهرجاناً خطابياً وفنياً حاشداً بذكرى التأسيس وأعياد الثورة    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قدر الزيت الأسود
نشر في المصدر يوم 23 - 09 - 2010

الحوار الوطني يسير ببطء قاتل، وأنا من النوع الذي يكره الانتظار، وكذلك القارئ، والوطن أيضاً الذي «ضبح» في انتظار أن يحل أبناؤه خلافاتهم، والمشكلة أن كلمة الحوار ليست دقيقة تماماً لوصف ما يجري حالياً بين السلطة المشترك، يعني هم لا يزالون في اجتماعاتهم الأولية يحضرون للحوار الأصلي، ومن يدري من سيكون على الطاولة عندما يبدؤون الحوار، ومن سيكون داخل غرفة الاجتماعات، ومن سيتنصت خلف الجدران، ومن لن يهمه الحوار أو ما سيتمخض عنه. كلمة «يتمخض» لعينة، وفي العادة هي لا تنتج شيئاً عندما يتعلق الأمر باليمن، أو هي تنتج أشياء رثة تنتهي دائماً بقوارح.

ما علينا، الذي يهمني – والله العظيم – البني آدمي اليمني نفسه، دعك من أولئك الأنيقين في غرف الاجتماعات الذين يتبادلون التهم على الصحف ثم يخزنون في المقيل نفسه الذي يبدأ عادة بإلقاء النكات. اليمني الذي أعنيه ذلك الذي يذهب إلى منطقة الحصبة في العاصمة صنعاء مثلاً، ثم يعرج قبل دخوله سوق القات على بائع «رقاب الدجاج المقلي»، فيختار ما استطاع من الرقاب الصاعدة من قدر الزيت الأسود، المفروشة بغير ترتيب على ورق الصحف المبقع بالحبر والزيت.. يغمسها في الملح المخلوط بأشياء ملونة قبل أن يقرمشها بأسنانه بكل بساطة وهو يضحك مع البائع أو مع زبون آخر.

سؤالي: هل إذا نجح الحوار ستختفي عربيات «رقاب الدجاج» من سوق الحصبة وبقية الأسواق؟ وتحل مكانها أشياء مرتبة ونظيفة لمن يرغب بمزاولة هذه المهنة ولمن يهتم بهذا النوع من الأكل؟ غير أن رقاب الدجاج المغموس في قدر الزيت الأسود ليس إلا نموذجاً لما يحب بعض اليمنيون ويعشقون، والمعنى هل تنجح مثل هذه الحوارات السياسية في تحسين ذائقة المواطن اليمني في ما يأكل ويشرب؟ هل سيهتم بأن يكون أكثر نظافة وأكثر اهتماماً بما يختار، سواء كان الموجود أمامه رقبة دجاج أو رقبة مرشح للانتخابات، ذلك أني أعتقد أن من يختار طعاماً قذراً لن يهمه أن يختار مرشحاً نظيفاً!

في الواقع فإن الرجال الثلاثة يتساوون في أنهم ينتمون إلى البيئة اليمنية: السياسي المحاور وبائع مقليات الزيت والرجل الذي يأكل هذه ويختار ذاك، لذلك فإن النقد موجه أصلاً إلى البيئة اليمنية أو قلة من اليمنيين هم في الغالب «عسكر وحرامية» أو عسكر ومشائخ جعلوها بيئة فاسدة، لا تنتج لنا ناساً جيدين بالقدر الذي يجعلهم قادرين على التأثير الإيجابي في المجتمع. وإذا تلفت القارئ يميناً ويساراً فلن يستطيع أن يحصي في قريته أو محيطه أكثر من عدد أصابع يده من الرجال الذين يمكن الإشارة إلى أنهم نخب فكرية أو ثقافية يمكن الاعتماد عليها في تغيير سلوكيات الناس إلى الأفضل، أما البقية فإنهم مداومون على خلق علاقة وثيقة مع قدر الزيت الأسود يوماً بعد يوم.

باختصار: حتى لو نجح الحوار، وهو ما نأمله ونتمناه، سيظل أغلب أبناء هذا الوطن محاصرين بالتخلف الذي يمنعهم من أن يكونوا مثل عباد الله المتحضرين، وعاجزين عن تكوين كتلة سياسية تقود البلد بالتدريج نحو مستقبل أقل قتامة من الحاضر الذي نعيشه، ولست في معرض الدفاع عن فكرة من أين يبدأ التغيير: من عند الساسة في القمة، أو من عند العامة في القاعدة، فالجميع بعضهم من بعض، والتأثير متبادل، غير أن وجود ناس عاقلين ومخلصين بدون جشع أو طمع في قمة الهرم السياسي، من شأنه الإسراع في تغيير مزاج الرجل اليمني وسلوكه بشكل إيجابي تجاه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، ولن نكون مضطرين إلى الخلاف حول هل جنوب اليمن يمني أم لا؟ وهل اليمني الذي يذهب إلى الانتخابات مسلم أو كافر؟ وهل الذي يدفع الزكاة إلى الحكومة صهيوني أمريكي أم مواطن؟

المواطن اليمني نفسه مسؤول عن تخلفه قبل غيره، يعني أنا والقارئ وبقية الثلاثة والعشرين مليون نستاااهل الذي نحن فيه، لأننا في الأغلب لا نحاول التمرد والخروج على المألوف القذر، أعني على مستوى الحياة الشخصية، لأننا لو نجحنا على المستوى الفردي تسربت العافية والحكمة إلى نظرتنا تجاه الشأن العام وفي السلوكيات التي تدفعنا بعيداً عن قدر الزيت الأسود.
أكتب تحت تأثير القهر الذي يصيبني عندما تخذلني المقارنة في كل مرة أضع فيها اليمني إلى جانب أخيه العربي. الآخر ليس ملاكاً ولا عبقرياً ولا مدهشاً في السلوك والتحضر لكنه في أغلب الأحوال أفضل منا، ونحن لا نزال ننفخ في قربة الحكمة والحضارة التي يبدو أننا فقدنا الأولى بسبب ضياعنا للثانية، والمفجع في الأمر أن الكثير يرفضون بكل غباء النظر ولو مرة إلى أنفسهم ليتأكد لهم أن العيب فيهم، في تفكيرهم ونمط سلوكهم، هم بدلاً من ذلك يلجؤون إلى أسهل المبررات وأقلها كلفة: إعادة سرد القصة السخيفة عن نظرية المؤامرة، وأن الآخر الذي ينتمي إلى القبيلة أو المنطقة الأخرى، أو ذلك الذي يقعد هناك خلف البحار والمحيطات أمام شاشة الكمبيوتر، لا هم لهم إلا محاربتك والكيد لك.

جمعت القريب والبعيد عن قصد، لأن الإنسان متى ما أراد أن يتغير ويصبح أفضل لن يمنعه عن ذلك فكرة التربص به، ولن يحتاج إلى الانتظار لنجاح الحوار من عدمه، وبكلمة واحدة فإن الذي يتابع الحوار، ويعتقد أنه مهتماً بالشأن العام في بلده عليه أولاً أن يبدأ بنفسه، بأن يسعى إلى أن يصبح في اليوم التالي أفضل مما هو عليه اليوم.

سمعت أن إحدى الشركات ابتكرت طريقة مدهشة لحث الناس على التغيير ومواجهة أنفسهم، بأن دعت جميع موظفيها إلى حفل أعلنت عنه بالعبارة التالية «الاحتفال بوفاة من كان يقف أمام طريق تطور الموظفين»، وعندما حضر جميع الموظفين وجدوا أن هناك إكليلاً من الورود موضوع على تابوت، وفي كل مرة كان يتقدم أحد الموظفين إلى التابوت لا يجد بداخله سوى مرآة وقد انعسكت عليها ملامح وجهه المفجوع. والفكرة أنه ليس سوى الإنسان نفسه من يقف أمام طريق تقدمه.

هل يعني الكلام السابق أننا نكتب في أشياء غير ذات أهمية مقارنة بالقضايا الكبرى المرتبطة بالرئيس وعادات القبائل وحكومة المؤتمر وكل من يصنع هذا الخراب من حولنا؟ بالطبع لا. لكني أعتقد أن أفضل ما يمكن عمله في مواجهتهم هو الابتعاد عن قدر الزيت الأسود، وهذا شيء ممكن، ممكن جداً.
المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.