جاء تكليف الدكتور عبد الكريم الإرياني لإدارة الحوار مع القوى السياسية ليواجه بالقبول والاطمئنان .. ولكن مع توالي الأيام، ظهر أن هناك من يريد إعادة استخدام أساليب الالتواء والالتفاف التي أصبحت ممارساتها تمثل هواية لدى الكثير من قيادات النظام، حيث بدأ الحديث بأن سفريات الرجل إلى الخارج هي التي عرقلت الحوار وأجلته، ثم تواصل ذلك بالتسريبات الهادفة إلى تشويش الأجواء وتسميمها وخلط الأوراق، وبناء حواجز نفسية وسياسية أمام عملية استئناف الحوار وإجراءاته، وفي يوم الأحد (19 يوليو الجاري)، قالت صحيفة "السياسية" نقلاً عن "المؤتمر نت" أن الدكتور الإرياني دعا أُمناء عموم الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، إلى بدء جلسات حوار، اعتباراً من هذا اليوم نفسه "لتطوير النظام السياسي والانتخابي"، وقد أُرفق بهذه الدعوة جدول يتضمن المهام والتواريخ المحددة لإجرائها..
وإذا كان الجدول الزمني هذا قد حدد بداية الحوار بتاريخ 15 يونيو، فإن من المضحك أن يقوم الدكتور الإرياني بدعوة الأحزاب في 19 يوليو، ويقول لهم سنبدأ الحوار في منتصف الشهر الماضي، فهذا الأسلوب لا يحمل إيجابية أخلاقية، ولا يمكن أن يكون فيه مصلحة، سوى أنه شكل من أشكال التهريج، وعلى افتراض أن الجدول قد تم إعداده في وقت سابق، فالدكتور الإرياني لا يمكن أن يكون ساذجاً إلى هذا الحد، بحيث يدعو لإجراء حوار بأثر رجعي، لأن أول أمر يفترض أن يقوم به هو إعادة وضع المواعيد الزمنية في ضوء البداية الحقيقية لإعلان الدعوة وتوجيهها ..
وإذا كان هناك من يرى أن الهدف من وضع هذا البرنامج الزمني بهذه الصيغة، قد جاء من باب استغفال الرأي العام، بحيث يُقال لاحقاً أن السلطة قد بادرت في وقت مبكر، ولكن الآخرين لم يلتزموا ولم يعطوا للوقت أهميته، فإن هذا يعني أن السلطة ليست صادقة مع نفسها ولا مع الآخرين، وأنها لازالت تتعامل مع الحوار باعتباره شكلاً من أشكال الفبركات السياسية، وهذا هو ما يبدو عليه الحال، فالدكتور الإرياني كان أصلاً قد نسف ذلك الجدول والدعوة المرفقة به، قبل خمسة أيام من نشره، حين قال أن حُسن النوايا ليست موجودة في قاموس المشترك، وذلك في سياق رفضه لما تضمنته رسالة المشترك المؤرخة في 13/7/2009، والتي أكدت على التمسك باتفاق فبراير والتمسك بالحوار الصادق والجاد لتنفيذه، حيث تضمنت رسالة المشترك الدعوة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عملية للخروج من الأزمة، وذلك من خلال تهيئة المناخات السياسية، والبدء ببحث آلية مناسبة لإشراك كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار الوطني وفقاً لما نص عليه الاتفاق، وأن توضع كل قضايا البلاد على طاولة الحوار، بحيث لا يسمح بحوارات جانبية تكون سبباً في إفشال الحوار وعرقلته ..
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إصرار السلطة وحزبها الحاكم على عدم التعاطي مع قضية الحوار بصيغته الوطنية الشاملة؟ ولماذا الإصرار على تكريس الأخطاء وإعادة إنتاج الأزمات؟ ولماذا الانشداد إلى الماضي ومحاولة فرض الأساليب والمفاهيم والأدوات التي استنفدت أغراضها؟ ثم لماذا تريد هذه السلطة أن تقف دائماً في وجه التطلعات الوطنية، فتتحول من موقع المسئول إلى موقع الخصم اللدود؟ هل استنفدت هذه السلطة أغراضها ولم يعد لديها ما تقدمه، أم أن هناك من يدفعها إلى نقطة اللاعودة؟