اليمن: مصادرة الحريات، واحتكار الوسائل، وقمع أصحاب الرأي* أولا شكرا للشبكة العربية لإتاحة الفرصة لي بنقل ما تعانيه حرية التعبير باليمن وتسمحوا لي باستعراض هذا الواقع بإيجاز سريع. تحتكر السلطة اليمنية، كل وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمقروءة، وتحتكر وزارة الإعلام حق منح تراخيص إصدار الصحف، ويوجد باليمن، إلى جانب الصحافة الرسمية، صحافه حزبيه ومستقلة، والاستقلال أنواع !!وكل حر باستقلاليته طبعا، ، ولعل المستقل فعلا هو الأكثر معاناة، فهناك صحف صفراء (مستقلة)، تخصصت بالنيل من كل صاحب رأي مخالف للنظام، وقادت حملات تشويه سمعة ضد ناشطات وصحفيات بتمويل من الخزينة العامة، وتمنح التسهيلات والحماية، وهناك صحف (مستقلة) تتبع نافذين، ومؤخرا صحف (مستقلة) ملاكها مسئولون، تستقطب الصحفيين المعارضين والمستقلين الشباب للعمل بها، بمرتبات مغرية في تمهيد لإحلالها كبديل للصحافة المستقلة الفاعلة التي تعاني التضييق والحصار حتى في الحصول على الإعلان، وفي وقت ما زالت فيه صحيفة الأيام اليومية موقوفة عن الصدور منذ عام ونصف، وصحيفة الشورى مصادرة، وتصدرها السلطة برئاسة تحرير حارس الصحيفة السابق، الذي احتل مقر الصحيفة بتعاون رسمي أمني وعسكري منذ عام 2005، وفرضت الرقابة المسبقة على الصحف بعد إغلاق 8 صحف دفعة واحده منتصف عام 2009 على خلفية تغطيتها احتجاجات الجنوب. في العقد الأخير انطلقت الصحافة الالكترونية، متجاوزة حالة احتكار التراخيص، ومعوضة غياب الصحافة اليومية المستقلة في إصدارها اليومي، وتطورت هذه الصحافة الالكترونية بشكل متسارع، وصارت نافذة الخارج على اليمن، في ظل تفاعل متناماً داخلياً وخارجياً، لكن السلطة اليمنية التي تحتكر خدمة الانترنت في اليمن لجأت إلى الحجب، والتشتيت، عن طريق استئجار سيرفرين خاصين لهذا الغرض في بلجيكا، وهولندا، باسم نائب مدير شركة يمن نت ياسر العماد(1) ولهذا الغرض استقدمت السلطات اليمنية مبرمجين متخصصين بالحجب والتشتيت والرقابة على الشبكة بما فيها اختراق البريد الالكتروني الشخصي، مستغلة احتكار وزارة الاتصالات للخدمة باعتبارها المشغل الرسمي والوحيد، وقدم الكثير من الصحفيين للمحاكمة وأدينوا لنشرهم مواد ناقدة في المواقع، وكان نصيبي منها العام الماضي حكمين بالغرامة لصالح وزارة الدفاع ومدير التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع بعد محاكمة امتدت لأربع سنوات، بينما كان حظ زميلي محمد المقالح أسوأ بكثير حيث تم اختطافه وإخفاؤه، لمدة أربعة أشهر، قبل أن يعلن الرئيس أنه محتجز بالأمن القومي، ليتم إحالته للمحاكمة بدلا عن خاطفيه، ومن ثم صدور عفو رئاسي عنه. أما الزميل عبد الإله حيدر فمازال رهن الاعتقال والمحاكمة، بتهمة تحريض القاعدة ضد الرئيس ونجله بحكم معرفته بهم، وتواصله معهم، عن طريق الإيميل الشخصي، ويتم احتجاز صديق لحيدر يدعى عبد الكريم الشامي، ما يعكس حجم الرقابة والاختراق والتي بلغت حد العقاب على ما ينشر في الفيس بوك، كما حدث مع رسام الكاريكاتير كمال شرف، الذي اعتقل مع حيدر والشامي ولكن على ذمة رسومه الكاريكاتورية التي ينشرها على صفحته بالفيس وتم الإفراج عنه بعد شهرين، بعد تعهد بعدم رسم رئيس الجمهورية .ومؤخراً ونحن معكم بهذا اللقاء قامت السلطة باعتقال الزميل الصحفي فؤاد راشد بمحافظة حضرموت على ذمة قيامه بعمله الصحفي بتغطية إحدى فعاليات احتجاجات الحراك السلمي الجنوبي . خلال السنوات الأربع الأخيرة، حجبت الكثير من المواقع وتعرض بعضها للتدمير، اذكر منها الشورى نت، الاشتراكي نت، نيوزيمن، الوحدوي نت، الأمة نت، المستقلة، منها ما يزال محجوبا كعدن برس، المكلا برس، بوابة الجنوب، يمن بورتال، المنبر، وغيرها، إضافة لبعض مواقع صحف مستقلة وحزبية، بل وصلت القدرات لحد إمكانية حجب مواضيع معينة على شبكة البحث جوجل. ورغم هذا تشعر السلطة أن مشكلتها مع النت قائمة، لذا شرعت بتقديم مشروع قانون الإعلام السمعي البصري الالكتروني المراد به فرض الرقابة على الانترنت، حيث يشترط لإنشاء المواقع الحصول على تراخيص مسبقة، ووضعت مبالغ مالية خيالية كرسوم، وصلت إلى حد ما يساوي مبلغ مائة ألف دولار للموقع، ويجدد الترخيص سنويا. في إحدى جلسات مجلس النواب قبل عامين كان وزير الإعلام يبرر فرض الوصاية على الصحافة الالكترونية، ويتحدث عن مدونات شخصية تترك فيها حرية التدوين والإنشاء، لكن ما اتضح أن الإجراءات القمعية تطال حتى تلك المدونات التي يسجل فيها المدونون ملاحظاتهم الشخصية على مختلف جوانب حياتهم وبمختلف اهتماماتهم. .. لعلكم سمعتم بقصة الشاب نشوان غانم الذي توفي منتحراً في أكتوبر الماضي في محافظة إب.. إنه صاحب مدونة أغلقت عدة مرات، فكان يفتتح مدونات أخرى تحت شعار من أجل التغيير في العالم العربي، وبحسب بلاغات منظمات دولية فقد تلقى العديد من التهديدات، وابلغ عن تعرضه للمضايقات في الجامعة والسكن وفي نقاط التفتيش.. هو طالب زراعة كان يسجل رأيه على عالم افتراضي شخصي بحت، لكنه لم يسلم من أدوات القمع الأمنية والتقنية.. فكان كما قال رسم نهاية حياته بيده، لا كما يريد الآخرون إنهاءها..، بينما يعتبره البعض بالوسط الصحفي أنه دفع إلى هذه النهاية. إن حس الحجب والمنع والإغلاق والمصادرة، هو طابع استبدادي تعرفونه، يعززه حس أمني، ويغذيه، هاجس رقابة لوزير الإعلام حسن اللوزي، الذي سبق أن تقدم بمشروع لمجلس وزراء الإعلام العرب للرقابة على الفضاء، ومشروع القانون هذا يأتي ضمن حزمة قوانين، عن الصحافة، والوحدة الوطنية، وكلها تستهدف حرية التعبير والرأي والصحافة والصحفيين من شتى الجوانب. وفي واقع تشهد فيه اليمن حالة مصادرة الديمقراطية النظرية الموجودة بالدستور، بل وللجمهورية... فبعد 33عاما من الحكم، قدمت مشروع تعديلات تبقي الرئيس حاكماً مدى الحياة، والرئيس لا يخفي علناً أن مشكلة اليمن هي الصحافة والصحفيين الذين يبالغون ويضخمون الأمور باليمن، والرئيس اليمني حسب تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود_ باريس، ضمن صائدي الصحفيين في العام 2010، واحتلت اليمن المرتبة 172 في قائمة حرية التعبير للعام ذاته، وهو إنجاز لا تعترف به السلطة اليمنية، رغم أنها سعت إلية بكل قوه، ولم تفلح نقابة الصحفيين اليمنيين بنفيه عن طريق إهداء درع النقابة لرئيس الجمهورية، في محاولة مكشوفة من الطرفين، لتجميل الصورة القبيحة للقمع والانتهاكات، والاعتقال، واختطاف الصحفيين، وإغلاق الصحف، وحجب المواقع، والرقابة على النت، وتزييف الواقع البائس الذي تعيشه الصحافة والصحفيين باليمن. أن السياسة الرسمية اليمنية تجاه حرية التعبير، يمكن تلخيصها بأنها: مصادرة الحريات، واحتكار الوسائل، وقمع أصحاب الرأي، وتدجين الوسط الصحفي وتشويش الرأي العام عبر تفريخ الصحافة المستقلة، وتضييق الفضاء الالكتروني بقيود عفا عليها الزمن.
هامش: 1 - وفقاً للبلاغ المقدم من موقع الشورى نت لنقابة الصحفيين اليمنيين في فبراير 2007، والمدعوم بالوثائق الفنية، التي استطاع مهندس برامج محترف تتبعها والحصول عليها.
* المادة ورقة عمل مقدمة للقاء الإقليمي لمؤتمر حرية التعبير والانترنت- القاهرة.