تبدو احتمالات فرص انفراج سياسي في اليمن خلال الأيام القليلة المقبلة "ضئيلة" إذا ما أخذنا على محمل الجد إصرار الحزب الحاكم على المضي منفرداً في التجهيز لإجراء انتخابات نيابية، ومناقشة تعديلات دستورية مثيرة للجدل. وفي الجانب الآخر، صعّدت أحزاب اللقاء المشترك المعارضة من تحركها على مستوى الشارع، رافعة بذلك سقف مطالبها بتغيير محددات أساسية في النظام اليمني.
أمس الخميس، نظم منتدى التنمية السياسية بصنعاء ندوة حول سيناريوهات المستقبل لليمن حتى عام 2020، وقدمت فيها ورقتا عمل الأولى للباحث السياسي والاقتصادي علي الوافي، والثانية لأستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء جلال فقيرة.
قبل عرض أوراق العمل، تحدث رئيس المنتدى علي سيف حسن عن مشروع "اليمن 2020" وقال إن المنتدى أُسس بشكل رئيس لتنفيذه، ويعمل عليه منذ نحو 3 سنوات بمشاركة العديد من الباحثين والخبراء، حيث أقيمت خلالها العديد من ورش العمل والندوات لعرض ونقاش احتمالات مختلفة ل"اليمن 2020".
وقال حسن ان السيناريوهات ليست توقعات أو تنبؤات أو "تنجيم"، وإنما أمر أشبه بصياغة سيناريوهات تتضمن احتمالات مختلفة لمستقبل اليمن حتى عام 2020.
وأضاف أن هذه السيناريوهات تساعد صناع القرار والمواطنين في توقع الاحتمالات المستقبلية والخيارات في مجالات مختلفة.
وأشار حسن إلى أن المشروع الذي ينفذه المنتدى بالشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت، أصدر كتاباً يتضمن الأوراق المرجعية السابقة، إضافة إلى ملخصات للنقاشات التي دارت حولها، وسيناريوهين مختلفين بشأن وضع اليمن عام 2020.
بعد ذلك، عرض علي الوافي الورقة الأولى التي كانت سيناريو بعنوان "وتفرقت أيدي سبأ"، وقبل أن يعرضها، أكد أن ذلك لا يعبر عن رأيه الشخصي، وأنه يتمنى ألا يتحقق هذا السيناريو، الذي تحدث فيه عن فشل القوى السياسية في تنفيذ اتفاق فبراير 2009 وزيادة الاحتقان السياسي بين الفرقاء.
كما يرسم السيناريو الافتراضي تصاعداً مستمراً للأسعار وانخفاضاً للقوة الشرائية، ما يؤدي إلى انزلاق جزء مهم من الطبقة الوسطى المحدودة الحجم إلى الشريحة الفقيرة الواسعة.
وتحدث السيناريو عن دور سعودي متزايد خلال السنوات المقبلة في الأزمة اليمنية نتيجة ارتباطها الجغرافي المباشر مع اليمن وتأثير الأوضاع في البلد على استقرار السعودية.
ويتطرق السيناريو الافتراضي إلى انتهاء فترة الولاية الرئاسية الحالية لرئيس الجمهورية في سبتمبر 2013، مع احتمال ألا تتمكن السلطة والمعارضة من إيجاد حل لهذه القضية، مع انزلاق البلد في حالة من الفوضى طويلة الأجل نتيجة فقدان الحكومة القدرة على السيطرة على الأمور وحدوث صراعات متدنية (تحت وطنية).
ويفترض السيناريو بعد ذلك تفاقم أزمة الوضع المائي في مناطق المرتفعات، خاصة في العاصمة صنعاء، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الهجرة وارتفاع الضغط على الخدمات في ظل نمو سكاني مرتفع، إلى جانب تأثر الزراعة بسبب نقل المياه لتزويد العاصمة والمدن الرئيسية.
ويختتم علي الوافي السيناريو الافتراضية بسقوط اليمن في الفشل بعدما أصبحت حكومته غير قادرة على فرض سيطرتها على جميع أراضيها، إضافة إلى تنازع السلطة بين عدد من القوى المستقلة والحكومة المركزية، الأمر الذي ينتج حالة من الفوضى وغياب القانون وتدهور حاد في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإنسانية.
من جانبه، عرض الدكتور جلال فقيرة سيناريو آخر بعنوان "استلهام الفرص"، حيث أخذ منحىً تفاؤلي معاكس للورقة السابقة.
ويؤكد الباحث أن حجر الزاوية في دعم هذا السيناريو يتمثل في توافر إرادة سياسية قوية تستوعب أهمية المدخلات، وتؤسس للعمليات الضرورية لتحويل المدخلات إلى مخرجات تنسجم مع السمات والخصائص التي تشكل سيناريو الأمل والتفاؤل في اليمن 2020.
ويتطلب السيناريو الافتراضي الخروج من المأزق السياسي الراهن، بحيث يحرص حزب المؤتمر الشعبي الحاكم على أن تشارك أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في الانتخابات النيابية المقبلة.
وإلى جانب ذلك، يؤكد الباحث على ضرورة إنشاء تحالف "قوي" بين كافة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن لمحاربة قوى الفساد، إضافة إلى توليد فرص عمل وتوسيع قاعدة الاستثمار، وتحقيق نمو اقتصادي جيد لينعكس ذلك على الاستقرار السياسي.
ويحدد السيناريو الذي صاغه الدكتور فقيرة منطلقات خارجية، أبرزها دعم جهود بناء الدولة في الصومال لتخفيف الأعباء على اليمن في استقبال مئات الآلاف من النازحين الصوماليين، وتبوء اليمن مرتبة الدولة الأولى بالرعاية خليجياً بعد نجاحها في الوصول إلى وضع آمن ومستقر، حسب افتراضه.
ويرسم محددات لعملية التحول، أولها الشق السياسي باتفاقات معلنة بين السلطة والمعارضة تكمل اتفاق فبراير وتتضمن حلولاً للعثرات والمعضلات التي واجهت الحوار بين الطرفين في المرحلة السابقة، وأن ذلك لا بد أن يتم من خلال "مبادرة سياسية جريئة يقدمها المؤتمر الشعبي العام وتحظى بقبول المعارضة".
ويفترض السيناريو عمليات ضرورية في الجانب الأمني لإغلاق ملف الحرب في صعدة نهائياً، وتجنب مخاطر ما أسماه "الإرهاب الدولي" وتنظيم القاعدة.
وبتطبيق نقاط عديدة مفترضة، فإن المخرجات ستكون بحسب الورقة "يمن موحد آمن مستقر، وبمعدل نمو منشود، مرغوب فيه إقليمياً، ومدعوم دولياً".
وكان ماجد المذحجي قدم عرضاً موجزاً لخمس أوراق مرجعية نوقشت في وقت سابق، تضمنت ورقة عمل في الشأن الاقتصادي أعدها الدكتور محمد الأفندي، وورقة حول المياه أعدها الدكتور محمد ابراهيم الحمدي، وثالثة حول السكان أعدتها الدكتورة رؤوفة حسن، ورابعة بشأن الحكم المحلي أعدها د. محمد الظاهري، والورقة الخامسة كانت حول العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي أعدها الباحث عبد الناصر المودع.