يمكننا أن نقرأ التطورات الخطيرة للحاله الامنية من خلال تفاصيل قصة سائق تاكسي مع أفراد من شرطة النجدة. هذه القصة ليست من نسج الخيال ولا سيناريو لفلم امريكي لكنها مؤشر خطير لوضع يسوده الرعب والفزع حدثت في قلب العاصمة صنعاء. قبل اسبوع ونصف، كنت جالساً مع بعض الزملاء اذا بصديق لاحدهم ياتي الى المجلس وروى لنا قصة مازال آثار الإعتداء شاهد على الجريمة في وجه المجني عليه، الذي مايزال في مهمة البحث عن إنصافه ممن اعتدوا عليه في مساء مبكر، في إحدى حارات شارع خولان. إنه يتخبط الآن بحثاً عن وساطة أو نافذ يستطيع إنصافه من أفراد النجدة الذين حاولوا نهبه والنيل منه في قلب العاصمة.
ذات مساء قبل شهر، كان الرجل يقود 3 نساء – إحداهن مسنة- في سيارته الأجرة. استغرق المشوار القليل حتى تفاجؤا، بسيارة أجرة أخرى، تقطع طريقهم دون سابق إنذار. ترجل 3 أشخاص يرتدون بزة عسكرية خاصة بقوات النجدة من داخل السيارة. وتقدم أحدهم صوب السائق حاملاً سلاحه الشخصي (المسدس) فيما تقافز شريكاه إلى جانب وأمام السيارة.
حاول الجندي، الذي تزعم زميلاه، أن يتظاهر أنه ينفذ القانون وأنه مكلف بملاحقة مطلوبين، فطلب من السائق إثبات هويته. لم تكن بطاقتة الشخصية رفقته، فاعتذر بأنه لم يصطحبها لكنه سارع بمهاتفت "أخاه و وطلب منه احضار بطاقته لانه في مشكلة بسبب عدم اصطحابة لبطاقتة الشخصية". ولكن لم ينتظر حماة الوطن احضار البطاقة.
كانت الأمور تسير بصورة غريبة، إذ امر زعيمهم احد رفاقه بالصعود بجانب السائق ثم صعد هو بجوارهم ومازال مسدسة بيدة ، طلب منه "التحرك". قبل تحرك السائق أرادت النساء النزول من السيارة "لعدم علاقتهن بالموضوع"، إلّا أن زعيم العصابة، المتخفي وراء لباس شرطة النجدة، منعهن من النزول. ومصوباً سلاحه إلى وجه السائق، امره بمواصلة السير. على مسافة ليست بعيدة، أشر له، إلى شارع فرعي مظلم. وأمره بالدخول منه.
حينئذ، تسارعت إلى ذهن الرجل اخبار الرعب التي سمعها في الماضي: لقد قتل هنا أكثر من سائق تاكسي، في ظروف غامضة، بعد استدراجهم من مجهولين. كما عزز خوفه، معرفته بأن هذه ليست الطريق المؤدية إلى مركز شرطة، رفض السائق بإرتجاف طلبهم. وأبدى السائق استعداده للذهاب معهم إلى أقرب مركز شرطة.
أثار الطلب حفيظة العسكري الشاهر لمسدسه، فرد عليه بغضب: طيب اذهب الى قسم العمري.. رغم أن قسم شميلة كان اقرب بكثير. وبينما هم في الطريق اذا بزعيم العصابة يأمر بتغيير الطريق المتفق الى قسم العمري و يامرة بالتوجة شمالا الى طريق غير معروف و لكن السائق رفض و استمر
والحاصل أن السائق يشتغل على سيارته الأجرة، أحياناً، في مثل هذا الوقت من الليل. ويؤكد أنه يتحاشى "المشاوير البعيدة وفي الحارات المظلمة كما يتحاشى إيصال من لم تطمئن لهم نفسه". لكنه مايزال في حالة من اللايقين لما رآه في تلك الليلة.
هناك بادر زعيم العصابة، السائق، بضربات قاتلة بمسدسه على وجهه حتى نزف دماً. وبدأ بشتمه بأقذع الشتائم وهدده بانه لو حاول عصيان أوامره فإنه لن يرحمه وسوف يقتله وصوب المسدس إلى رأسه. اتخذ السائق طريقة أخرى للتعامل مع الأمر فضاعف من سرعة السيارة في الشارع العام. لكن العسكري ضغط على زناد المسدس وأطلق رصاصة واحدة من أمام عيني السائق، كي يزيده رعباً. لكن تأثير الرصاصة جاء عكسياً إذ زادت السائق شجاعة ففكر، بأنه ميت لا محالة، وتبادرت إلى ذهنه حكاية الإنتحار الجماعي. يقول: "وصلت الى قرار ان أزيد سرعة السيارة اكثر و اكثر حتى أحاول أن أقلبها او أرتطم بها في حائط حتى نموت كلنا". أسرع بجنون وأدار المقود إلى أقصى اليسار إلا أن السيارة استدارت عدة دورات حتى توقفت على الجهة التي كانت عليها.
قفز السائق من سيارته باتجاه الناس الموجودين في الشارع ليطلب منهم مساعدته على الخلاص من العصابة- العسكر الذين يريدون نهبه- عنوة. لكنهم لزموا الصمت، وعندما نظر خلفه كان المجرمين يفرون هربا باتجاة مدخل في شارع تعز. لقد فروا إلى "داخل حوش فرع نجدة امانة العاصمة". تبعهم بسرعة، وعند الوصول الى امام المدخل لم يتمكن من رؤيتهم كانوا قد اختفوا. و عندها اقترب إلى عسكري الخدمات في البوابة وسألهم عن الجنود الذين دخلوا الآن. فأجاب بالنفي أن يكون أحد قد دخل الآن. لكن السائق اتصل بعدد من أقربائه، وطلب منهم نجدته "من عساكر النجدة".
واحتشدوا إلى أمام البوابة طالبين مقابلة المسؤول عن الفرع. وعندها قابلهم "قائد نجدة الفرع" وشرح القصة وبدأ بإعطائه تفاصيل عن اوصافهم لكن القائد عرف الشخص فأكمل بقية المواصفات وامر بأحضارة ،و افاد انه أحد العساكر المتهمون بالبلطجة على آخرين كثر. وبعد التعرف عليه امر القائد "بحبسة في سجن النجدة و التحقيق معه" وبعد ذلك قام المجني علية بالابلاغ عن الحادث في قسم الشرطة المختص. وأجرى بعض أقربائه ومحبيه اتصالات، بقائد شرطة النجدة وكيل وزارة الداخلية و بعض مسؤلين وزارة الداخلية لمتبعة ضبط الجناة وتلقينهم الجزاء الرادع.
بعد مضي شهر، مازالت نتائج التحقيقات غائبة. ولا يعرف الرجل عن وضع الجناة شيئ وكل ما يُسمع انهم سوف يقوموا بفصلهم من عملهم و لكن بالنسبة لحق المواطن فلا يوجد اي خبر.
انتابني بعد سماع القصة شعور شديد بالفزع والرهبة والقلق من مصير الأمن بشكل عام في حال استمر التدهور الأمني بهذا الشكل وفي ظل الصمت المطبق لقيادة النجدة وتماهي وزارة الداخلية مع مثل هكذا تصرف لمنتسبيها. هذه الجريمة تبث الرعب في قلب من سمعها وتخلط المعايير فلم يعُد يُعرف ما عمل بعض الجهات الامنية هل هي لحماية المواطنين ام بث الرعب في قلوبهم و مصادرة حقوقهم خصوصا مع هذا التساهل في معاقبة هولاء و امثالهم، والذي حتما سيؤدي الى التشجيع الى تكرير مثل هذة الجريمة واستغلال الوظيفة العامة لإرتكاب الجرائم البشعة من قبِل ضعفاء النفوس ومن جهة اخرى الرغبة بالانتقام واخذ الحق باليد اذا لم يرى المجتمع العقوبة العادلة.
و الذي يزيد الخوف، ان المجني عليه او السائق يقطن في نفس الحي الذي يسكن فيه وزير الداخلية، ويتحدر من نفس المنطقة لمعالي الوزير، ولم يحصل على الإنصاف إلى اليوم، ومن الواضح انها ستمر مرور الكرام، فالسائق لم يتمكن من مقابلة معالي الوزير او حتى الاتصال بة ولم يجني من الجوار الا اغلاق الشوارع المجاورة و مشاهدة سيارات معالي الوزير!!