كشف بيان كتائب الثأر في اليمن عن الوجه الحقيقي ليس للعقيد علي عبد الله صالح فقط، وإنما للنظام الذي أنشأه ورعاه طوال ثلاثة وثلاثين عاماً، وهو وجه بشع يعبر عن فهم ضيق للعلاقة بين اليمنيين، وهو أيضاً فهم انتقامي يتعامى عن الحقائق، ويعلي مفهوم الثأر دون تبين وجه الحقيقة، وإلا فما الذي يعنيه تهديد تلك الكتائب لكل مؤيدي الثورة السلمية والصحفيين منهم على وجه الخصوص، الذين يجدون أنفسهم ضحايا محتملين لعمليات انتقامية وشيكة، بعد التهديد باغتيال وتصفية جميع معارضي صالح، واستهداف جميع الصحف والمواقع الإلكترونية المستقلة، والتابعة لأحزاب المعارضة. كتائب صالح " على غرار كتائب القذافي " تهدد من تتهمهم بإثارة الفساد والخراب والفتن بين أبناء اليمن الواحد، وأول هؤلاء قادة أحزاب اللقاء المشترك ومن يؤيدهم من قادة الجيش، والمسؤولون أينما وجدوا في الداخل أو في الخارج ومكاتب إعلامهم، والقنوات التي تؤيدهم، ويؤشر ذلك إلى مخطط مدروس، يستهدف التقليل من أهمية وأثر حراك الجماهير السلمي في ساحات التغيير، وحصره بالخلاف بين نظام صالح وقادة أحزاب المعارضة والمنشقين العسكريين، وكأن هؤلاء هم من ابتدأ المطالبة برحيل العقيد، أو كأنهم لم يركبوا موجة الاحتجاج متأخرين، لكن المؤكد أن وقع هتافات الجماهير هو سيد الموقف اليوم وغداً وإلى أن يتم رحيل صالح وكل أركان نظامه الفاسد، المترنح تحت وطأة المطالب الشعبية بالتخلص من ظلمه ومراوغاته وألاعيبه الصبيانية. بعد فقدان نظام العقيد أوراق التهديد بخطر القاعدة، وولاء الجيش، لم يترك وسيلة ولا حيلة إلا واستخدمها، من بث الشائعات وزرع الخلافات بين المحتجين، إلى توزيع الأموال على المنتفعين، واستخدام القناصة وإشعال الحرائق، وقطع المياه والكهرباء والمحروقات، وتقييد تحركات المواطنين والبضائع بين المحافظات، ووصل مؤخراً إلى فكرة جهنمية تتمثل بتشكيل منظمات إرهابية، تنتمي إلى ما قبل عصر الكهرباء، وتهدد المعارضين بالقتل خلافاً للقانون والدستور الذي ما انفك صالح يدعو للالتزام بشرعيته، ويدفع ذلك إلى السؤال عن مبرر تأييد بعض القوى الخارجية لنظام يعتمد قبل أي أحد آخر على الإرهاب الذي يقوده اليوم ابن الرئيس وقائد حرسه الجمهوري، ومن تبقى موالياً من أفراد العائلة الحاكمة. الخطوة الثأرية الانتقامية ليست بنت ساعتها، فقد بدأت عملية جمع المعلومات عن المعارضة ومنازل قادتها، وأماكن ترددهم ومراقبة هواتفهم وسياراتهم منذ وقت مبكر، كما يقول المعارضون الذين يرون في تشكيل الكتائب دليلاً على إفلاس نظام عجز عن المواجهة والإقناع، ومحاولة لإقناع دول الجوار بأن اليمن سيسقط في الفوضى بعد رحيل صالح، والخوف اليوم أن تلجأ كتائب صالح لتثبت له الولاء وصدقية تهديدها، إلى الخاصرة الرخوة في قوس من هددتهم، وهم هنا الصحفيون الذين لايملكون غير سلاح القلم، وتبتعد عن التماس مع قادة قبليين وسياسيين وعسكريين، لأن هؤلاء يملكون ما يردون به على تحرش الكتائب. إذا كانت الكتائب تسعى للثأر من محاولي اغتيال صالح فان المتهمين كثر، ابتداءً من الاميركيين الذين بات الرجل عبئاً عليهم، ومروراً بمؤامرة قصر داخلية وروايات أخرى كثيرة ومتباينة، وصولاً إلى مؤذن المسجد الذي وقعت فيه الحادثة، وهو لا يزال مختفياً عن الأنظار، وكل ذلك في غياب رواية رسمية متماسكة، والتخبط بين اتهام آل الاحمر أو الاميركيين أو تنظيم القاعدة ، والمهم بالنسبة للكتائب ضمان عودة صالح إلى صنعاء، في ظل أنباء تتحدث عن منعه من ذلك حتى لو تحسنت حالته الصحية كلياً، لأن عودته لن تعني شيئاً آخر غير صب الزيت على النار، وكتائبه تعمل على ذلك بشكل مسبق.