أيقن النظام أنه راحل هذه المرة فرحب بالمبادرة الخليجية "نصاً وروحاً"، لكنه يجتهد لتصفية حسابات خاصة: كسر الأصابع التي ارتفعت تطالبه بالرحيل. يفكر بطريقة المستأجر الذي يطرده المؤجر بالقوة، فيقوم بإتلاف كافة البنى التحتية للشقة التي كان يسكنها، في أسلوب صبياني للانتقام. كيف تحملنا نظاماً أحمق طيلة هذه السنوات؟ من يشاهد مدينة تعز أمس، لا يمكنه تشخيص الحالة النفسية التي يعيشها النظام. الانتقام البشع الذي تقوم به قواته المختلقة، لا إجابة له سوى أنهم تذوقوا مرارة الهزيمة من شباب عزّل، فيريدون إعادة الاعتبار لكبرياء مُسح بها في ساحات الحرية وشوارع المدن. نعم الرئيس أُهُين. تلقى من الإهانات ما لم يكن يتخيلها في أسوأ الاحتمالات، ويرى أنه لا بد من معاقبة المتسببين. الكرامة شيء مقدس عند اليمني. إن تعرض لإهانة عابرة من أحد، يموت من الداخل ويفكر بالانتحار، فما بالكم بشخص يسمع كل يوم عن حملات ل"تنظيف المدن من صوره"!؟ الصورة الرمز فوق البنايات طيلة عقود، باتت نجاسة ويتم تطهير المدن منها. أُسُقطت، وداسها الشباب تحت أقدامهم. لكن كرامة الرئيس لن تُعاد بإفراغ ما تبقى من مخزون الرصاص في أجساد الشباب وأجنحة الطيور وأسلاك شبكة الكهرباء. هيبة القائد لن تستعيدها قنابل دخانية ولا مياه مجاري نجّس بها النظام أمس تراب تعز ووجوه شبابها. حين ينقل النظام معاركة إلى مدن تعز، إب، البيضاء، يظن أنه يضرب من تحت الحزام. تأديب هذه المحافظات، لن يجعل الفضائيات تنقل قباحاته كما لو كان الأمر في العاصمة. يدرك أن جرائمه في تعز، سيتكفل المهرج عبده الجندي بالتبرير لها. سيقول إن الشباب كان يريدون "اقتحام فندق سوفتيل" من أجل ابتزاز "مجموعة هائل" بأنهم أنقذوا فندقهم ومصانعهم من "هجّامة". أي بجاحة هذه؟ يتقبل الناس من الجندي أن يكون مهرجاً دائم لولي نعمته، لكنهم لا يتمنون مشاهدته يهبط إلى هذا المستوى من الدناءة. الشباب ضربوا بوحشية لا تحصل في دولة كالكونغو. حوصروا في شارع فرعي من كل الاتجاهات، وتم تكبيدهم بالرصاص والقنابل، فكيف سيقتحمون فندق؟ المدخل الشرقي لمدينة تعز، كان أشبه ب"مصراته". الرصاص ينطلق من أسلحة كافة الوحدات العسكرية. القادم إلى تعز تستقبله دائما اللوحة الترحيبية: "ابتسم أنت في تعز"، استقبلته القنابل الخانقة أمس. اللافتة كانت: اختنق أنت في تعز!! مشكلة هذا النظام أنه يعلن نواياه وأهدافه عبر اتهامات للطرف الآخر. هو من يتمنى اقتحام الفندق ونهب البنوك والمصانع. يفكرّ النظام بعقلية بدائية، بنفس طريقة أحداث فيلم "الهجامة" الذي كتبه "عكاشة" أوائل التسعينات، حين يزج بهجامه و"لصّة منازل" وسط مظاهرة طلابية، حتى ينشر في إعلامه أن المظاهرة بأكملها كانت للصوص يفكرون باقتحام المحلات والبنوك، وأنه تم إفشالها. تمنيت من مهندس الحقارة في النظام أن لا يبنى أفكاره على مقدمة الفيلم، بل يكمل مشاهدته، ليدرك أن الهجامة، تحولت إلى مناضلة أشرف من "الجندي" الذي سيظل هجاماً حتى يموت.