قام النظام اليمني ممثلا بجهازه للأمن القومي -ولا يزال- بتنفيذ إستراتيجية شاملة للحرب النفسية لحماية النظام وضرب ثورة الشباب السلمية ومن ساندها من الأحزاب السياسية وشيوخ القبائل وقادة الجيش. وتميزت هذه الاستراتيجية باحتوائها لخطط ووسائل منهجية مدروسة وذات كفاءة عالية وصاحبها حملة إعلامية وسياسية وأمنية واقتصادية شاملة. وفيما يلي بعض من المحاور التي قامت الاستراتيجية الدفاعية بالتركيز عليها: 1) التقليل من شأن الثورة واختزالها ووصفها بأنها مجرد أزمة سياسية وليست ثورة. 2) حصر هذه الأزمة بين قطبي السياسة السلطة والمعارضة فقط وتصويرها على أنها نوع من الخلاف السياسي على الحكم. 3) حشد كل الطاقات المادية والمعنوية لدعم القطب السياسي المتعلق بالنظام الحاكم وحلفائه. 3) السعي لضرب كل من المعارضة وحلفائها وشباب الثورة باستخدام مختلف وسائل الترغيب والترهيب، والسعي لتفكيك التحالف القائم بينهما وعزل بعضهما عن بعض. كما تضمنت هذه الاستراتيجية خطة مضادة لاحتواء مطالب الثورة والالتفاف على أهدافها والمتعلقة بالتنحي الفوري للرئيس وذلك عبر الحديث الموحد والمستمر وعبر كافة وسائل الإعلام عن استعداد الرئيس المطلق لتسليم السلطة بشكل سلمي ولكن عبر الشروط التالية: 1) توقف مظاهر الفوضى أولاً، ويقصد به فض الاعتصامات وإنهاء المظاهرات. 2) العودة إلى طاولة الحوار والتفاوض بين السلطة والمعارضة حتى لا يذهب الوطن إلى المجهول وتقوم الفتنة وتندلع حرب أهلية بين أفراد الشعب المسلح فتنشط القاعدة وتتقسم البلاد. 3) يكون التسليم طبقا للدستور أو الشرعية الدستورية (والشرعية الدينية). 4) أن يكون الخروج مشرفا للرئيس. 5) عرض تشكيل حكومة وحدة وطنية. هدفت هذه الخطة إلى تحقيق هدفين مزدوجين: يتمثل أحدهما بتصوير الرئيس على أنه حمامة السلام في اليمن لأنه سيقوم بالتنازل عن حقوقه الدستورية والشرعية من أجل حماية اليمن وضمان أمنه واستقراره ووحدة أراضيه ويطالب فقط أن يتم ذلك عبر الحوار وأن يكون الرحيل مشرفا له. وفي المقابل يسعى الهدف الثاني إلى تحقيق المكاسب التالية: 1) تشويه صورة المعارضة وتصويرها على أنها عصابة متطرفة ترفض الحوار وتسعى إلى الوصول إلى الحكم عبر دماء اليمنيين. 2) استدراج المعارضة وحلفائها من القبائل و قيادات الجيش إلى الحوار حول قضائيا عائمة وتفاصيل شائكة, وحينها تتشعب القضايا وتحتدم النقاشات مما سيؤدي إلى تصدع ائتلاف أحزاب المعارضة فيما بينها (لكونها طيفا واسعا من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة بينما النظام كتلة واحدة وقيادة موحدة) أو بينها وبين حلفائها. 3) إغراء المعارضة وحلفائها ببعض المكاسب السياسية وهو ما سيؤدي في الواقع إلى فقدان الثقة وإلى حدوث شرخ واسع فيما بينها وبين شباب الثورة. 4) قد يصل الحوار أو التفاوض بين جميع الأطراف إلى طريق مسدود، وبالتالي: 5) سيصاب المعتصمون والمتظاهرون بالملل والإحباط خلال تلك الحوارات التي لا تنتهي و سيقومون بترك الساحات وهذا هو المطلوب (بالنسبة للنظام). 6) تشكيل حكومة الوحدة الوطنية (بعد عمر طويل) وتضمينها قيادات عليا من نفس النظام وبحكم الخبرة الطويلة لهؤلاء وعلاقاتهم الواسعة وثرواتهم الطائلة سيقومون بحماية النظام السابق وسيتمكنون من احتواء الثورة وإجهاض أهدافها. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها النظام في إطار هذه الخطة إلا أنه بسبب فطنة قادة المعارضة وحلفائها والوعي الكبير الذي تميز به شباب الثورة عجزت هذه الخطة عن تحقيق معظم الأهداف المذكورة طوال الشهرين الماضيين من عمر الثورة. وعندما تقدم مجلس التعاون الخليجي بمبادرته الأصلية كان المبدأ الأول فيها تنحي الرئيس وبشكل فوري وهي الفكرة التي ظل الرئيس ونظامه يقاومونها منذ فترة طويلة ولذلك فقد عمد النظام إلى نقل خطته للحرب النفسية إلى دول مجلس التعاون حيث بدأ بممارسة حرب نفسية ضد قطر ومبادرتها على حد قوله واستدعاء السفير اليمني في قطر وضرب بقوة على وتر الخلاف السعودي القطري وأرسل رئيس جهاز الأمن القومي ليجتمع بالقادة السعوديين قبل صدور بيان مجلس وزراء الخارجية فتمخض الاجتماع الأخير بصدور بيان تم فيه تعديل المبادرة الأصلية ويتبنى في كثير من بنوده نفس خطة الحرب النفسية المذكورة التي تبناها النظام للتعامل مع الثورة بل وزاد عليها بقاء الرئيس كرمز بعد تسليمه صلاحياته لنائبه وهذا ما يعني أنه يخطط إذا ما أجبر على ذلك إلى قيادة ثورة مضادة تسعى إلى إفشال الثورة واستعادة السلطة من جديد وربما بشكل أقوى مما كان عليه من قبل وهو ما يعكس إصراره الشديد على بند الحصانة له و لأسرته من الملاحقات والمحاكمات القضائية وهو ما تنبهت إليه المعارضة فبررت رفضها للمبادرة المعدلة على أساس أنها تخلو من هذا البند الخطير جدا. ويبقى التساؤل المهم حول ما إذا ما كانت هذه المبادرة ستنجح في تحقيق ما عجز عنه النظام اليمني من حرب نفسية لاحتواء الثورة وإجهاضها!؟