قالت هيومن رايتس ووتش في تقريرٍ أصدرته اليوم، إن قوات الأمن اليمنية استخدمت القوة المفرطة والمُميتة ضد المتظاهرين السِلميين على الأغلب في مدينة عدن بجنوب اليمن في فبراير الماضي. وأطلقت قوات الأمن النيران من الأسلحة التي شملت بنادق ومدافع رشاشة، على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص، وربما ضعف هذا العدد، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 150 شخصاً، كان من بينهم أطفالاً. يُوثّق تقرير أصدرته المنظمة "أيام من إراقة الدماء في عدن"، المُكّون من 20 صفحة، هجمات على المتظاهرين في ميناء عدن الاستراتيجي من 16إلى 25 فبراير. وخلص إلى أن قوات الشرطة والجيش أيضاً طاردت وأطلقت النار على المحتجّين الذين كانوا يحاولون الفرار من الاعتداءات. كما أوقفَت القوات الأطباء وسيارات الإسعاف التي كانت تحاول الوصول إلى مواقع الاحتجاج، وأطلَقَت النار على الأشخاص الذين حاولوا إنقاذ الضحايا وأخفَت الأدلة، كأغلفة الرصاص مَثَلاً، من مواقع إطلاق النار. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إطلاق النار على الحشود ليس طريقةً للرد على الاحتجاجات السلمية". وأضاف: "ينبغي للحكومات في المنطقة وخارجها أن تُوضّح لليمن أن المساعدة الدولية تأتي مع شرط احترام حقوق الإنسان". وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على السلطات اليمنية أن تُوقِف هذه الهجمات غير المشروعة فوراً، وأن تُجري تحقيقاً موضوعياً في الإصابات والوفيات في عدن. ويستند التقرير إلى أكثر من 50 مقابلة مع متظاهرين مُصابين وشهود على عمليات القتل، وأقارب المتظاهرين الذين قُتِلوا، وأطباء ومساعدين طبيين، ونشطاء حقوق الإنسان. قامت المنظمة أيضا بتحليل مواد الفيديو والصور الفوتوغرافية التي توفرّت لنا عن طريق شهود الاحتجاجات ، وكذلك سجلات المستشفى وأدلة القذائف التي جَمَعَها المتظاهرون بعد إطلاق النار. وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن قوات الأمن والاستخبارات في عدن، بما في ذلك أفراد الأمن المركزي، الشرطة العامة، الجيش، ومكتب الأمن القومي، دأبت على استخدام القوة المُميتة، والتي كان مبالغٌ بها بشكل واضح في ما يتعلق بالخطر الذي تعرّض له المحتجون. في جميع الحالات التي وثقّتها المنظمة، استخدَمَت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي والذخيرة الحية، بما في ذلك من بنادق ومدافع رشاشة. ووصف العديد من شهود العيان المتظاهرين بأنهم غير مسلحين، كما أوضَحَوا أنه في معظم الحالات لم يُشكّل المتظاهرين أي تهديد على الآخرين أو على الأملاك المجاورة. وكانت بعض الاحتجاجات سلمية تماماً. أما أثناء احتجاجات أخرى، فقد رمى المحتجون الحجارة حين كانت قوات الأمن تُحاول تفريقهم. وكانت غالبية الضحايا من الرجال والصبية الصغار. وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق قتل 3 أولاد- اثنان منهم ذوي 17 عاماً والآخر ذا 16 سنة. وكان العديد من المصابين أطفالاً كذلك. كما وثقّت هيومن رايتس ووتش حالات عديدة قتلت أو جرحت فيها قوات الأمن المارّة. كذلك أصيب رجلٌ بعيار ناري أثناء مراقبته للاحتجاجات من نافذة منزله. قامت قوات الأمن بإزالة أغلفة الرصاص من الشوارع بسرعة، كما أرغمت السلطات الأسر على دفن جثث القتلى على الفور، في محاولة واضحة لإخفاء الأدلة ولمنع الجنازات العامة واسعة النطاق . في حالة واحدة على الأقل، زوّرت السلطات تقرير الطب الشرعي لشخص قُتِل في الاحتجاج. مازال العدد الدقيق لقتلى وجرحى هجمات عدن مجهولاً. ولم تقم السلطات بنشر أي معلومات عن الضحايا، كما منعت المراقبين المستقلين من الوصول إلى المستشفيات الحكومية. العديد من هؤلاء الذين أُصيبوا لم يذهبوا إلى المستشفيات الحكومية، بعد أن علموا أن قوات الأمن كانوا يدخلونها ويقبضون على المتظاهرين المُصابين، بالإضافة إلى أن طاقة المستشفيات الخاصة كانت قد تعدّت حدّها. وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن قوات الأمن اليمنية اعتقلت عشرات المتظاهرين السلميين وناشطي الحركة الجنوبية في عدن خلال الفترة نفسها. وقد ُأطلِق سراح بعض المعتقلين، لكن المنظمة قامت بتوثيق ما لا يقل عن ثماني حالات "اختفت" فيها الحركة الجنوبية والناشطون بعد اعتقالهم. وكانت هيومن رايتس قد وثقّت نفس أنماط استخدام القوة المفرطة من جانب قوات الأمن اليمنية ضد المتظاهرين الجنوبيين في تقرير عام 2009 "باسم الوحدة". وقال ستورك: "إن عمليات القتل والإصابات هي الفصل الأخير في محاولات الرئيس صالح الوحشية لقمع المعارضة المشروعة في عدن والمناطق المحيطة بها". وأضاف :"هذه الاعتداءات غير القانونية تضع حاجزاً أكبر بين الحكومة والشعب في الجنوب، بدلاً من أن تخلق وحدةً بينهم".
شهادات من "أيام من إراقة الدماء في عدن" وكان ياسين يتحدث إلى مجموعة من حوالي ثمانية من رجال الشرطة، الذين كانوا يقفون على بعد ثلاثة أمتار منهم. وسمعناه وهو يقول:" "ليس لدي سلاح، وأنا أتوجه إليكم بشكل سِلمي، هل ستُطلِق النار عليّ؟" وفي تلك اللحظة قام شرطيٌ آخر من مجموعةٍ أخرى كانت على بعد 40 متراً بإطلاق النار عليه. كما سمعنا إطلاق نار من أسلحة آلية - ثلاث طلقات في وقت واحد - فسقط على الأرض. وكان قد أُصيب في ضلعه، ونقله بعض الأصدقاء بسرعة إلى المستشفى. - وجدان، أحد المتظاهرين، واصفاً إطلاق النار المميت على صديقه ذي ال20 عاماً، ياسين علي أحمد ناجي القرافي، في يوم 16 فبراير. أصيب وجدان في المعدة. لم يُعطونا أي تحذير. وبدلاً من ذلك، كانوا يصرخون: "سوف نقتلك؛ سنفجّر رأسك". بدأنا بالركض، وكانت الشرطة تُطاردنا على طول شوارع الحي. كانوا يطلقون النار، وقد أصابتني رصاصة في مِعصَمي. كان بعض الأصدقاء يُحاولون أن يأتوا ويُساعدونني، لكن الشرطة لم تسمح لهم بالتقدّم. ولم يأخذوني إلى المستشفى إلا بعد توقف إطلاق النار. - محمد، أحد المتظاهرين، واصفاً إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين في المسيرة من حي المنصورة في 18 فبراير. ذهبت إلى هناك بسيارتي، وقد أوقفَني الأمن المركزي في نقطة التفتيش. شرحت لهم مَن أكون وأنني كنتُ في حاجة لتقديم المساعدة الطبية للجرحى، لكنهم لم يسمحوا لي بالمرور. وقالوا بالحرف: "دعهم يموتون". - طبيب من عيادة خاصة حاول أن يصل إلى جرحى احتجاج نُظّم في حي المعلا في 25 فبراير.