من يشاهد القنوات الناطقة باسم الحزب الحاكم في اليمن أو المعبرة عنه يدرك أن حراكاً إعلامياً واسعاً يهدف إلى تغيير الحقائق على الأرض وتغييب الناس عن الثورة ومطالبها المشروعة إما بالتخوين وإما بعرض صور للأطفال مستلقين في ساحات التغيير على أساس أنها كذب وادعاء وأن الثورة الشعبية تستخدم هؤلاء "الأطفال" للضغط على الحكومة وللتغرير على المجتمع من أجل الإسراع بإنهاء الاعتصام بعد أن يكون قد حقق المطلب الرئيس في الثورة وهو رحيل الرئيس ونظامه، ناسياً هذا الإعلام الكاذب بأن حقيقة القتل المتعمد والغاز السام الذي يقذف به المتظاهرين دون مراعاة لروح الإنسان الطاهرة التي تناضل من أجل الكرامة أولاً والحرية وإنهاء الفساد ومعاقبة الفاسدين والقتلة، وطوي صفحة التبعية واللامسؤولية في هذا البلد كل هذا التجاهل دليل كافي ومقنع على ممارسة الكذب والدجل يومياً وعلى الشاشة حتى يتجه هذا الحراك الإعلامي الواسع ليقول للناس ويوضح لهم مراده، مراده المستميت في سبيل تحقيق هدف رئيس وجوهري وهو تقديس الفرد.. جوهرية هذا الحراك السلطوي أو بمعنى أكثر دقة حراك إعلام السلطة تتجسد في عقليتين فالإعلامي الذي يؤدي دور ليقف ضد شعبه لا يكون مقراً بالجميل وواقف موقف الصعب راكباً للمشقة لكنه كما يبدو لي يؤدي دور الممثل الذي يستعير شخصية أخرى يرتضيها المخرج أو صاحب المسلسل الدرامي فيخترع البكاء والضحك ويدلس على الناس بكلمات من هنا وعبارات من هناك ليوصل رسالة غيره، وهنا وفي هذا اللحظة بالتحديد تقتل الشخصية خاصة فيما يخص الراي السياسي والفكري، فحين تلغى الشخصية ويؤدي الناس دور الممثلين في الدراما يقولون ما لا يؤمنون به ويتصرفون حسب رغبات غيرهم ويظهرون بمظهر لا يليق بهم بإغراءات مختلفة مادية أو معنوية أو قبلية أو سيادية، هنا وفي هذه اللحظة ينتحرون على عتبات القائد وينتهون بمجرد نهايته ويعودون ليتوسلوا كما توسل من قبلهم في الإعلام معترفين ومقرين بأخطائهم ليس المدافعة عن النظام طالما هذا يعبر عن إرادتهم السياسية ولكن عن تشويه صورة الثورة والثوريين وتحطيم وتهشيم صورة المختلفين معهم في الشأن السياسي، تأدية هذه الأدوار من قبل إعلاميين شيء مخزي جداً ليس لأنهم مختلفين معنا فيما نرى ولكن لأنهم يدركون بمقدار التدليس الذين يذيعونه ومقدار الإهانة التي توجه للوطن من جراء ما يقولونه في الإعلام، إنهم يحاولون أن يثبتوا ما اثبتت التجارب خطأه وعدم صحته وهو أهمية وجود الفرد وضياع الدولة والمواطن في حال تنازله أو تنحيه أو سقوطه، أهمية صناعة المجد للقائد والتخلص من كل من يقف في الشارع ويردد برحيل الرئيس ومحاسبته، يصبح خائناً وعميلاً في هذه القنوات من وقف مع اللقاء المشترك كمعارضة وجباناً من تخلى عن مواقف السلطة الرافضة لخيار الشعب وإرادته في تقرير مصيره.. ربما علي هنا أن أعبر عن رايي الشخصي في الإعلام السلطوي أولاً وأرد بقوة على كل من ينادون بإعلام حيادي ثانياً، الإعلام الحيادي فيما يخص الثورة الشبابية باعتقادي هو إعلام سلبي وكيان مسخ وليس سوى مبنى فيه موظفين، الحياد في الإعلام يعني السلبية، ولهذا أنا لا أنتقد ما يجري في الإعلام السلطوي موقفه الرافض للثورة ولكن أنقد فيه الكذب الذي يمارسه والتضليل الذي نشاهده ليل نهار مدركين أن هذه الثورة المضادة للثورة الحقيقية الرامية بكل ثقلها باتجاه التغيير الحقيقي لن تضر الثورة ولكنها قد تعيقها نوعاً ما، قد تؤخر نجاحها، ولكنها لن تقضي عليها بالعكس إنها تزيد أحياناً من حدة الثورة وتصعيداتها، وتولد في النفوس قوة أكبر من تلك التي كنا نشاهدها بالأمس، وبالتالي فإن مسألة الحيادية هي مسألة لم تعد تنطلي على أحد فكل إعلامي له فكره الخاص الذي يتمخض عن الحيادية المصطنعة التي يحاول الإعلامي لعب دوره فيها طبقاً لأوامر القائد الذي يأمرنا فنطيع دون نقاش ويملي علينا ما لا نصدقه نحن ولا يصدقه عاقل، وبالتالي فإن لعب دور الحياد في مسألة الثورة هو تمثيل ولعب دور سيء في موقف ممكن أن تلعب فيه أدوار مذهلة ورائعة وتعطي الإعلامي الحر مكانة كبيرة في المستقبل ليس لأنه ناصر الثورة أو وقف مع المشترك ولكن لأنه أحترم إرادة الشعب في التغيير وعبر عنهم وأوصل مطالبهم وأسهم في صياغة برامجهم التغييرية المشروعة والتي يحاولون أن يسمعوها عبر الإعلام ويقولوها لكل الناس. لو فكر الإعلامي الحر التابع أو المستقل بهذه الطريقة لحققنا أول أهداف الثورة الحقيقية وهو الحرية، وهنا أنا أقول مستقل يعني غير تابع وغير حيادي ولكن صاحب موقف صلب ينطلق من مفاهيم عميقة أكبر من مجرد تقديس الفرد وتأليهه والدفاع عنه حتى وإن جلد ظهرك وقتل أخاك وحقر عرضك، الاستقلالية هنا تعني عدم الانزواء والانقياد بأفكار يحملها حزب معين أو فئة معينة لا تسمح لك كمنظم إلا أن تقول ما يفكر به المجموعة أو المنظمة أو الحزب بل تجعلك كائن بشري قادر أن تفكر بحرية وتقرأ بحرية وتستمتع بالحرية الفكرية، حرية القول والكلمة، لها مذاق آخر باعتقادي.. وبالتالي فإن مسألة طمر الذات الإعلامية التي تحمل رسالة أكبر من مجرد بث خبر هنا وقراءة خبر هناك ولبس الكثير من الأقنعة على الهواء ومحاولة إثبات الولاء أمام الكاميرا حول الإعلامي من شخص يجري الحديث والنقاش عن ما يقوله بالإعلام إلى شخص يجري الحديث عن كذبه ومدى تزييفه ومدى البله الذي يمتاز به وهو يمارس وظيفته ولن نقول مهنته لأن مفاهيم المهنة تختلف تمام عن ما يمارسه الإعلام الغير شرعي اليوم..
ربما أيضاً علي أن أشير إلى مسألة اتجاه الإعلام للتنقيب عن الأسرة الحاكمة ومزاياها هذه الأيام وهو تنقيب في المكان الخطأ ودليل قوي على ضعف الإرادة السلطوية في فهم الشارع وحراكه الثقافي والإعلامي وإن كان بالضرورة هناك إعلام مختلف يحاول أن يظهر كل مساوئ النظام الآيل إلى السقوط وهذا نتاج طبيعي للعمل الثوري الذي يهدف إلى إسقاط سلطه قمعية ديكتاتورية يلتف حلولها أسوء العناصر الحزبية والقبلية وبالتالي فإن مسألة التنقيب فيما يخص الإعلام مسألة لا تحتاج إلى جدلية بل تحتاج إلى موقف أيضاً يصعد من الفهم لدى المواطن الموجود في الحراك المناصر للثورة أو ا لمختلف معها مما يولد قناعات لدى المستهدفين من هذا الإعلام، القناعات تترسخ بفعل عوامل كثيرة جداً تحتاج منا جميعاً إلى تدقيق وعمل منظم ومحاولة التركيز على أهداف الثورة كما يركز الإعلام الغير شرعي على ما يعتقد بأنها منجزات صالح كما يجري الحديث عن مفهوم الوحدة مثلاً.. فمن يشاهد احتفالات الوحدة يدرك كيف يرسخ الإعلام السلطوي بأن الوحدة ما كانت لتقوم لولا سيادته بينما الكثير من أ نصار الثورة يدركون أن الوحدة ما كانت لتبقى لولا هذه الثورة العملاقة، كما يركز الإعلام السلطوي على كسر حاجز الحياء عند الناس فيظهرون أمام الإعلام عاريين وهم يقذفون الناس بأشياء لا تليق ويسخرون برامج خاصة كثيرة للهجوم على فرد وللتشهير بآخر ولقذف آخر كتوكل كرمان على سبيل المثال وهنا وصل الإعلام إلى مرحلة السقوط، السقوط في أعين أنصاره فضلاً عن معارضيه، السقوط هنا أخلاقي وهو آخر حصن كان يتحصن به النظام .. إنه يقضي عليه بقوه وهو ينزف بعنف وهو نزيف مميت وقاتل فلم يبقى إلا القذف والتشهير بعد أن أيقن بأن القاع قد جف من السياسة وأنه ليس هناك ثمة ما يغطي عوراته.. لم يعد إعلام السلطة قادراً على أحياء ما هو رميم وأول علامة بارزة دالة على نهاية النظام الثلاثيني هو خروجه من العقول والأذهان وهو الأهم، فعندما ترفع الأحذية في وجه الرئيس علانية ويهتف الناس بصوت واحد لرحيله ويقيمون مخيمات الوحدة في كل مكان فإن علينا أن نيقن بأن النهاية قريبة جداً. وإن موعدنا الصبح.. إن الصبح لقريب..