انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    عبدالملك الحوثي يكلف هذا القيادي بملاحقة قيادات حزب المؤتمر بصنعاء ومداهمة مقراتهم وما فعله الأخير كان صادما!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    محمد علي الحوثي: "غادري يا ميسون فهو الأفضل لش".. بمن يتغزل "الطبل"؟    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدوى «اليأس»
نشر في المصدر يوم 22 - 06 - 2011

اليأس من جدوى الكلام! صرت أرى كل ما حولي مكسواً بالضباب. يا الله. هذا الضباب المحمل بالموت والدمار لماذا؟ قصف وقذائف. من القاتل؟ من المقتول؟ فلذات الأكباد يموتون بأيدينا. عدوى اليأس لم تصبني كلياً. الضباب الذي يبدو ان لا انقشاع له قريب. كنت قد وعدت بأن لا اتعاطى الكتابة في هذه الغوغائية. ولكن بعد أن أنضم محمد محمد إلى قافلة الشهداء. لم أعد احتمل الصمت. محمد لم يكمل عامه الرابع والعشرين. كله تطلع للحياة، كان محمد مفعم بالأمل في حياة أفضل. لم يمر العام بعد على زفافه. أصر على الذهاب مع "الواسطة"، أخته التي تكبره، تحاول منعه من الخروج بشتى الطرق. تقول له: " لا تتركنا وحدنا في هذا الظرف المشحون. ألا تسمع الانفجارات حولنا؟" أخته الصغرى كانت قد نجحت في اليوم السابق من إقناعه بالبقاء بحجة الخوف من أن يحدث هجوم على المنزل خلال غيابه وغسان الأخ الأكبر. حاولن وزوجته منعه لعلهن ينجحن مثل اليوم السابق تحججنٍ بشتى الحجج. فشلنَ في إقناعه بالبقاء في اليوم المشئوم.
يقف أمامهنَ وزوجته الحامل في شهرها السابع، وقف بوسامته وأناقته وطوله اليافع مرتديا ثيابه الأنيقة ويرش العطور مازحاً وهو يودعهن ويغادر. قامته الفارعة تسد باب الخروج. صدى صوته الجهوري يتردد في الردهات.
والد محمد في باريس تحت رحمة طبيب العيون. الطبيب الذي يمنعه من السفر بعد العملية الجراحية في العين. أمه الثكلى التي لم يهمد حزنها بعد على غمدان الذي لم تمر خمسة أعوام على استشهاده على يد زميله بطريق الخطاء في أمريكا. والده ووالدته لم يكن أمامهما إلا أن يتابعا أخبار غسان ومحمد عبر الهاتف. ومتابعة ما يجري في الوطن. أخبار الاعتصامات السلمية وتبادل القذائف والحرائق والحروب العبثية...
أنا في القاهرة أتابع الأخبار مثلهم وغيرهم نتابع عبر التلفزة. حسي وعقلي مع من في صنعاء وعدن وتعز وكل من في اليمن. ومثل العادة منذ بداية الاعتصامات وبعد سماع أي خبر مفزع. ارفع سماعة الهاتف وأحاول الاتصال بالأهل في الوطن. اطمئن للحظات حين عندما تفتح الاتصالات وأجد هاتف الذي طلبته يجيب. بالذات الأحفاد. خاصة حفيدي لؤي الذي أعرف كم هو عنيد ومثابر في الساحات والاجتماعات التي لا طائل منها. والد لؤي الذي شكل مع مجموعة من المثقفين والناشطين من رجالات اليمن. مجلساً أطلق عليه "العدالة والبناء" حمدت الله أن لؤي رد عليَ. سألته عن أولاد عمه الذي اعرف تهورهم مثله. بين مكالمة ومكالمة أقلب في المحطات الإخبارية. وبين الرد على المتصلين الذين يهنئون بسلامة طارق ولدي. طارق أنجاه الله من محاولة الاغتيال. وفيما أراه يتعافى تدريجيا ويغادر المستشفى، وفيما أنا اشكر المتصلة وأشكر الله على سلامة طارق. تقول لي المتصلة "افتحي قناة النيل للأخبار" أقول ما الجديد؟ هل يتحدقون عن مصر أم عن اليمن؟ تقول" حي الحصبة في صنعاء يحرق". قبل أن أغير المحطة طلبت غسان ابن أخي. أدري بأن غسان هناك في الحصبة. في المرة الثالثة أو الرابعة أسمع رنة هاتفه. حمدت الله أنه يعمل. رد علي. سألته:" غسان أين أنت؟ هل أنت بخير؟ أين أخوك محمد؟ " يقول لي وبكل تجلد " محمد؟. ثم يصمت لأقل من الثانية ثم يقول محمد الله يرحمه" لم أعد اسمع ما يقول. أو أن غسان هو الأخر لم يقل شيئاً.. هاهو محمد محمد عبدالله بن صالح أبو لحوم ينضم إلى قافلة الشهداء من أسرتي.. وها هو ينام إلى جوار غمدان في مقبرة "خزيمة" كانت والدته قد اختارت لها مكاناً في خزيمة لتكون إلى جوار غمدان. لم يخطر على بالها بأن محمد هو الذي سوف يسبقها ويأخذ المكان.
بعد إطلاق النار على طارق واستشهاد محمد محمد لم أعد أحتمل الصمت. نفضت عدوى اليأس.. كنت قد اقتنعت بما يقولون: "الكتابات والحوارات عبارة عن سفسطة". أدري بأنا كلنا صرنا نقف على شاطئ قفر تملؤه الصخور والهوام ولا يخفق فيه قلب بشر، وأن معظم الحوارات ما هي إلا بيزنطية. نعم كلها تتحدث عن التغيير والإصلاح والتحول الديمقراطي! لكنني لا أرى إلا القتل بدم بارد. يئست من المشهد ومن هذه الفوضى الشاملة. والمشاهد المرعبة. لم أعد أحتمل الصمت. ليس فقط بكل ما بي من يأس وإحباط وقهر وحزن، لكنني وجدت أنه من الصعب تجاهل ما يجري. حتى وإن لم أدفع بهذا للنشر واعتباره جزاءً من السفسطة. التي لا تغير شيئاً من هذه المشاهد والأحداث المرعبة. بعد استشهاد محمد محمد لم أعد احتمل الصمت. كيف لي ذلك وأنا في جوف الآلة؟ منذ أن وعيت على الدنيا نعم أنا في جوف الآلة رضيت أم أبيت. كيف لي السكوت وأنا أرى أخي سنان وأبي وأكثر من أحبه على وجه الأرض. استشهاد محمد محمد لم يحتمله سنان ولا يريد أن يصدق أنه استشهد. لا يريد التحدث في الهاتف مع أخيه أبو الشهيد أو مع زوجة أخيه المكلومة في ولديها غمدان ومحمد. الزمان الفارق بين استشهاد غمدان ومحمد، خمس سنوات إلا. وجع سنان لا يشبه أوجاعنا. أنه يتوجع لما صار إليه الوطن وما يعاني من فوضى وخراب ودماء تسيل هنا وهناك. أنه سنان الذي قضى جل عمره في سبيل الوطن. كتب أربعة مجلدات. كلها تحمل نفس العنوان "حقائق ووثائق" هو الذي حذر منذ سنوات وسنوات. كتب في المجلات والصحف وحذر مراراً مما يحدث الآن.
من أجل سنان وأخوتي علي ومحمد وابن عمي راجح الذي سال دمه في كل جبل وواد وهو يدافع عن الثورة ومكتسباتها. راجح عمره اليوم تسعون عاماً. حين سمع أولاده يتهامسون بأن محمد استشهد، فجأة نهض من على كرسيه المتحرك يبحث عن سلاحه. وعندما لم يتمكن من النهوض الكامل، سقط على وجهه ينتحب على محمد وعلى أحلامه التي يراها تتبخر.
أكتب هذا من أجله ومن أجل أخي الشهيد صالح. صالح الذي استشهد لنفس الغرض. اليمن. الثورة. الوحدة. من أجل كل هذا قررت التحلل من التزامي بالصمت.. اعتذر لمن لا يوافقونني على قراري وهو البراء من عدوى اليأس. حجتهم أنني روائية... ويجب أن أظل روائية فقط. وأن لا أسمح للسياسة ولو كانت مجرد كتابة مقال.. استشهاد ابن أخي محمد محمد. وإصابة ولدي طارق بثلاث رصاصات وهو الذي ينادي "سلمية.. سلمية" ويطلب من رفاقه عدم الخروج من الساحات. كل هذا وما يحدث في الوطن. فجر إحساسي.. هذه الفوضى التي تحيط بي وبالوطن وبنا جميعًا. سكوتي عنها بالنسبة لي هو الإعدام. هذه الأحداث «المحزنة» لا يمكن أن أكتفي بالمشاهدة وأكبت داخل عقلي أي اعتراضات أو ملاحظات تجري عكس التيار الكاسح..
عفوا من الذين يريدون أن أصاب بعدوى اليأس. وهم الذين اقتنعت برأيهم واعتنقت أفكارهم عندما رفضوا النهج الديكتاتوري وحكم القهر والاستبداد سواء كان حكمًا إمامياً. ملكياً قبلياً أو جمهورياً عسكرياً أو رئاسياً متوحداً وسواء كان لفرد أو حزب أو جماعة.. ما يدور هذه الأيام أسوأ مما كان في السابق.. الذي يحدث الآن هو بعينه المرض القائم علي حب وتلذذ الجماهير «القطيع» بما تلقاه من عسف وإذلال علي أيدي جلاديها ويختلط بالنعرة الطائفية والمذهبية التي فرضها مناخ التردي والضعف العام الذي أعادنا التقسيم دينيا: بين الزيدي الشافعي السني الشيعي.. انه نفس الفخ الذي يتكرر... ها نحن لا زلنا نبحث عن القنوات التي تبث بيانات من يسمونه "إعلام اليمن" نستمع إليه وهو يردد هراءاته الجوفاء على شاشات الفضائيات ويقسم للناس بأن القائد «الرمز» سوف يعود، ليلقن الشعب درساً لن ينساه.. ألا يخجل من ترديده المفردات الطائفية التعصبية. مع الأسف. لم يسقط وحده في الفخ. كثير من البسطاء انزلقوا في الركاب. ومع شديد الأسف لم ينزلقوا وحدهم بل انزلق إليهم بعض النخبة أيضاً ومنهم كتاب احترم أفكارهم وأقلامهم وكنت أحسبهم علي قوة التنوير وكوادر النهضة. ما أدهشني وأصابني بما يشبه الصدمة الحقيقة ولم أحتمل مشاهدته هو الذي أكن له كل التقدير. هل اضطر لركب هذه الغوغائية «الهتيفة» هل أجبر على المشي والتطوح هكذا؟ أم أنه يحاول إمساك العصا من المنتصف وصار يردد في تلعثم وركاكة لم أعهدها منه. ولا أظن أن زوجته الفاضلة الدكتورة راضية بهذا الموقف الغريب! هل نعذر الدكتور ونرجع الأمر لحالة «الفوضى» السائدة؟ ها هي الأمور تتدهور بشكل يثير الرعب ويجعل رؤية المستقبل مسرجة بضبابية قاتمة... وتلوح الفوضى الدامية في الأفق... ونتحسر على عدوى اليأس وتغدو الرؤى المتشائمة حقيقة. بعدها ندخل فصول الانهيار التام ونستسلم لفرقاء الحرب التي سوف تتمزقنا كل ممزق. وتعيدنا إلى الكهف لنصبح أمثولة تاريخية وأثرًا بعد عين...

القاهرة 19‏/06‏/2011م

* الكاتبة الروائية المعروفة عزيزة عبدالله أبو لحوم. وهي شقيقة الشيخ سنان أبو لحوم، وزوجة محسن العيني، السياسي اليمني المعروف ورئيس وزراء اليمن الشمالي لعدة مرات كان آخرها في عهد الرئيس ابراهيم الحمدي.
المصدر أونلاين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.