أي فهم بأن الثورة كانت ستنجز بمقتل الرئيس في عملية النهدين، هو فهم قاصر وطفولي، ولا يخدم الثورة الراهنة بأي شكل من الأشكال.. فما حدث هو فرصة إلهية على طريقة الآية الكريمة "كنتم على شفا حفرة من نار فأنقذكم منها"، لنعرف أن الله ما يزال يحب اليمنيين ويرأف بهم ويمنحهم فرصة إضافية ليساعدوا أنفسهم،.. فثمة أداء صلف ومقامر لم يكن يساعد يتحمل الرئيس نصيبه الأكبر كان يقودنا جميعا إلى الهاوية آن له أن يتوقف وأن يسود العقل والمنطق. فعنف وحروب الأيام الماضية هي نموذج مصغر لما كانت ستؤول إليه الأمور من حرب شاملة ودمار كامل لن يستثني أحد، حتى صالح نفسه، إن يكن من حسنات لهذه العملية السيئة والمغامرة بمستقبل البلد فهي تلك، بأن يعرف صالح أنه لم يكن لينجو منها أيضا.. هي فرصة للتأمل والتفكر والمراجعة مع النفس للجميع بدون استثناء، وفي المقدمة الرئيس نفسه وقد رأى الموت أمام عينيه، فمن عادة الإنسان الفرح والغرور التراجع والكف عن ذلك عند التعرض لامتحان عسير مع الموت.. هو إنسان قبل كل شيء، وأظنه مهيئا لآن يسلك ذلك السلوك الآن، وعلينا مساعدته في ذلك، بالتضامن والتسامي على الأحقاد والثارات، لأجل القيم التي نريد لها أن تسود بعد الثورة، والتي لا تعني تراجعا من أي نوع عن الثورة الشعبية ومطالبتنا له بالتنحي عن السلطة ومساعدته لليمنيين على إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي في البلد.. فليس لأحد من منا مشكلة شخصية مع الرجل، إلا أنه كان يقف عائقا أمام التحول نحو دولة المؤسسات والنظام والقانون والديمقراطية، ومساعدته على أن يكف عن كونه ذلك العائق في ظرف يختلف عن الأشهر الماضية، هو مساعده لأنفسنا أيضا ولم يفت وقته بعد.. نحتاج لبعض الشجاعة مع أنفسنا، لنعلن إدانتنا لمحاولة قتله بغض النظر عن الغموض الذي لا يزال يلف العملية برمتها، فنحن بهذه الإدانة إنما ندين محاولة اغتيال حلمنا في إنجاز ثورة سلمية وآمنة تكون قادرة على إنجاز تطلعاتنا وأهدافنا منها والتي هي التحول نحو دولة مدنية ديمقراطية حقة، وليس التخلص من صالح فقط. مع أننا لا زلنا نألم لشهداء لنا سقطوا في هذه الثورة السلمية يتحمل هو مسؤولية قتلهم، إلا إننا نريد أن يكون للشعب ولذوي الشهداء الحق في محاكمته المحاكمة العادلة أمام القانون أو مسامحته، فما يهم هو إرساء تقاليد دولتنا التي خرجت الثورة لأجلها من احترام التقاضي والقانون، وليس سن سنة التصفيات والاغتيالات المكلفة والمدمرة. أعتقد ولا زلت أن أصل أخطاء البشرية هو التواطؤ مع الخطأ، "كانوا لا يتناهوا عن منكر فعلوه"، ولذلك كان أصل ذنب اليمنيين اليوم مثلهم مثل كل الشعوب العربية هو التواطؤ مع خطأ فكرة الحكم، وقد دفعوا ثمنه..غير أن التواطؤ مع تغيير ذلك الخطأ بالطريقة الخطأ هو أثم ولن يوفرهم دفع ثمنه أيضا.. خرجنا في هذه الثورة لتغيير الحكم، ونحن ندرك وبشكل عميق أن الأمر يتطلب شكلا وحيدا لا غير وهو النقل السلمي والآمن للسلطة لنتمكن من إنجاز هدفنا الكبير في تحول ديمقراطي يسمح ببناء دولة المؤسسات والقانون دولة المواطنة والمدنية والديمقراطية.
كما كنا ندرك ولا زلنا أن أي تحول عن سلمية الثورة هو مغامرة بمستقبل الثورة نفسها ومستقبل إنجاز أهدافها العميقة، وقبل كل ذلك بمستقبل البلد وأننا على أغلب الاحتمالات قد ننجر نحو حرب أهلية مدمرة وعابثة تقضي على كل التطلعات وتعيدها إلى الخلف. إلا أن أداء سيئا صلفا ومراوغا لصالح مع الثورة نجح في الذهاب بالبلد في جولة من العنف، بغض النظر عن مبررات الأطرف، كما حدث مع بيت الأحمر، وفي تعز، ويافع، ولم يوفره هو نفسه في دار الرئاسة، على أن لا يعني ذلك إقرارا بأن الذي طاله هو من فعل المتحاربين معه، فالأمر لا يزال يتطلب تحقيقا جادا ومحايدا وبعيدا عن الاستثمار السياسي لمعرفة حقيقة ما جرى من أجل اليمن قبل كل شيء. ما يهم الآن أن ما حدث كاد أن يذهب بالبلد نحو الحرب الشاملة والمدمرة، ولا يزال يهدد بذلك، قد يكون نهاية الحرب، أو جولتها الأولى فقط، غير أنه لا يزال يمنحنا فرصة لتقرير أي الشكلين نريد.. أداء الأطراف في الداخل والخارج هو من ساهم في المرحلة الماضية بأن تتخذ الأمور ذلك النحو من العنف، وهو من يجب أن يختلف لتتجه الأمور للحل، ولا تزال الفرصة مواتية. أعتقد أن المبادرة الخليجية لا تزال ملائمة للبناء عليها، بحيث تعمد المملكة السعودية التي يتواجد بها الرئيس حاليا للعلاج ومعها الولاياتالمتحدة على إقناعه بالتنازل بسلطته لنائبه عبدربه منصور هادي، والبقاء هناك للمساعدة في التحول. كما على الرئيس أن يفهم أن التضامن والتعاطف الذي تحصل عليه جراء الحادثة ليس سببا كافيا للبقاء في الحكم، وأنه آن الآوان ليرد الجميل للبلد بأن يساهم في إحداث الانتقال السلمي والآمن للسلطة، وأنه بذلك يساعد نفسه أيضا، فما جرى معه يمثل فرصة لمراجعة أداءه السابق. فيما على القوى الثورية بأن تفهم بأن نقل السلطة سلميا وبشكل دستوري للنائب عبدربه منصور هادي كرئيس انتقالي، مع حكومة وحدة وطنية من مختلف الأطراف، بموجب المبادرة الخليجية، والعمل على إنجاز الحوار الوطني والتوصل من خلاله لإنجاز دستور جديد للبلد يتضمن مبادئ وأهداف الثورة، ونقل السلطة لحكومة منتخبة بموجبه هو أفضل طريقة لإنجاز الثورة التي خرجوا من أجلها. أعتقد أن نقاشا وخطابا لدعم ذلك التوجه لدى القوى الثورية في الساحات أفضل من أي حديث عن نقل السلطة لمجلس انتقالي أو مجلس عسكري لا يخلو من مخاطر الذهاب للعنف مع الوحدات العسكرية الموالية لصالح، وعلى إنجاز أهداف الثورة أيضا. فالأمر لا يزال يتطلب جهدا إضافيا من الأشقاء في الخليج والمملكة والولاياتالمتحدة لم يكن مشمولا في المبادرة فيما يخص إعادة توحيد الجيش كمؤسسة وطنية تحت قيادة واحدة للمساعدة في الانتقال السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي. إخراج صالح من السلطة ليس إلا البداية، إلا أن تحقيق نقل جيد للسلطة هو من سيمنحنا ثورة جيدة وهو ما يجب أن نحرص عليه الآن..