يبدو أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي ظل يلوّح بالحرب الأهلية ويحذر منها منذ أسابيع قد أوصل البلاد الى هذا المربع، ولو أن البعض مازال يرى أن المسألة مازالت في إطار بروفة الحرب الأهلية. أعداء الرئيس صالح في الداخل كثر، وقد أتاح لهم الفرصة للاقتصاص منه، ومنهم القبائل وبعض القطاعات العسكرية التي انقلبت عليه، وبعض القوى السياسية والاجتماعية المعارضة، وملايين المحتجين في الساحات المطالبين برحيله، بالإضافة الى الحوثيين الذين ينتظرون الفرصة السانحة للانتقام منه والثأر من حروبه التي دمرت مناطقهم.
الأزمة اليمنية تدخل في طور التعقيد وسط مخاوف من توسع نطاق العمليات القتالية في العاصمة وبقية المحافظات اليمنية لتنشب حرب أهلية قذرة، لا أحد يعلم بمداها.
المطلعون على الشأن اليمني يشيرون الى أن الرئيس اليمني لجأ الى آخر الأوراق وهي الخيار العسكري بعد أن فقد كل الأوراق، وهي بلاشك ورقة خاسرة بكل المقاييس، الرئيس صالح أراد بالتصعيد أيضاً ضرب ثورة الشباب السلمية ووصمها بالعنف، وهي محاولات فشلت سابقاً لأنهم كانوا يواجهون العنف بصدور عارية منذ اشتعال الثورة الشبابية.
غير أن مسار الضغوط الإقليمية والدولية بدأت تتوالى على الرئيس اليمني لحل الأزمة والتنحي السريع من السلطة، وكان آخرها الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي طالب صالح بالتنحي الفوري ونقل السلطة.
يبدو أن الأزمة اليمنية تتجه نحو التدويل وواشنطن والاتحاد الاوروبي يدفعان بهذا الاتجاه مع استمرار الرئيس اليمني في المراوغات والكذب وممارسة لعبة كسب الوقت!
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بحاجة الى مَنْ يقدّم له نصيحة ثمينة، عنوانها "التخلي عن اللعبة الواهية بأسرع وقت"؛ لأنها باتت أشبه بالفضيحة، لعبة الدخول في منافسة مع التظاهرات الشعبية للمعارضين المطالبين برحيله، بتنظيم تظاهرات شعبية مقابلة تؤيّده وتدافع عن نظامه.
الرئيس صالح، في ما ينظّمه من تظاهرات داعمة، شديد الحرص على العدد في ساحة واحدة في العاصمة هي "ميدان السبعين"، فهو يفضح لعبته مرّتين في وقت واحد: أولاهما تناسي ملايين من الناس الذين يعتصمون ويتظاهرون ضده في سبعة عشر موقعاً، وهو استفتاء حقيقي على مطالب الشعب بضرورة تنحيه عن الحكم.
هل لايزال ممكناً ابتلاع اللعبة، فضلاً عن هضمها، محلياً وإقليمياً ودولياً، بعد أن كرّرها الرئيس اليمني أكثر من مرة على امتداد الشهور الماضية؟ بل هل لايزال هناك بين مستشاريه، أو محبّيه، من ينصح له بتكرار العملية مجدّداً، بعد أن تحوّلت الى فضيحة تكاد تدخل في موسوعة "غينيس" المفترضة للفضائح المدوّية؟
أما مصير مبادرة مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الازمة في اليمن تبدو أنها قد وصلت الى الفشل بعد محاصرة سفارة الامارات في صنعاء.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني غادر اليمن دون أن ينجح في الحصول على توقيع الرئيس اليمني، بينما أعلنت دولة قطر سحب تأييدها للمبادرة بعد الهجوم الشرس الذي شنه عليها الرئيس اليمني واتهمها بمساندة الثورة الشعبية، والتواطؤ معها من أجل إطاحة نظامه.
الرئيس صالح يختلق الأعذار والحجج للتهرب من أي التزام بمغادرة كرسي الحكم، كل ذلك من أجل كسب أطول فترة ممكنة من الوقت، وقد أدى أسلوبه المراوغ هذا الى تعديل المبادرة الخليجية خمس مرات، ولن نستغرب تعديلها للمرة السادسة أو السابعة مسايرة له، ورضوخاً لشروطه.
لا نعرف كيف سترد دول مجلس التعاون الخليجي على مناورات الرئيس اليمني، فليس أمامها غير إعلان فشل مبادرتها هذه، ولكن من المستبعد إقدامها على مثل هذه الخطوة، لأنها لا تريد أن تظهر بمظهر الفاشل، وهذه عادة خليجية معروفة على اي حال.
أمام الأوضاع الصعبة في اليمن على الإقليم ودول العالم التدخل العاجل والفاعل لممارسة الضغوط على صالح للتنحي عن الحكم لصالح الشعب اليمني الذي يتوق الى الحرية والعدل والمساواة وبناء دولة مدنيّة حديثة وهي قضايا انعدمت في ظل حكم صالح.