خرج الفريق عبد ربه منصور هادي من دائرة الضوء بعد المقابلة التي أجرتها معه شبكة سي إن إن الإخبارية، مغادراً بمحض إرادته من تلك الدائرة إلى الهامش الذي لن يتمكن من خلاله ممارسة أي دور تاريخي، فالأقدار التي ساقت اليمن إلى هذه المرحلة هي ذاتها التي لم تشأ لهادي ممارسة الدور المفترض عليه القيام به. خلال شهر تقريبا وجميع الأطراف اليمنية تحاول الدفع بهادي إلى الواجهة فالظروف التي تمر بها اليمن استثنائية وكان يعول على النائب أن يقدر حجم المهمة الملقاة على عاتقه وطبيعة الدور الذي ينتظر منه ممارسته لكن الجميع ينفخ في قربة مخروقة.
لقد مضى أكثر من شهر على رحيل الرئيس صالح ولم يصدر من الفريق موقف إيجابي نحو الثورة الشعبية السلمية بل إن مراهانات جميع الأطراف عليه باءت بالفشل وبدلا من أن يستفيد من الثقة الممنوحة له من المعارضة والساحات التي خرجت بمظاهرات إلى باب منزله تطالبه بممارسة دوره وستشكل بالتالي سندا ودعما له، حاول توظيف هذه الثقة لمصلحة عائلة صالح فذهب يتحدث في حواره الأخيرة بذات اللغة والمفردات التي تتخاطب بها العائلة، يقول: «لا يوجد بديل قادر أن يحل محل الرئيس نظراً لتجربته في التعامل مع كل هذه الاختلافات».
لقد ظل الرئيس متهربا من المبادرة الخليجية لكنه لم يرفضها جملة وتفصيلا بل ظل موقفه مواربا يتقدم ويتأخر لكن النائب قال إن المبادرة الخليجية لم تأت بالحل.. وذهب لتفسير هذه القناعة بالصورة التي تجعله ملكيا أكثر من الملك. ولذا نجده يتحدث عن انتخابات مبكرة في ظل وجود صالح وعائلته الممسكة بمفاصل الدولة، بمعنى أنه غير مقتنع حتى بالمبادرة الخليجية.
وبقراءة أولية لحديث هادي مع سي إن إن نجد أن الحوار أبرزته بصورة هزيلة فقد بدا شخصا ضعيفا وغامضا، ولا يمتلك المعلومة وبالتالي لا يمتلك القرار، إنه يتجنب التورط في الطرح الذي يمكن أن يغيض الأولاد منه. وحين يقول إن عنده صلاحيات رئيس الجمهورية نجده يفكر بعقلية النائب الذي يتلقى الأوامر ولا يمتلك أي صلاحيات فهو لا يعرف متى يعود الرئيس ولا يمتلك معلومات كافية عن حالته الصحية فيقول «أنتم أدرى» يقصد الأمريكيين. وهو أيضا لم يأت بجديد على كافة الصعد، ويبدو أن الآمال بموقف منه بحجم المرحلة قد خابت، فالمراهنة علقت على رجل عادي ولا يمتلك المهارات التي تؤهله لقيادة مرحلة انتقالية استثنائية في تاريخ اليمن وتحتاج أيضا إلى شخصية استثنائية.
إن النائب الذي ظل صامتا إزاء العبث الذي تمارسه العائلة الحاكمة بحق محافظته إن لم يكن يمارس دورا فيه لن يتصدر المشهد ففاقد الشيء لا يعطيه. لا بل إنه ذهب للتأكيد على أن قائد الحرس الجمهوري يتلقى الأوامر منه وهذا يضفي الشرعية على جرائم الحرس الجمهوري في أرحب وتعز والحيمة وأبين وغيرها، وبدلا من أن يتنصل عن المسئولية التي حمله أحمد علي حين قال بأنه يتلقى الأوامر من النائب أكد ذلك، ما يعني أنه يتلقى تعليماته من أحمد علي صالح وليس العكس.
وبالنسبة لأزمة المشتقات النفطية التي فشل النائب في حلها وهي مفتعلة وينفذها الحرس الجمهوري، فبدلا من مواجهة الحقائق ذهب لتحميل المشترك وتحديدا الإصلاح مسئولية الأزمة وهذا يعبر عن شخص النائب الذي يحاول اللعب على الحبال كافة فهو يقدم المعارضة قرابين لدى الأبناء ليحظى بالرضى.
والأهم من ذلك أن الفريق هادي لديه رغبة جامحة في ممارسة الحكم فهو لا يريد أن يمارس دور المحلل، ورغم أنه ظل بدون صلاحيات خلال 13 سنة ولم يحتج على ذلك، إلا أنه يريد الوصول إلى الكرسي بدون تحمل أي تكاليف، فهو يوظف علاقاته الداخلية والخارجية في هذا الإطار لكن بدون أن يثير حنق وغيض الأولاد. فحين يحافظ على علاقته بالمعارضة فإنه يحاول تقديم نفسه كرجل المرحلة حتى لدى الجيش المؤيد للثورة والمؤيد للعائلة.
لا يرفض هادي في هذه الأثناء اللقاء بالأطراف الفاعلة بما فيها ممثلون عن الشباب من جهة ليخفف حدة ردود الأفعال ومن جهة أخرى ليتيح وقتاً للعائلة لترتيب أوراقها، فالمعارضة التي ركضت شهرا كاملا وراء هادي اكتشفت مؤخرا أنها كانت تركض خلف السراب، والساحات التي منحت هادي فرصة أكثر من كافية اكتشفت أنها مخدوعة حين أجلت فعلها الثوري.
إن قراءة سريعة لتاريخ عبد ربه العملي تقود إلى أن هذا الشخص لم يكن يوما في موقع صانع القرار بل في موقع المتلقي والمنفذ، ثم إن الرئيس صالح ماهر في اختيار الرجال المحيطين به، حتى وهو على سرير الموت فإن ظله يلاحقهم.
وهنا يجدر التذكير بالموقف السلبي للنائب بعد قيام لجنة الأربعة بإعلان النتائج التي توصلت إليها نهاية عام 2010 وكان هادي أحد الأربعة، ففي الوقت الذي صمت فيه الإرياني خرج هادي ليحمل المشترك مسئولية إعاقة تنفيذ الاتفاق رغم علمه بأن الرئيس هو من أفشل الاتفاق. إن الحديث مع سي إن إن يقود إلى أن التعويل على عبد ربه منصور يعني التعويل على الوهم، ولذا على الساحات والمشترك وشركائه وكل مكونات الثورة التصعيد باتجاه الحسم الثوري، وفرض سياسية الأمر الواقع ما لم فإن الوقت ليس في صالح أحد وسيجد اليمنيون أنفسهم في معمعة أزمة طاحنة يصبح الحليم فيها حيران ولا تمكن أحداً من اتخاذ القرار السليم.
موقف النائب.. البعد الخارجي لقد بدا موقف النائب هزيلا ولا يرقى إلى مستوى ما كان يؤمل منه من قبل الشعب اليمني، ولا إلى مستوى الحاجة الوطنية لموقف مغاير منه.
ولكن موقفه يمكن تبريره أو تفهمه من زاوية الحسابات السياسية البعيدة عن العبارات المثلى من قبيل «المصلحة الوطنية» و»الدور التاريخي» حيث يبدو الرجل مواصلا عمله كحارس بوابة على قصر العائلة، مقتصرا على هذا الدور بناء على إملاءات خارجية ما زالت تريد مواصلة الضغط على الشعب اليمني وخنقه بالأزمات وتقليص نسبة الأمل لديه بحلول مرضية قليلة الكلفة، وذلك في سياق خطتها وهدفها المؤطر بإطارين اثنين: رحيل صالح عن الكرسي، وعدم وصول المعارضة كبديل له. أو بتعبير آخر: رحيل صالح، وبقاء ذات النظام.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما المقابل الذي حصل عليه النائب من هذه الأطراف ولو كان هذا المقابل مجرد وعود!؟ وهل ما زال هناك متاح لتنفيذ أي اتفاقات ومخططات بين أي أطراف خارجية وداخلية بعيداً عن رغبة الشعب اليمني وإرادته وثورته السلمية!؟
إن مقارنة بسيطة بين ما قاله الفريق عبد ربه في حواره الحديث مع قناة ال»سي إن إن» وبين التصريح الذي نقل عنه قبل أسبوعين يظهر مؤشرات مهمة، ففي ذلك التصريح أبدى رفضه «لسياسة لي الذراع» وهدد بالانتقال إلى عدن وكشف الطرف المتسبب في أزمة المحروقات، وقيامه بالربط بين التهديد بالانتقال إلى عدن وبين التهديد بالكشف عن المتسبب في الأزمة إشارة واضحة إلى هذا الطرف الذي يخشى ردة فعله في حال تنفيذه التهديد وإظهار حقيقة الأزمة والواقفين وراءها.
بينما خرج اليوم في حوار مع ال»سي إن إن» يقول العكس، وقد شهد هذان الأسبوعان الفاصلان لقاءات مكثفة أجراها معه السفير الأمريكي وآخرون من سفراء الدول الكبرى، ويبدو أن هذه اللقاءات كانت بالغة التأثير على موقفه، وترددت أنباء غير مؤكدة أنه قام بزيادة سرية قصيرة إلى المملكة العربية السعودية. وحتى لو كان هذا الخبر عاريا من الصحة، فإن الإشاعة به ليست من فراغ.
إن القناعة الراسخة لدى رموز الأنظمة العربية بأن القرار السياسي في بلدانهم هو قرار أمريكي وخارجي محض، خطأ أو مرض لا يمكن الشفاء منه بسهولة، ويبدو النائب مصابا بهذا الداء، ولم يشفه منه شيء حتى رؤيته لحلفاء البيت الأبيض والمملكة العربية السعودية يتساقطون تباعا ولا تجديهم علاقتهم بالأمريكان نفعا، ابتداء بزين العابدين بن علي، مرورا بحسني مبارك، وانتهاء بصالح!!
النائب وأزمة الكهرباء والمحروقات لقد ظل النائب عبد ربه يتمنع أمام الدعوات التي ظل المشترك يوجهها له للتشاور حول مخرج سياسي، متذرعا بانشغاله بحل أزمة الكهرباء والمشتقات النفطية، وشهدت هذه الأزمة تصعيدا كبيرا منذ تصريحه قبل أسبوعين والمشار إليه سابقا، وكأن «الأبناء» رفعوا وتيرة تلك الأزمات تحدياً للفريق عبد ربه واستعدادا لمواجهة أي موقف مفاجئ قد يتخذه في غير صالحهم، إضافة إلى الأهداف الأخرى من خلق هذه الأزمات وتنفيذها بدقة متناهية وكفاءة عالية.
وما إن ظهر النائب في حواره الأخير حتى اطمئن الأبناء فيما يبدو، وعادوا لخفض وتيرة تلك الأزمات، حيث لم يسبق لليمن أو العاصمة صنعاء -فقط- أن نعمت بالكهرباء لثلاثة أيام متواصلة «الجمعة والسبت والأحد»!! كما تشهد أزمة البترول انفراجا طفيفا ربما يتوسع إلى حد ما، وإن كان هذا الانفراج الطفيف محصورا حتى الآن في مدينة عدن.
والواضح أن حل هذه الأزمات كان بيد عبد ربه، وقد قدم هذا الحل أو جزء منه بحواره المشار إليه والذي جعل الأبناء يتنفسون الصعداء!!