المؤتمر الشعبي العام منظمة شعبية كتب ميثاقها خيرة علماء اليمن.. إنها صورة جميلة شوهتها فردية الحاكم، ودنسها غباء وجهل من تقرب إليه. لقد تحولت من منظمة الحزب الحاكم إلى منظمة حزب الحاكم، فرغب عنها أكثر أهل الإيمان والحكمة فقصدها المقدام عمر أحمد سيف (رحمه الله) الذي ما فتئ يذكر :«دخلنا عليهم لنصلحهم فأفسدونا» وما فسد والله، وإنما هي لغة اضطر إليها ليفهم مراده المخدوعون فيها، فخلا الجو لقيادات المداهنة وبعض المتنفذين فباضوا فيها وأصفروا «وغدوا على حردٍ قادرين»، وصاروا يأتونها ينقصون من أطرافها «والله يحكم لا معقب لحكمه» حتى ظهر الفساد في أكثر من انتمى إليها في بر اليمن وبحره، فما تسمع بالمؤتمر الشعبي العام إلا ويصيبك غثيان المحسوبية ورعاف الانتهازية، فتحاول كظم غيظك من باب الصبر على ما يأتيك، كيف لا وهو ولي أمرك بالأغلبية الساحقة ويملك الثلثين في برلمان ثلثاه قطيع لا راعي له، وإن وجد الراعي فحدث عن هذا الراعي، فهو أجير لا يرقب في قومه إلاً ولا ذمة، مبلغ علمه ما يقول كبيرهم فهو لا يريد منهم نقاشاً في قوله ولا جدالاً، وجل همه تصفير عداد الزمن ليطيل سنوات الخداع، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ يقول في حديث حسنه الألباني (رحمه الله) في السلسلة الصحيحة، وقال عنه الشيخ أحمد شاكر (رحمه الله) متنه صحيح وسنده حسن : "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». فوا أسفا، كم يدعي الفضل ناقص وواعجبا، كم يظهر النقص فاضل إن كل مشكلة هذه المنظمة أنها نسيت ميثاقها الذي جعلها مظلة لكل اليمنيين، فانكمشت حتى غدت مظلة للفاسدين، فمُحقت بركة اجتماعهم لأنهم تناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، ولم يتناجوا بالبر والتقوى، ولم يتقوا الله في ما ولاهم عليه من أمر المسلمين في اليمن «فأكثروا فيها الفساد» وتنادوا بالفرعونية المقيتة «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»، «فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد». إنني أذكر – بأسف وحزن شديدين – عندما كنت في الصف الثاني الإعدادي وبعد عودتي في ظهيرة يوم دراسي وقد سبقتني إلى قريتنا الجميلة ثلة من منتسبي «حزب الرئيس» كما يسميه سكان قريتنا، وبدون مقدمات طلب مني والدي – بكل فخر - أن أعتني بمظهري كي تلتقط لي صورة شمسية ليتم منحي بطاقة عضوية في المؤتمر الشعبي العام، وكنت مسروراً بهذا الأمر وحملت البطاقة في فترة من رسل البيان لهذا الحزب ومكوناته ومبادئه، ولكن أجمل ما في الأمر يومئذ أنني حصلت على نسخة من «الميثاق الوطني» فقرأتها مع والدي الذي ما زال إلى الآن يجادل في صواب انتمائه إلى هذه المنظمة التي أساسها الميثاق، ولو جمعت له مثقفي اليمن ومالكي البيان فيها ليروه فساد هذا الحزب ورئيسه ما استجاب لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى ماء في قعر بئر عميق ليبلغ فاه وما هو ببالغه، وذلك لشدة القناعة لديه بما هو مسطر في هذا الميثاق من قيم ومبادئ هي في رأيه كافية لتحريك الماء الراكد في هذا الوطن الغالي، وهو بهذه القناعة محقُ بعض الشيء، ولكن ما فاته من الأمر هو أن السفينة لا تجري على اليبس، فالدستور اليمني أو الميثاق الوطني لا يرتقي أن يكون واقعا ما لم يحمل قيمه رجال «يهدون بالحق وبه يعدلون». لقد استمعت إلى الأخت الفاضلة توكل كرمان في حديث لها إلى قناة الجزيرة معلقة على مجزرة جمعة الكرامة، وهي تعبر عن رأيها في هذا الحزب بعد أن ولغ في دماء الشعب، فأدركت حجم المأساة التي وصل إليها المؤتمر الشعبي العام بعد أن فقدت بعض قياداته رأيها الصائب في إدارة الأزمة، واتخذت سبيل الشيطان طريقاً لمواجهة إرادة جيل طالما رضعت حليب مصالحه وتركته يكتوي بنار الحرمان ويتذوق مر السنين العجاف. لا شك أن الصادقين من أهل اليمن الآن متفقون بأن هذا الحزب لا بد أن يرحل، لأن كل حرف في اسمه يذكرنا بقياداته البغيضة، وكل مقر من مقراته هو وكر فساد ودليل فوضى، وليس أدل على صحة هذا الرأي من واقع يشهد بأن كل من تلطّخت يده بدماء شبابنا باق فيه، ومن أراد الحياة لشعبه من الشرفاء بادر باستقالته من هذا الحزب ليرمي نفسه في أحضان ثورة الشباب المباركة «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».