ظل متواريا عن مهرجانات وفعاليات الرئيس صالح ولم يظهر الى جواره في ميدان السبعين ولم يرصد عنه انه مارس التحريض ضد الشباب المسالم، بل تردد انه كان يصلي بحوش منزله مع ساحة التغيير في شارع الستين تتجه الأنظار نحو الفريق عبد ربه منصور هادي، لقد تحول الرجل فجأة الى محل اهتمام محلي ودولي فالكل يعول عليه في القيام بدور تأريخي من شأنه ان ينقل اليمن الى واقع مختلف جذريا تتحقق فيه أحلام اليمنيين. يحظى الرجل بإجماع يؤهله لخوض غمار الفترة الانتقالية باقتدار ونجاحٍ، فاليمنيون قل ان يجمعوا على شخص واحد، ولعل انتماء هادي الجغرافي يضيف بعدا اخر للشخصية التي تحتاجها اليمن في هذه اللحظة. فالجروح الغائرة في جسد النظام اليمني بفعل الأخطاء التي ارتكبتها الأسرة الحاكمة في اليمن بحاجه الى شخصيه كارزمية مؤهله على مواجهة الصعاب، واجتياز الأزمات،ومع ذلك لا يمكن لأي شخص مهما كانت قدراته ان يسير باليمن نحو بر الأمان بمفرده، فالحكم الفردي العائلي خلال 3 عقود قاد اليمنيين الى أزمة حادة. لقد رحل الرئيس لكن عائلته لا تزال موجودة وهي تعيق عملية انتقال السلطة لنائب الرئيس ولا تتخيل تحقق ذلك وهي ممسكه بجزء من الجيش اليمني وتمتلك المال، وقد أدرك هادي هذا لأمر مبكرا فتجنب الاصطدام بالعائلة منذ البداية، وهو الان يحاول المرور بهدوء وحذر. لا تحظى عائلة الرئيس بأي شرعيه سوى شرعية القوه والمال وهي الآن مغتصبه للسلطة وتنفذ عقابا جماعيا بحق الشعب، وعلى هذا الأساس يتعامل معها الداخل والخارج..كيف يتم نزع فتيل العائلة بسلام؟! أمر بات يقلق المهتمين بالشأن اليمني. في هذا الإطار جاءت زيارة فيلتمان الذي قيل انه التقى بنجل الرئيس صالح (احمد) لكن الأول نفى ذلك وبغض النظر حدث اللقاء ا/ لم يحدث فإن الإعتبار الذي يقيمه الأمريكيون والإتحاد الأوروبي وحتى السعودية لعائلة الرئيس في إطار التعامل مع امر واقع. الجهود الدولية تصب في إقناع الأطراف اليمنية في الاستمرار في تنفيذ المبادرة الخليجية وتنظر لأولاد بأنهم العقبة الأساسية في طريق الاستمرار في الشرعية الدستورية، ولذا تسربت أنباء تتحدث عن ترتيب وضع الأبناء في المرحلة القادمة مثل توفير الضمانات وعدم المحاكمة أو الملاحقة وربما ترتيب وضعهم المالي. يقول المحلل السياسي عبد الغني الإرياني إن أبناء الرئيس "يجدون صعوبة كبيرة في تقبل هذه النتيجة، لكنه الأمر الذي كان والدهم على وشك التوقيع عليه، الذي تلا حادث التفجير في جامع النهدين، والحادث هو الذي حال دون التوقيع عليها من قبل الرئيس بعد ما كان ق اتخذ القرار هو وأركان حكمه قبيل الحادث بقليل "تحديدا الساعة12ظهرا" على ان يتم التوقيع على المبادرة الخليجية الثلاثاء المقبل من ذلك التاريخ، وذهبوا بعد الاجتماع الى الصلاة، فوقعت هذه الحادثة، وهي التي عطلت التوقيع". وتنتظر الأطراف المتفاعلة مع المبادرة الخليجية ان تنتقل السلطة من خلالها إلى نائب الرئيس بسلاسة لأن ذلك من شأنه تخفيف التبعات التي ستترتب على الرئيس صالح وعائلته الذي سيواجه الشعب اليمني ان استمروا في الرفض وربما يكون الحسم الثوري خيارا ثانيا، وفي حالة وقوعه فلن يكون بمتناول الأسرة اي ضمانات. وعلى الرغم من معارضة الساحات للمبادرة الخليجية منذ اللحظة الأولى الا ان الرئيس راوغ كثيرا وتردد أكثر وأقترف أخطاء قاتله حولت البوصلة الدولية ضده بنسبة90في المئة خاصة بعد حصار الدبلوماسيين في السفارة الإماراتية، ومع ذلك مازال صالح ومن خلفه أولاده مطالبين بالتوقيع على المبادرة الخليجية التي تطالب المعارضة بمنح الطرف الآخر سقفا زمنيا في حالة عدم التزامه بالمبادرة يتم الانتقال لبدائل أخرى قد يكون الحسم الثوري من بينها. لقد قبلت المعارضة بانتقال السلطة الى عبد ربه منصور هادي الأمين العام لكن المؤتمر نفسه يرفض ذلك ومن خلف الحزب الحاكم تقف عائلة صالح التي ضربت بأسطوانة تداول السلطة عرض الحائط،وظهرت مع ممارساتها الأخيرة حجم الجهد الذي بذله صالح لبناء حكم عائلي وراثي لكنه فشل حتى في ذلك. ومن خلال أول اجتماع للمعارضة مع هادي ظهر جليا كم ان رموز الحزب الحاكم ترفض حتى ان يفكر هادي باعتباره رئيسا للجمهورية، ففي الوقت الذي كان يناديه فيه بعض قادة المعارضة بالرئيس كان سلطان البركاني يجيب انه نائب الرئيس. ايضا ندد عبده الجندي بمحاولة المعارضة الدس بين هادي والمؤتمر وقال ان هادي لا يزال الأمين العام للمؤتمر وإنه يمارس مهام نائب الرئيس حتى عودة الأخير، وهذا الطرح ينبئ عن الخوف الذي يعتري بقية نظام صالح من مجرد تفكير النائب بأن يصبح رئيسا يوما ما. أمام المؤتمر الشعبي العام فرصه ذهبيه فإذا فاتت عليه مسألة نقل السلطة لأمينه العام فلعل مسألة حله ومحاكمة رموزه تصبح امرا واقعا، فالإجماع الدولي والإقليمي في هذه المرحلة لن يكون متاحا مستقبلا، ولذا فإن الأولاد الذين يعيقون عملية الانتقال هم امتداد لسياسة الرئيس الذي أقصى النائب طيلة 17 عاما. أمام الفريق هادي مسئولية صعبه، إنه يمشي على حقل ألغام لكنه اثبت خلال الأيام الماضية انه ينتزع صلاحياته بهدوء وإنه يعزز أداءه باستمرار،قد تقتضي المصلحة الانحناء للعاصفة ريثما تمر ويبدوان النائب الذي يواجه واقعا عصيبا ومعتقدا لديه القدرة على تخطي العقبات باقتدار، فمقدرته على امتصاص الإقصاء المتعمد الذي مورس بحقه سابقا يؤهله للعب دور الرئيس مستفيدا من الأخطاء التي وقع فيها نظام صالح. وها هو يلتقي مع الدبلوماسيين والمعارضة والمشائخ والقادة والعسكريين وحتى شباب الساحات، ولعل عدم تورطه في القتل والتنكيل باليمنيين خلال عمر الثورة يمنحه شرعيه إضافية، فقد ظل متواريا عن مهرجانات وفعاليات الرئيس صالح ولم يظهر الى جواره في ميدان السبعين ولم يرصد عنه انه مارس التحريض ضد الشباب المسالم، بل تردد انه كان يصلي بحوش منزله مع ساحة التغيير في شارع الستين. ومن خلال أحاديثه المقتضبة يبدو انه حاله مختلفة ومنفصلة عن نظام الحكم السابق،يقول هادي ان جميع الأطراف اليمنية في سفينة واحده،إما ان تصل الى بر الأمان او ان يغرق الجميع جاء ذلك خلال استقباله رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي بصنعاء السفير ميكليه سيرفونيه دورسو وسفير المملكة المتحدة جون ويلكس والسفير الفرنسي جوزيف سيلفا. ويبدي اهتمامه منذ البداية على وقف إطلاق النار ويحاول إعادة الحياة الى طبيعتها من خلال القضاء على الأزمات المصطنعة، لكن مسألة نجاح النائب من عدمه مرهون باستجابة الأولاد للضغوط الدولية والإقليمية ثم بكارزميته وقوة شخصيته. فالدعم الداخلي والخارجي لا يكفي ما لم يتحول الى لغة جادة لا تقبل المواربة، فالحالة اليمنية حتى هذه اللحظة لم تحظى باهتمام دولي على غرار الحالة المصرية والتونسية والسورية والليبية، على الأقل لم يسمع صالح وعائلته اللهجة التي قالت لمبارك :"الآن يعني الآن". اذا فنحن أمام مشهد معقد للغاية وتتشابك فيه المصالح المحلية بالإقليمية والدولية وتحضر فيه الحسابات الدقيقة، لكن ينتظر الأطراف الخارجية الكثير لتفعله فهي تمسك بالكثير من خيوط اللعبة في الداخل فالأمريكيون لديهم علاقات حميمة بالقوات الخاصة التي انفقوا على تدريبها ملايين الدولارات والسعودية تدفع ملايين الريالات لمشائخ ومراكز قوى، وبالتالي بمقدورهم لعب دور حساس من خلال تحريك أوراقهم لصالح عملية انتقال سلمي للسلطة الى النائب عبد ربه منصور هادي. ولأن الوضع اليمني لا يحتمل المزيد من اللعب فالأزمة الاقتصادية مستفحلة وتكاد تقود البلد نحو الهاوية فإن عملية الانتقال يجب ان تبدأ حاليا، ما لم فقد تجد جميع الأطراف نفسها خارج اللعبة، وقد تصبح الحلول المقبولة اليوم غير مرغوبة غدا لأن الأحداث المتسارعة وغير المتوقعة تكون قد نقلت اليمن الى مربع آخر له ظروفه ومتغيراته. عبد الباسط القاعدي - نقلا عن صحيفة الأهالي