لايمكن لأي قوة مهما كانت إمكانياتها البشرية والمادية احتكار الثورة أو إدعاء ملكيتها لأنها ثورة شعبية شاركت فيها كل فئات الشعب. ومن يزعم انه كان سبب في إشعال فتيلها أو هو أول من نزل إلى الشارع فهو كاذب لان الذين نزلوا إلى الشارع في الأيام الأولى للثورة كان بالآلاف. لم يكونوا شباب فقط كما يقال بل كانوا شيوخا وشباب ونساء ورجال. فالأوضاع المعيشية الصعبة والظروف الاقتصادية و الفساد المستشري في كل مرافق الدولة جعل الناس جميعا يتطلعون إلى التغيير لاسيما بعد أن وصل الناس إلى قناعة أن الانتخابات لم تكن إلا عبارة عن مهرجانات لإعادة إنتاج النظام الحاكم من جديد وإعطاءه شرعية جديدة.لقد كان النصر الذي حققته الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية والسقوط السريع لنظام حسنى مبارك. بمثابة الملهم الذي أحيا الأمل في نفوس ملايين اليمنيين فأرادوا استنساخ التجربة المصرية كون النظام المصري يشبه إلى حد كبير النظام اليمنى، إضافة إلى إن الأوضاع في اليمن أكثر بؤسا عن مصر وتونس. لقد عمل اللقاء المشترك خلال السنوات الأخيرة الماضية على إرساء ثقافة النضال السلمي بين الجماهير من خلال إقامة العديد من الاعتصامات والمسيرات الجماهيرية،هذه الثقافة ساعدت إلى حدا ما في توعية الجماهير وكانت بمثابة تهيئة للحفاظ على استمرارية سليمة الثورة ,حيث جعلت هذا الثقافة كثير من القبائل في أقصى المناطق القبلية يتركون الأسلحة في بيوتهم ويأتون إلى ساحات الحرية و التغيير بصدورهم العارية. الثورة وان كانت في أساسها ثورة سياسية هدفها إسقاط النظام الحاكم وإقامة دولة مدينة فإن المتابع لها يكتشف أنها اكبر من ذلك بكثير فهي ثورة اجتماعية وثقافية واقتصادية أحدثت هزة كبيرة داخل نسيج المجتمع وغيرت كثير من قناعات الناس وعاداتهم وأثبتت أن الشعب اليمنى شعب عظيم وأنه شعب الحكمة والإيمان وانه غنى بالقيادات و الكوادر والمواهب الإبداعية فقد أظهرت الثورة قيادات شبابية قادرة على تحمل المسئولية وأظهرت مواهب وإبداعات كانت مطمورة, وعملت على القضاء على الإحباط و اليأس الذي كان قد سيطر على نفوس الشباب ونزعت من قلوبهم عامل الخوف والرعب الذي دمر مواهبهم لعقود من الزمن وجعلتهم ينظرون إلى المستقبل بعين الأمل والتفاؤل ,وأحيت الولاء والحب للوطن في قلوب الشباب صار الكل يقف إجلال و احترام عند سماع النشيد الوطني و صار العلم الوطني من المقدسات. هذا المعاني كانت قد ضعفت كثير في السنوات الأخيرة لان الإعلام لاسيما الإعلام الرسمي الذي يصرف عليه من المال العام ربط حب الوطن ولاء له بشخص الحاكم الفرد فمن أحبه فهو يحب الوطن و من كرهه فهو ضد الوطن هذا اثر على القيم الوطنية في نفوس الكثير لاسيما شريحة الشباب الذين حرموا كثيرا من الحقوق. لقد جاءت الثورة لتفصل بين الوطن والحاكم. فالوطن شي والحاكم شي أخر. الوطن باقي والحاكم إلى زوال هذه من أجمل ثمار الثورة التي لحظتها من خلال متابعتي اليومية لمجرياتها. لقد أظهرت الثورة معادن الرجال وبانت الخبيث من الطيب وأصحاب المبادئ من أصحاب المصالح.لقد انضمت إليها شخصيات كان يعتقد أنها مقربة من النظام ومعه قلبا وقالب لكنهم تركوا مناصبهم والامتيازات التي كانوا يحصلون عليها وصاروا عناصر فاعلية يثبت أنهم تحرروا من عامل الخوف سواء الخوف النفسي أو الخوف على المصالح.