ما لم تقله أحزاب اللقاء المشترك بصنعاء رسمياً حتى الآن، باتت جماهيره في المحافظات تقوله وبقوة، "لا للتمديد". فالجديد واللافت على المهرجانات الشعبية الحاشدة التي بدأها المشترك في المحافظات الأسبوع الماضي، السقف المرتفع جدا، لرفض التمديد للرئيس علي عبدالله صالح، مع أن المشترك في "المركز" لم يخرج منه موقف صريح بذلك الشأن.
فموقف المشترك من التمديد، يبدو كتلميح في رفض التعديلات الدستورية المقدمة من المؤتمر إلى البرلمان، والتي تعطي الرئيس فترات أخرى مدى الحياة، أو فترتين فقط، بحسب رسالة الأرياني الأخيرة، إضافة إلى رفض التفرد بالانتخابات القادمة.
فقيادات المشترك وبياناته ومنذ مدة لم تكن تخفي رفضها "للتوريث"، إلا أنها لم تكن تفضل الحديث عن "التمديد"، متكئة على موقف دستوري، بأن مغادرة الرئيس للحكم في 2013 أمر طبيعي بنص الدستور، بحرص مقصود لم يكن المشترك يرغب في أن يكون هو من يبدأ الحديث عن التمديد، أو يبدي موقفا منه.
ولذلك لم يرق للرئيس المسارات التي كان يتخذها التحضير للحوار الوطني الشامل من خلال لجنة ال4 "عبدربه منصور هادي، وعبدالكريم الأرياني، وياسين سعيد نعمان، عبدالوهاب الآنسي" بدون التطرق إلى ما يشير إلى "التمديد له"، ليعلن المؤتمر في أكتوبر الماضي من طرف واحد توقف الحوار، ويبدأ في إجراءاته المنفردة للتحضير للانتخابات القادمة، بتمرير قانون الانتخابات،وتشكيل لجنتها العليا..
في ديسمبر، أعلن رسميا ولأول مرة عن الرغبة في "التمديد"، و"قلع العداد" الرئاسي، وذهبت كتلة المؤتمر أول يناير الجاري بالتعديلات الدستورية إلى البرلمان، ووجهت إلى المشترك رسالة كغيره لمناقشة التعديلات هناك، كان واضحا أن السلطة لم تكن تريد العودة إلى الحوار مع المشترك وإدراج ملف "التمديد" على طاولة الحوار معه، والحوار الوطني بعد ذلك، مع أن قيادات في المشترك أبدت موافقتها مبدئيا حينها على القبول بإدراج ملف "التمديد" على طاولة الحوار، إذا كان المؤتمر يريد ذلك.
في الحلقة الحوارية الشهيرة في قناة السعيدة التي أعلن فيها رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية سلطان البركاني "قلع العداد"، قال له الأمين العام المساعد للإصلاح الدكتور محمد السعدي "نعرف أن عدم طرح موضوع التمديد للرئيس في الورقة التي توصلت إليها لجنة الأربعة هو ما أدى لرفضها، وإعلانكم وقف الحوار، لكنكم لم تطلبوا ذلك، مع أنكم كنتم ممثلين باثنين من أرفع مسؤوليكم، اطلبوا ذلك، وليس لدينا مانع أن نناقشه معكم ونعود للحوار الوطني".
كان رد البركاني "نحن لا نطلب ذلك منكم، وإنما من الشعب، وسنذهب إليه"، وفعلا ذهبت كتلة المؤتمر منفردة بالتعديلات الدستورية إلى البرلمان، مصحوبة ببرنامج لمهرجانات شعبية مؤيدة للتعديلات الدستورية، بدأها عبدالعزيز عبدالغني بمهرجان بتعز في 6 يناير.
حتى اللجنة الرئاسية التي كان قد شكلها رئيس الجمهورية برئاسة عبدالعزيز الغني في 29 ديسمبر لإعادة التواصل مع المشترك للعودة للحوار، لم تكن تحمل رغبة جادة للعودة للحوار ومناقشة كافة القضايا بما فيها التمديد والتعديلات الدستورية على طاولته، كان في الرسالة التي وجهتها اللجنة للمشترك دعوة صريحة للقبول بالأمر الواقع والذهاب لمناقشة التعديلات في مكان هو خاسر فيه سلفا، في البرلمان، ولم تحتو جديدا بشأن الدعوة للمشاركة في حكومة وطنية للإشراف على الانتخابات..
إلى ما قبل تطورات أحداث تونس وهروب "بن علي" في 14 يناير، لم يكن هناك ما يشير إلى أن السلطة تريد مناقشة "التمديد" مع المشترك، إلا أن الرسالة الأخيرة التي بعثها الدكتور عبدالكريم الأرياني الأثنين قبل الماضي 17 يناير، ويقال أن الرئيس علي عبدالله صالح سلمها شخصيا لرئيس الهيئة العليا للإصلاح محمد اليدومي، والتي تحتوي تراجعا عن "قلع العداد" الرئاسي إلى تصفيره، تعد بالفعل أول طلب رسمي للسلطة من المشترك بشأن التمديد للرئيس.
مع أن الرئيس بدا في الرسالة أنه يتنازل ويتراجع عن "قلع العداد"، إلا أنه كان في الحقيقة يفاوض المشترك، ولأول مرة على التمديد له عشر سنوات أخرى "دورتين من خمس "، مقابل القائمة النسبية على أن يتم تنفيذها من الانتخابات بعد القادمة.
رد اللقاء المشترك في بلاغ صحفي الأحد إنه لم يجد جديدا في الرسالة، وأنه اتخذ قرارا سابقا بعدم الرد على الرسائل المؤتمرية، ما لم يجد جديدا فيها، ورفضت قيادات رفيعة فيه الرد على سؤال للمصدر بشأن موقفها من طلب التمديد للرئيس الذي جاء في الرسالة، وقالت إن المشترك يرفض الرسالة كاملة، ولا يرغب في الدخول في تفاصيلها..
رفض المشترك للرسالة كان متوقعا، فهي لا تلبي مطالبه الأساسية مقابل ثمن باهظ كقبوله بالتمديد للرئيس عشر سنوات أخرى، ولو عرض المؤتمر تنفيذ القائمة النسبية من الانتخابات القادمة وهو محتمل، إلا أن تجاهل المشترك ورفض قياداته الحديث عن "التمديد" وعدم اتخاذ موقف صارم لرفضه، يمكنهم من إبقاء الباب مفتوحا مع السلطة، ومعرفة إلى إي مدى يمكنها تقديم الثمن المناسب له.
وهو الثمن الذي نجد ملامحه في تصريحات الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للإصلاح الدكتور محمد السعدي في تصريح ل"المصدر أونلاين" الخميس الفائت عن السيناريوهات القادمة للمعارضة لتغيير المكونات الأساسية للنظام، والذي سماها ب"المشروع الاستثماري الكبير" في تغيير دستوري للنظام من الرئاسي إلى البرلماني، إضافة إلى حكم محلي كامل الصلاحيات، وجعل منصب رئيس الجمهورية تحت المسائلة وليس مطلق الصلاحيات.
لم يقل السعدي أن ذلك سيكون الثمن المناسب للتمديد، إلا أن مصادر رفيعة قالت أن ذلك يشكل إطارا ملائما، ولا يمكن القبول بما هو أدنى منه، في حال رغب صالح تقديمه كثمن، إلا أن تلك المصادر أكدت أن أي اتفاق بذلك الخصوص بين المؤتمر والمشترك لن يكون خارج إطار الحوار الوطني.
ربما هناك اتجاهان داخل المشترك، أحدهما يرى أن لا حديث عن "التمديد" بعد الذي حدث في تونس ولا يرضى بغير "قلع" النظام الحالي تحت تأثير الحدث، والآخر يريد استغلال ذلك إلى أقصى حد ممكن، وحشد المزيد من نقاط القوة للضغط على النظام وإجباره في عملية تفاوضية على القبول بالإصلاحات السياسية التي يطرح النظام البرلماني والحكم المحلي والقائمة النسبية سقفا لها، ولو في مقابل التمديد للرئيس بصلاحيات رمزية.
لكن المؤكد أن أحداث تونس كان لها التأثير الكبير على مواقف السلطة في الوقت الراهن وقد عادت للتفاوض مع المشترك، ربما تبحث عن تسوية حقيقية، وربما عن بعض الوقت لترتيب أوراقها، هناك حديث عن عروض للعودة للحوار الوطني مما كانت قد توصلت إليه لجنة ال4، ما زالت تلاقي رفضا مشتركيا مشترطا التراجع عن الإجراءات الفردية التي أقدمت عليها السلطة "تمرير تعديل قانون الانتخابات، وتشكيل لجنتها العليا" وسحب التعديلات الدستورية من البرلمان.
فالسلطة تدرك جيدا في الوقت الراهن صعوبة أن تمضي منفردة في تمرير الانتخابات القادمة والتمديد للرئيس، ولن تتوقف عن تقديم المزيد من العروض والتنازلات، إلى أي مدى يمكنها الذهاب بعيدا في ذلك، هو ما سيحدد ملامح أي تسوية قادمة.
يتوقع أن تقدم المزيد من العروض في الأيام القادمة، فبقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن من عدم القدرة على تمرير الانتخابات والتعديلات الدستورية إلى ما بعد موعد الانتخابات في إبريل القادم ليس في صالحها إطلاقا، حيث سيجد الرئيس علي عبدالله صالح نفسه مقصيا عن الرئاسة دستوريا في 2013، تحت هذا الضغط، وما لم يستجد أمر آخر يميل بميزان القوة لصالح السلطة، يبدو مناخ التوصل لتسوية سياسية حقيقية ملائما..
لكن هل يبدو الحديث عن تسوية سياسية تحت ضغط الشارع وشعاراته الصريحة لرفض التمديد لا يزال ممكنا؟!..