حالة من التوتر والاستنفار يعيشها الفرد اليمني باحثاً عن قوت يومه المبالغ في ثمنه، مقابل الجهد الذي يبذله في الحصول على دخلٍ لا يكاد يفي بمتطلباته الأساسية. وفي اعتقادي أن شجرة القات وضعت المجتمع اليمني قاطبة في جحيم تضخم أسعار كل متطلبات الحياة الأساسية منها والكمالية، فهي السبب الرئيسي- وربما الأوحد- في كل مشاكلنا، لكن لا أحد يقف على تشابُكها لتفاصيل ضغط الحياة.
ولتوضيح ذلك فأنت عندما تشتري أي شيء من متطلباتك اليومية، أيا كانت تلك المتطلبات، ضرورية أو كمالية، تدفع إلى جانب الربح المفترض والطبيعي قيمة قات لصاحب السلعة أو الخدمة، فإن كان يخزن مثلا ب 500 ريال يوميا فهو يحتاج إلى 15000ريال دخلا إضافيا قيمة قات. وبالمثل إن كنت تريد استئجار سكن أو محل عمل، فمالك العقار يمني- وأكيد يخزّن- ولا بد أن يكون الإيجار مبالغاً فيه من أجل دعم الميزانية الشهرية لصاحب العقار. فهناك مصاريف قات ضمن قائمة المصروفات الشهرية، وإلى هنا يمكن للقارئ أن يقف على قدميه لتوسيع فهمه عن سلبيات القات، الذي جعل من الحياة اليومية للفرد اليمني حياة مستعرة. وأورد مثلا بسيطا لتوضيح ذلك: فقد كان لأحد أبنائي ثوب مقطوع، وهناك أحد الأشقاء الصوماليين يعمل خياطا قرب السكن، فأعطيت الولد 100ريال، وكنت أظن الصومالي سيأخذ ال 100ريال.. تصوروا كم أخذ؟ 20 ريالاً فقط (عشرين ريالا) وأتعمد كتابة ذلك حرفاً حتى لا يتصور القارئ حصول خطأ في الطباعة! فالفارق بين ما كان سيأخذه خياط يمني وآخر صومالي هو مقابل قيمة قات!
نحن بحاجة إلى استيقاظ كل من يعمل في الشأن العام بدءاً من الجهات المسؤولة، وقادة الأحزاب والمنظمات المجتمعية، والإعلام الرسمي والحزبي والأهلي، للقيام بالدور المطلوب لتوعية المجتمع بمخاطر شجرة القات على الحياة الاجتماعية، والتوتر الذي أصبح ينطبع به اليمني، وأقرب مثل على ذلك أنت تشتري هذه الصحيفة ب 60 ريالاً، بينما تأتيك "القدس العربي" من لندن ب 50 ريالاً!
والمسؤولية على الخطباء أعظم فهم بعيدون جدا عن الحركة الاجتماعية في موضوعاتهم في خطب الجمعة، فأين تطرقهم لمثل هذه المواضيع، وكذلك فساد أقسام الشرطة والمحاكم، وسعير إيجار العقار، وعدم الوقوف على ضروريات الحياة، وأهمهما ما يواجه الطالب الجامعي اليوم من غلاء في وجبات يومه، فلم يعد لدى البوفية شيء اسمه "نصف نفر" من أي طلبية يمكن أن يتقشف بها الطالب، ويخفف أعباء مادية على أسرته.
أتساءل: لماذا القضاء المصري نزيه إلى حد مقبول في جميع الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، ومنها بلادنا؟ لأن وعي شريحة من الناس ومنها المحامون دفع بالقضاء إلى المسار الصحيح، فإذا كان على رأس المحاماة أمثال الدكتور الفقيه المفكر محمد سليم العوّا لا بد أن يكون هناك قضاة بالحجم والقوة والمنطق ذاته. وكما أكد لي أحد القضاة يوما في معرض حديثه عن القضاء أنه عندما بدأ الوعي لدى أصحاب القضايا بأهمية المحاماة في فرض المسار الصحيح لقضية ما؛ لزم على القضاة أن يجتهدوا ويعودوا إلى القوانين والمدونات القضائية والأحكام للاستفادة وعدم حصول خطأ خوفا من التشهير.
فإذا كان الخطباء غير قادرين على دفع المجتمع إلى مستوى من الوعي الحقوقي والقانوني والأخلاقي والاقتصادي يجب عليهم إفساح المجال للقانونيين والمحامين وأعلام الاقتصاد، وحتى السياسيين وأصحاب الاختصاص، أن يعتلوا منابر المساجد ويقولوا رأيهم بما يسدد حركة المجتمع نحو مستوى من الفاعلية، فربما يكون الدكتور محمد الظاهري- مثلا- أفقه من أي خطيب، ويفيد المستمعين أفضل من أي مفوّه يعتلي منبراً.