يحكى أن مجنونا اعتلى منارة مسجد شاهقة ذات يوم في قرية ما، وظل يغني بصوت عالٍ ويخطب بحماس، وتارة يشتم ويؤذي المارة، وينشر أوساخة على الملأ مما أثار هلع الناس، فتداعى عقلاء القرية لإنزاله من المنارة بسلام، حفاظاً على حياته وطهارة المكان وسكينة المجتمع التي أقلقها، لكنه أبى وعاند.. عرضوا عليه مبالغ مالية ضخمة، وقدموا له عدداً من المغريات في سبيل نزوله بأمان ومع ذلك رفضها كلها، فما كان من الأهالي إلا الاستعانة بمجنون آخر بدأ مهمته بتخيير زميله بالنزول من المنارة بلا شرط أو قيد ما لم سيتم هدمها بالفأس، وكانت المفاجأة أن المجنون سارع بالنزول بل وترجاه بعدم تنفيذ الخيار الثاني، وعندما سئل عن سر هذه الاستجابة الفورية وبدون أي مقابل، قال إن زميله مجنون وسينفذ تهديداته بالفعل!!
هذه القصة تلخص تماماً واقعنا في اليمن .. جنرال صعد إلى السلطة عام 1978م، وطوال عهده تجاهل كل أصوات العقل الداعية إلى إجراء إصلاحات حقيقية في البلد، وظل يتغنى بإنجازات وهمية وديمقراطية مزورة، وتارة يشتم خصومه السياسيين ويؤذي دول الجوار، ورجالاته يمارسون أفعالهم القذرة على مرأى ومسمع، وها هو الصالح يرفض المبادرة الخليجية والتي جاءت لإخراجه من السلطة بشرف وحفاظاً على تأريخه وشعبه ووطنه رغم المغريات التي تضمنتها المبادرة من قبيل عدم محاكمته وأركان حكمه.. فهل صرنا بحاجة إلى مجانين للتفاهم معه؟!
الجميع يتفق على أن البلد يمر بمنعطف خطير جداً، وكل يوم يمر يقترب من الفوضى والانهيار، وأن المصلحة الوطنية التي تشدق بها الحاكم طوال ثلاثة عقود تقتضي اليوم انتقالا سلميا للسلطة، ومع هذا لا يزال المشير مستميتاً على الكرسي غير مكترث للمخاطر التي ستحل بالوطن جراء ذلك، والجمعة الماضية قال إنه سيواجه التحدي بالتحدي وكأننا أمام مبارزة بين طالبين في مدرسة ابتدائية لا أمام ثورة شعب ضد الظلم والفساد والكذب والإقصاء!!
الرئيس سيواجه الشعب إذن لإشباع رغبته بالحكم، ويؤكد أنه لن يبقى مكتوف الأيدي إزاء ما يجري، والأصل أن الشعب هو الذي لا يقف مكتوف الأيدي بعد أن صودرت الجمهورية اليمنية وأصبح الوطن ملكاً لأسرة، والدولة مرتعاً للفاسدين والمنافقين، وبعد أن نهبت الثروات وفرط بالسيادة وسالت دماء الأبرياء، وزادت معدلات الفقر والبطالة وانعدمت الخدمات العامة..
لا داعي للتحديات يا فخامة الرئيس والكل يعرف أنك شجاع وقوي، فالوطن لا يحتمل مزيدا من الأزمات، ولدينا من الأزمات ما يكفي لعشر سنوات قادمة ولله الحمد في ظل قيادتكم الحكيمة، لا نكاد نخرج من واحدة حتى ندخل أخرى، ووصلت الأزمات حد الغاز المنزلي ناهيك عن الحروب..
الوطن بحاجة إلى قرار تاريخي يصون وحدته وأمنه واستقراره، ويحفظ دماء وأموال وأعراض أبنائه وهذا لا يكون إلا بالرحيل، وهذا هو التحدي الحقيقي والرد الشافي لو كانوا يعقلون.