باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن بجاش: "الشظوية" و"الشؤافة" و"العصيد" من أجمل الصور الذهنية التي تربطني بالقرية
نشر في المصدر يوم 22 - 01 - 2011

تنشر صحيفة السياسية الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.

المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشر الحلقة الرابعة من حوار مع عبدالرحمن بجاش مدير تحرير صحيفة الثورة الرسمية، فإلى التفاصيل:

* عندما تعود إلى القرية ، هل تجد نفس الأشياء الذي تركتها أم تغيرت ؟
هناك أشياء كثيرة تغيرت ، يعني مثلاً الديوان الذي كنا نجلس فيه معظم أوقات حياتنا أغلق ، فقد كنا طوال الوقت فيه وأصحابنا يأتون إليه ، وعندما يأتي أناس من خارج القرية يجلسون فيه ، وكان هناك في الدار ما نسميه " السّفِل " ، وهو الطابق الذي كان يخصص للحيوانات التي تخدم العائلة ، مثل الحمار والبقرة والثور لم يعد موجوداً .
وذكرتني الآن بواحدة من أجمل الصور ، والتي ظلت في ذاكرتي حتى اليوم ، فقد كان معنا أجمل حمار في القرية ويسمونه " حمار الشيخ " ، فكنت تراه بالجرس والناقوس وغيره من الزخرفة التي كانت على رقبته ، وهو كان بالفعل حماراً مميزاً حتى إذا نزل به أحد أعمامي إلى منطقة المصلى لا يسمح لأي حمار أن يسبقه ، كان لابد أن يسير في مقدمة الحمير ، وكانت الناس تتحدث عن هذا الحمار باعتباره حمار الشيخ لأنه كان جميلاً ، وقد تم بيع الحمار بعد ذلك من قبل عمي على واحد من الذين يبيعون الكراث فمات في اليوم الثاني ، قال يومها محمد سلام خويلد ، البحار الذي عاد من فرنسا ضاحكاً لعمي : " أنتم أهنتم الحمار " ، لأنه كان ينظر إلى بائع الكراث على أنه أقل مستوى وأنه كيف حمار الشيخ يحمل كراثاً ، نزل الرجل هذا إلى عندنا وهو كان صاحب نكتة ، فقال له أنت أهنت الحمار ، كيف تبيعونه للمكرث ؟ .
معظم دور القرية القديمة أغلقت بسبب الهجرة من القرية إلى المدينة ، وهذا شيء يثير الحسرة ، هذه القرية كانت تعج بالنشاط وطاقة " نافذة " قاسم إسماعيل تظل مفتوحة والراديو هناك على الطاقة ، الآن تشعر بأن هناك ما يشبه الموت في القرية ، بمعنى أن الناس انتقلت إلى أماكن أخرى وبُنيت مساكن جديدة وكثروا الناس لكنهم تفرقوا ، لم تعد تلك القرية التي تعج بالحركة وتمتلئ بالحنان وبالعطف والدفء ، وبكل ما هو جميل من قيم ، بالتأكيد تغيرت أشياء كثيرة وأنا افتقدها اليوم كثيراً ، كما أفتقد عمي عبدالوهاب ، رحمه الله ، والذي كان من علامات القرية .

* حتى الطبيعة تفتقدها ؟
هذا الأمر يعتمد عليك في كيف تنظر للأمر ؟ هناك شخص تستطيع عيناه أن تلتقطا الجمال والتفاصيل الصغيرة ، وهناك شخص آخر يتعامل مع الأمر مثل ما يقول المصريون " كله بطيخ " ، وهذا التعبير يصح إلى حد كبير ، أنا أزعم ، ولا أدري إن كان ذلك بسبب أن العاطفة لعبت دوراً كبيراً في حياتي نتيجة ذهاب أمي وأنا صغير وارتباطي بالمكان ، أنني استطيع أن أتعامل مع المكان وأستطيع أن أعيشه وأحرص دائماً عندما أسافر أن أدخل دارنا من جديد ، وهذه الدار التي هجرها أعمامي الآن ساكن فيها شخص آخر ، لكنني أحاول أن أدخل كل الغرف لأتشبع بذكريات الماضي ، المسألة هي مسألة ارتباط بالمكان .
الدكتور راشد القباطي ، واحد من أهالي القبيطة ، أعادته ابنته من أمريكا إلى القبيطة ليدخلها الدار التي ولد فيها ، وقد روى ذلك في كتاب " رحلة فتى يمني " ، قال عندما وصلنا إلى الدار طالبتني إبنتي بفتح الدار فقلت لها إنه مهجور من خمسين سنة ، لكنها أصرت على فتحه ، فقمت بالبحث عن من يكسر قفل الدار ، ودخلت مع إبنتي إليه فلم أجد سوى الثعابين يستوطنون الدار ، فقلت لها هذا هو المكان الذي ولد فيه أبوك ، فقامت بتصويره وخرجت .
بالنسبة لي كل تفاصيل قريتي عندي موثقة بالصورة ، كما أن كل تفاصيل دارنا موثقة عندي ، أشكال الناس وملامحها لازلت أتذكرها حتى اليوم ، لازلت أعيش معهم وأتحدث معهم ، ولذلك تجد أن القرية في كتاباتي موجودة ، روح القرية موجودة وأنا متشبع بها حتى الثمالة .
* ما أقصده بالطبيعة الأراضي الزراعية أو ما يعرف ب " الأحوال " والزراعة والغيول وغيرها ؟
ما يقتل القرى والحياة في الأرياف هو المواريث ، فبسبب المواريث تتفتت الأرض ، يعني يموت فلاناً من الناس فتتوزع الأرض التي يمتلكها ، وبالتالي يقل عطاؤها ، وهذا أدى لأن يهجر الأرض الكثير من الناس ، لولا أن في القرية الثانية التي منها محمد سيف قائد الطبل ، الذي كان يدخل بنا تعز يأتون أناس إلى عندنا ويزرعون الأرض لما استمرت الأرض في عطائها في قريتنا ، لأنه لا يوجد عندنا إلا القليل ممن يزرعون ويفلحون الأرض .
وحتى في أسرتنا فإن معظم أرضنا مُشرَك مع الآخرين ، الذي يحصل اليوم أن جدران المدرجات تتساقط منها الأحجار ، وللأسف الشديد لا أحداً يعتني بها ، ويظل السؤال قائماً عندما أسافر ولا أجد له تفسيراً من أحد هو منذ متى بنيت هذه المدرجات ومن أين ؟ لأنه في منطقتنا عندما ترى الدور فإن عمر أقدم دار فيها مائتي عام ، فهذه الأرض لها أكثر بكثير وهي ذات مساحة واسعة وكلها مدرجات فمن الذي بناها ، كيف وأين كانوا الناس يسكنون ؟ ، البعض قال إنهم عندما كانوا يأتون لحرث الأرض يكتشفون وجود جثث طويلة ، فهل كان هؤلاء سكان المكان ؟ ، وهل كانوا يعيشون في الكهوف مثلاً في فترة من الفترات ثم بنوا تلك المدرجات ؟
التغيير طبعاً حدث في تغير عادات الناس وتقاليدهم ، مثلاً العيد لم يعد العيد الذي كنا نعرفه ، حتى مناسبات الولادة لم تعد موجودة تلك العادات القديمة ، حيث النساء يذهبن وهن حاملات الكدر وأقراص البر للمرأة التي تلد ، السابع الذي كانوا يعملوه سابع يوم ، فقد كان الناس يفرحون بقدوم المواليد ، بخاصة الذكور ، وعندما دخل التلفزيون تغيرت أشياء كثيرة .

* ما هي الأحداث التي لا تزال تحن إليها إلى الآن ؟
كثيرة ، كانت عمتي مشهورة في القرية وفي القرى المجاورة بالطباخة ، تعلمت الطباخة من العم قاسم ، والذي بدوره تعلم الطباخة من " البينيان " في عدن ، الحاج قاسم ليس تاجراً فقط بل أيضا طباخ ماهر ، عندما كانت تحصل عندنا عزومات كبيرة في الديوان ، ويأتي أناس كثيرون من قرى كثيرة كان الحاج قاسم من يتولى إعداد العزومات ، فطباخته طبعا غير الناس ، فكنت أسأله : " يا عم قاسم ليش طباختك ثانية ؟ " ، فكان يرد علي بالقول : " يا إبني الطباخة " نَفَس" ، يعني أن الواحد يطبخ وهو راضي النفس .
عمتي تعلمت منه الطبخ وصارت أشهر طباخة في القرية والقرى المجاورة ، كانت تقوم صباحاً تعمل " العُشَر " ، وهو مثل أقراص الخمير الذي يعملوه في المدن ، لكن هذا كان بالسمن البلدي وتعمل أقراص البر ، كما تعمل " الشؤافة " ، وتعمل في الظهر الفتة بالحليب والفتة مع الحلبة والوزف ، أشهر الأكلات عند الناس كانت العصيد لأن العصيد كانت فوائدها للناس كثيرة ، فهي تطبخ من الذرة ومرتبطة بالقوة والناس كانوا يتزوجون من أجل الأرض ويختارون المرأة القوية من أجل الأرض ويأكلون العصيد من أجل أن يستطيعون بذل الجهد الوفير في الأرض .
وأنواع العصيد ارتبطت في ذهني ، فهناك العصيد المصنوع من " الغرب " ، والعصيد الذرة ، ثم أتت بعد ذلك العصيد بالبر ، بعدما بدأ الناس يأتون من عدن ، وكان يوم ما يعملوا البر في بيتنا كان هناك في القرية أشبه بالعيد ، حتى أقراني ينظرون لي بالتقدير والاحترام ، لأنني استطيع أن اقنع جدتي وأأخذ منها قرص أو قرصين بر وأعطي للأولاد في المعلامة ، وكان هذا بمثابة يوم عيد أنه خرج من بيت الشيخ قرص أو قرصين بر .
كانت علاقة الناس باللحمة مختلفة ليست كاليوم ، أذكر أن شخصاً يدعى فارع الجزار ، رحمه الله ، يأتي من منطقة العلوم كل ثلاثاء ، ولا زلت أذكر مشهده وهو قادم إلى القرية وأنا فوق دارنا والكلب الأصفر يتبعه ، وعندما يأتي فارع الجزار كان يوم عيد بالنسبة للناس ، فلم يكن كل الناس يستطيعون أن يشتروا اللحم ، وعندما تطبخ اللحمة في بيت من البيوت ويطلع الدخان فإنه يبقى حديث القرية كلها ، لأن الناس عادةً كانوا يأكلون العصيد والحقين بسبب ظروفهم الصعبة ، كان بعض البيوت يعمل الأكلات المميزة مثل " العشر " والبر ، وهذا عندما يقدموا أبناءها من عدن .
وأجمل الصور كانت في أيام الصيف ، كانت هناك أكلة طارئة وهي على الماشي بعد ما تهطل الأمطار ننتشر في السهولة والتلال نبحث عن حشرة صغيرة تخرج من الأرض تسمى " شَظوية " ، عندما تجلس تنفخ لها بالحرارة تطلع من حفرتها ، وفي بعض الأيام كنت ترجع ويديك تسيل دماً بسبب البحث عن هذه الحشرة ، كنا نجمع منها الكثير ثم بعد ذلك يطبخوها بواسطة مقلى ، ونأكلها ، وهذه كانت من الطبخات أو الأكلات التي ظلت في ذهني ، وكنا بعض الأحيان ننسى أنفسنا ونحن نبحث عن " الشّظوية " فيداهمنا الليل ، والليل كان بالنسبة لنا مخيفاً ، وكنت ترى جداتنا وأمهاتنا كل واحدة منهن تبحث عن ولدها .

مرحلة تعز
* مرحلة تعز كانت بداية لتعاملك مع حياة المدينة ومختلفة عن حياة القرية ، ما هي الصورة التي ترتسم لديك الآن بعد هذه السنوات وأنت في ذلك السن ؟
عندما وصلنا إلى تعز سكنا في حافة إسحاق وفي بيت الشحمية ، وكان من جيراننا عبدالعزيز عقلان ، وهذا كان أمين صندوق الإمام ومن الناس الكبار ، وعبدالعزيز الحروي ، الذي اغتيل في بيروت ، والفنان علي السمة كان قريباً منا أيضاً ، وأتذكر أنني حضرت أول عرس له وأنا صغير ، كان عبدالغني مطهر ، وهو صديق والدي الحميم في حافة اسحاق .
في حافة إسحاق بدأت بالفعل مرحلة التكوين الأولي ، كان هذا الجيل الذي جاء مع قيام الثورة يحلم ويطمح للتغيير ، لذلك انتقل الناس إلى السجن وأولادهم في المدارس ، دخلت المدرسة الأحمدية الذي أسميت بعد ذلك مدرسة الثورة وبقيت فيها لفترة ، وكان ذلك في شهر أغسطس من العام 1962 ، وبعد 26 سبتمبر تغير إسمها إلى مدرسة الثورة ، وقد شاهدت الرجل الذي كان قبل استخدام الجرس يستخدم البورزان ، وخفت عندما رأيت الباب الكبير يغلق علينا في المدرسة الأحمدية فقد كان شكله مرعباً ، وقد انتقلت من مجتمع صغير في معلامة القرية إلى مكان بهذه البوابة الكبيرة والضخمة والبورزان وشكل العسكري والعكفي .
في حافة إسحاق بدأت تتفتح أعيننا على جيراننا ، يعني بدأت مع مرور الأيام تتشكل صداقات جديدة وجيراناً جدداً وأصحاباً جدداً وهم كثيرون جداً ، لا زلت أتذكرهم جميعاً.
لاأزال أتذكر جارنا بن محمد راجح الذي كان أصغر مني بسنوات ، فقد كنت كلما أشاهده أبحث عن أية زاوية للهرب منه ، رغم أن هذا الولد أصغر مني بسنوات ، لكنه ظل يرعبني لسنوات حتى انتقلنا من هذا البيت إلى بيت آخر .
بعد سنوات التقيت بهذا الجار في أحد شوارع صنعاء ووقفت بسيارتي وقلت له : السلام عليكم ، قال : وعليكم السلام ، وكان شكله لا زال مثلما هو ، بذلك القُصر وحتى الهيئة نفسها ، على الرغم من أن شعره غزاه البياض ، فقلت له : " الله لا رحمك ، ظهري يوجعني إلى اليوم " ، قال لي : " أنت تكلمني أو تكلم واحد ثاني ؟ " ، قالت له : " أكلمك أنت " ، سألني : " هل تعرفني ؟ " ، فقلت له بلهجة تعز : " أنت بن محمد راجح ؟ " ، قال : " نعم " ، قلت له : " المظلوم لا ينسى " ، الرجل ظل مصعوقاً ، فأعاد السؤال : " لكن من أنت ؟ " ، قلت له : " أنا فلان ابن فلان ، هل تذكر قاسم بجاش ؟ " ، قال : " نعم الشيخ قاسم ؟ " ، قلت له : " أنا ابنه الذي كنت تضربه " ، بكى الرجل وأمسكني وقال لي : " تعال أضربني " ، قلت له هذا أمر لن يحدث .
كان في الحافة رفيق عمري أحمد سيف عقلان ، وهو إبن جارنا سيف عقلان ، ونحن وهم من قَدَس وكنا متداخلين ، كان في ذلك الدار أخي عبدالناصر من زوجة أبي الثانية ، وكانت هذه الأم عظيمة بالنسبة لي ، فقد احتضنتني أكثر يمكن مما كانت تحتضني أمي ، وللأسف الشديد توفت بعد شهور ، فلم تحمل بالحمل الثاني الذي هو بعد عبدالناصر إلا وتوفت .
وظللنا في تلك الدار ، كنا أنا وأحمد سيف عقلان أحياناً نجلس منذ الصباح وحتى الليل عندما يأتي الوالد وأصحابه إلى هذا المكان الذي كان بالنسبة لنا مرعباً ، فلم نكن نعرف نولّع كهرباء ولا ندري كيف نتصرف في هذا الدار ، وكانت تعطف علينا خالته وهي لازالت موجودة ، أطال الله في عمرها ، وهي في القرية .
لا زال في ذهني بيت حسين محمد عبدالله الأغبري ، الذي كان مدير عام مؤسسة " الثورة " وإخوانه فؤاد وعلي وعمهم عبدالرحمن ، كنا نظل في تلك الحارة نلعب ، حيث كنا نزيل الإطار المعدني حق السياكل ونلعب بها ، طبعاً حسين كان من جيل الأستاذ محمد المسّاح .
لازلت أتذكر أنور وبيت قائد علي ، وأذكر بيت غشيم ، وغشيم كان عكفياً عند الإمام ، وكانت هيئته مميزة ومخيفة في الشارع ، فقد كان شعره كبيراً ويربط القميص بشكل معين ، وقد ظل لفترة في تلك الأيام ، وبعدها لا أدري أين اختفى ، أتذكر أننا كنا نتشاجر مع زوجته ، فقد كانت تخرج وتشتمنا ونحن نمشي في الشارع وتهددنا بغشيم لأنه كان يعتبر دولة في تلك الفترة ، كان حديث الحافة أن بن محمد راجح طلع صنعاء والتحق بالصاعقة وتزوج من صنعاء ؛ فهذه الزوجة تحولت إلى قصة في الحارة ، فقد جاءت نسوة حافة إسحاق ليشاهدن هذه الزوجة التي نزلت من صنعاء وكيف تكون .
وقد كتبت في إحدى الحلقات عن حافة إسحاق أن زوجة غشيم علقت على الزوجة الصنعانية : " زعمّات أهلات تعز ما هنش ملاح " ، كانت المحتجة الوحيدة ، لماذا يسير يتزوج من حق صنعاء ؟ ، وإيش هو بن محمد راجح بحقه الصاعقة ؟ .
وأنا دائما أقول لفكري قاسم : يا فكري لازم تزور حافة إسحاق وتزور الدكان حق بيت صدّام ، كانوا عيال صدًام يعملوا إلى ليلة الجمعة ، وكان معهم دكاناً قدام البيت ويعملوا أمامه ستارة ويجلسوا يمثلوا ، قلت له إن هذه بداية مسرح يا فكري ، فقد كانوا في كل خميس يأخذوا من الذي يريد يتفرج بيسة ، وبعد ذلك يفتحوا لنا الستارة يوم الجمعة ونجلس نتفرج على عيال صدّام وهم يمثلون بجانبها .
أتذكر بنت المخلافي التي كانت تبيع البطاطا ، كنا إلى بعد عصر كل يوم نذهب بالصحن حقنا ونشتري منها بطاطا للنساء ونجلس نتفاصل نحن وبنت المخلافي تلك البنت اللطيفة المعاقة ، نريد منها " البُرّادة " ، لم يكن تهمنا الكمية التي نشتري بها بقدر ما كنا نريد الزيادة ، يعني تزيد البسباس وإلى ما ذلك ، لكن البُرّادة هذه التي كنا نقولها بلهجة أهل تعز كانت ضرورية.

لقراءة الحلقات السابقة:
الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.