دعونا في البداية نتحسس ثورتنا من بين ركام "النهدين"، بعد أن شهدتْ ساحات الثورة و التغيير فرحاً هستيرياً إثر مغادرة الرئيس إلى السعودية للاستشفاء تاركاً لبعض خصومه فرصة التشفي في جريمة لم يُعرف إلى الآن مرتكبها، حتى السلطات الرسمية لا تبدو مهتمة لمعرفته، فمن يصل بسلاحه الثقيل إلى صدر الرئيس لا شك أنه يعرف الجميع دون أن يعرفه أحد، تاركاً خلفه وابلاً من الأسئلة تخترق جدار الذهول: هل كانت قذيفته بمثابة رصاصة رحمة بالرئيس و الشعب و الثورة أيضاً، أم رصاصة عذاب للجميع؟، هل أراد خفض سقف مطالب الرئيس من "التشبث بالسلطة" إلى التشبث بالحياة؟، هل كان صاحب القذيفة يصلي في "النهدين" أم في السبعين، أم في الستين؟، أم أنه أجّل الصلاة؟، لتكون صلاة جنازة ثم صلاة عيد؟!، أم أنه لا يصلي بالمرة؟! أشعر بأن صاحب القذيفة يقهقه الآن و قد أحس بأن الرئيس قد حُرم من لقب "شهيد المحراب"، في جمعة الأمان، و كأن من أطلق هذا الإسم و مطلق القذيفة يستحضران هذيان الأغنية الصنعانية "الأمان الأمان"، هذا هو الأمان في بلد الحكمة و الإيمان، و إذا كان الرئيس عجز عن إحراز الأمان لنفسه، فكيف سيجلبه لغيره من المسؤولين و السياسيين و المواطنين و كل ذرة تراب في اليمن الميمون، لا شيء غير الشعارات يغتال العقول، و لا شيء غير الرصاص يبعث على الذهول، هذا نحن جميعاً في لحظة تجلي، نحاول الفرار منها إلى الأمام، فتقابلنا القذائف و الخيام المحترقة بمن فيها من أجساد نحيلة تحمل أرواحاً حالمة بصبح مشرق، فإذا هو صبح مُحرِق، صبح متفحم، تحت تلك الأنقاذ المتفحمة بقي جمر الثورة يرسل ومضاته الغاضبة، الثورة ماضية و النظام يأبى السقوط، بعض رموز النظام و بتأييد خارجي يريدون سقوطاً بالتقسيط، و هذا التقسيط من وجهة نظر اقتصادية مُكلف، لأن العمولة ستكون باهضة، و هذا ما دفع الشباب الثائر ليكونوا شيكاً مفتوحاً من الشهداء من أجل ثورة "كاش" تنتهي ب"كش رئيس"، ما حدث الآن أن النزيف الثوري مستمر و النظام ينزف!. في اعتقادي أننا اليوم أمام حيرة ثورية عجيبة إزاء ما حدث، فلا الشعب أسقط النظام و لا الرئيس موجود، و إذا ما حاولنا تفكيك هذه الحيرة الثورية سنصل ربما إلى قناعة بالدور الإقليمي و الدولي الذي أوصلنا لهذه الحال، رحيل صالح بلا زخم ثوري حقيقي، فالرحيل بات مطلب الجميع (الثورة، الإقليم، العالم)، لكن الزخم الثوري لا يهم هذا الجميع، لأنه الابن الشرعي للثورة و الماركة المسجلة لها، و عليه فنحن أمام "جنين مشوّه" أنجبته الثورة بفعل عوامل، من الواجب أن نتعرف عليها و نعترف بها، لنتعامل معها بما يحقق أهداف الثورة، لماذا لا تعمل كل المسارات -و إن منفردة- من أجل خلاصة واحدة، هي خلاص الوطن من جلاديه، ليغدو عنصر ازدهار لأبنائه و عنصر سلام لأشقائه و أصدقائه، ليودع ثقافة "الحاوي" و ثعابينه، و الصمود حتى آخر قطرة دم، و غيرها من فصول "الشويشة" و الوشوشة! ماذا تنتظر الثورة، ماذا تنتظر المعارضة، ماذا ينتظر الساسة، ماذا ينتظر الإقليم و العالم في اليمن؟!، هل ينتظرون عودة المشكلة في فترة إيجاد الحل، ليبدأ مسلسل المراوحة من جديد، بعد أن جرب النظام كل الحلول: جماهيراً واجه الحشود الهادرة بحشود بائسة و مُكلفة، سياسياً حاول الاستعانة بالأشقاء و الأصدقاء ليضمنوا له البقاء حتى 2013م، و يخلّصونه من كابوس الرحيل الفوري، لكنهم قدموا لإقناعه برحيل شهري، أمنياً أوغل في دماء الثوار السلميين دون جدوى، عسكرياً أرادها حرباً أهلية حرمته الظهور أمام الملأ ليواجه التحدي بتحدي، و منحته "الجزاء من جنس العمل"! لقد أصبح الرئيس صالح مشكلة لا يجب انتظارها لحظة واحدة، هذه المشكلة تفرعت منها مشكلات كثيرة، أهمها و أخطرها ضعف هيبة الدولة أمام القبيلة، و تغول الأُسرية في مفاصل الدولة أمام المؤسسية و فوق النظام و القانون، و ازدراء المواطن اليمني عربياً و عجمياً! الفرصة الآن مواتية للتوقف عن انتظار المشكلة، و لا تغرنكم هجهجة الإعلام الرسمي، و أبواقه في الفضائيات الإخبارية، تذكروا جيداً أن "الوَزَغ" يموت و ذيله يتحرك!.