الغباء، بشقيه الثقافي والسياسي، هو ما اتسم به حقنا الكرسي المُصاب بجنون العظمة واضطراب سلوكي شديد يتسم بانحراف الفهم والتقدير والتصور والتصرف بوهمية وفنتازيا مريضة. مشكلة الكرسي حقنا أنه يعيش خارج العصر, في زمن سيكولوجي مرتبط بماض يشعره بأنه امتداد للخلفاء الأمويين والعباسيين, لا يغادر السلطة إلا يوم يلف بكفن يكون قبله قد ورّث (الأمانة!) لأبنه, فظل محكوما بزمن وسيكولوجيا الخليفة. لم يدرك أن زمن الألفية الثالثة أشرق, فيه جيل جديد, بثقافة جديدة, وطموحات مختلفة, وتواصل نفسي واجتماعي عابر للقارات, مستمر على مدار اللحظات, وأنه يكبر وينمو فيما جيل الكبار يقل ويشيخ. وغباء الكرسي حقنا أنه ظل على يقين الخليفة, أن امتلاك السلطة والثروة معا, يضمنا له ديمومة البقاء حاكما, معززا هذا اليقين بمبتكرات التكنولوجيا بأن أحاط نفسه بثلاثة (سواتر) من الأمن الخاص والمخابرات والشرطة، لم ينتبه من شدة غبائه إلى أن ما كان يفعله الخليفة غير العادل من خطايا, يظل محصورا ضمن حدوده الجغرافية, وأن ما يفعله هو يعرفه العالم لحظة بلحظة, وأن العالم، شعوبا وأنظمة، صار قوة تضعف سلطة الكرسي غير العادل, وتناصر المطالبين بتحقيق العدالة الاجتماعية, والحياة الكريمة لشعب وصفت أمته بأنها كانت خير أمة أخرجت للناس, صيرها حكامها أفقرها حالا وأشدها بؤسا. لم يكتفِ الكرسي حقنا بسرقة لقمة خبز شعبه, المغمسة بألف مأساة وفجيعة, بل شرع في تأسيس عصابات مافيا على أحدث الطرق والموضات, يتصدرها رجال أعمال وسماسرة لهم باع طويل في النهب والسلب وامتصاص آخر قطرة من دم الشعب. هؤلاء اللصوص تربعوا على سدّة الحُكم إلى جانب صنمهم المفضّل الذي عجز لمدة ثلاثة وثلاثين عاما من أن يجد من بين الخمسة والعشرين مليون رجل يصلح للجلوس على الكرسي من بعده! وغباء الكرسي حقنا جعله لا يدرك أن امتلاكه للثروة يفضي بالنفس البشرية إلى الولع بها, وتصير لها كماء البحر, كلما جمع منها ازداد ظمأ, وأنها تخلق من حوله فئة انتهازية منافقة تريه وجه الولاء, فيما يدفعها انتهاز الفرصة, وقلق المستقبل, وضعف الضمير إلى سرقة المال العام فتبعد الناس عن الحاكم وتنخر في هيكل الكرسي لينهار في لحظة تصيبه بالدهشة كيف أن المستكينين أطاحوا به؟ وأقبح حالات غباء الكرسي حقنا أن يغتني, ويترفّه, وينشغل بجمع الثروة, بعلاقة نفسية بخزائنه، كلما وضع فيها سألته: هل من مزيد!؟ وينسى أن ما يكنزه فيها يأخذه من شعب يزيده فقرا، وأن من لا يجد قوت يومه يخرج شاهرا صرخته بين الناس.. وأي ناس؟ البشرية كلها! الكرسي حقنا يعيش في رعب وخوف وعدم ثقة بالشعب، وبسبب هذه المشاعر السلبية فإنه يحيط نفسه بأسوار سميكة عالية، ويمعن في عزلته، وانقطاعه عن الواقع، والانحسار في قصره الرئاسي, الملكية العاجية التي تخطف منه المشاعر الإنسانية وتخرجه من طين البشرية وتوهمه أنه يعيش فوق الغيوم، فلا يدوس بأقدامه فوق التراب! وبسبب ذات الغباء الممزوج بالغطرسة والعجرفة والتعالي تمادى الكرسي حقنا في غروره وتجذّرت قناعته بأنه من طينة خاصة جُلبت من كوكب آخر، وشعبه من طين الشوارع والحُفر المهملة المتعاطي للمخدرات بينما اتضح لشعبه أنه هو من كان مخدر وعندما أفاق هلوس! تأديب الكراسي مطلب حضاري أدركته المجتمعات المتقدمة ووضعت دساتيرها لضمانه، فمنعت الكراسي من الاستهتار بالحقوق والواجبات, واحتكار السلطة, والتوهم بأنها مطلقة في قراراتها وسلوكها. فعندهم كل كرسي يخضع لقانون وعندنا كل كرسي فوق الشعب والقانون. المجتمعات المتقدمة فيها كراسي مؤدبة مهذبة والمجتمعات المتأخرة فيها كراسي مستهترة مخربة.. لقد حان الوقت للثورة على هذا السلوك المنحرف والمعادي للحياة الوطنية المعاصرة, لذا لابد لهذا الشعب أن يقوم بدوره, لا بد من حملة لتأديب الكرسي وتهذيبه, لكي نستعيد كرامتنا وحقوقنا المشروعة. على الشعب أن يقوم بدوره, ويصنع وجوده اللائق به, وما دام الكرسي في خشية فإنه لا يعرف المرونة, لكنه سهل الكسر والاحتراق!!