الحراك الجنوبي السلمي الذي بدأ من عام 2007 ليمهد لثورة شعبية سلمية كان واحدا من نتائج حرب صيف 94 التي قادها نظام علي صالح ضد الجنوب وضد شريكه في تحقيق الوحدة السلمية وهو الحزب الاشتراكي اليمني..نعم هي واحدة من نتائج حرب انقلبت على الوحدة ومشروعها وصار النظام الانفصالي يحتفل بها في 7|7 من كل عام تأكيدا على ممارساته الانفصالية التي مارسها بشتى أساليب الإذلال تجاه الجنوبيين. وإذا كان هذه الذكرى السيئة قد مرت هذا العام في فترة مغادرة رأس النظام البلد والحياة السياسية في ظل تنامي ثورة شعبية ضده فإن معالم هذه المحرقة ما تزال حية في مشاهد لن أنساها منذ ذلك التاريخ الذي يجب أن يكون تاريخا لمحاكمة رموز تلك الحرب الظالمة. عندما اجتاحت القوات الشمالية المكونة من قوى الفيد والهيد والتشليح التي تحالفت مع النظام الاجتياحي ورئيسه الجياح الأعلى للمشلحين والفيادين..عندما اجتاحت المناطق الجنوبية، ودخلت عدن في 7/7/94م.. دخلت أنا وبعض المساوقة سوق الراهدة، وعند وصولنا السوق طاش حسي، وتقطع نخسي من هول ما شفت. كانت الراهدة وحدوية من قبل اتفاقية الوحدة، وتعتبر منطقة تاريخية وسوقا تجاريا من زمان الزامنين، ويقصدها التجار والمساوقة من جميع المناطق وخاصة أبناء المناطق الشمالية والجنوبية المحيطة بها لبيع وشراء احتياجاتهم المنزلية بما فيها الحلاوة التي اشتهرت وتفردت بصناعتها، كما أنني على علم أنها أي الراهدة استخدمت كمحطة لقوات الاجتياح، ولكن لم أكن أعرف أو أعلم بتاتاً أن المشلحين ورموز الفيد قد حولوها إلى سوق حراج لبيع غنائم الحرب وفيد الاجتياح. ذهبت إلى منزلي الواقع على مقربة من الراهدة وأخذت الكاميرا التي لم تسلم هي الأخرى من الفيد على يد رجال الأمن بحجة أنها تابعة لصحيفة «المستقبل» الانفصالية، وعندما عدت إلى السوق قمت بتصوير بعض من الأشياء الكثيرة جداً التي تفيدها المشلحون من المناطق الجنوبية أذكر منها الفرشان، والبطانيات، قلاصات، ثلاجات، شول، دبب غاز، وجميع الأدوات المنزلية المستخدمة. ومن ذلك الفيد أيضا أبواب خشبية مكتوب عليها، غرفة الأشعة، غرفة العمليات، العيادة الخارجية، قسم الولادة، وأبواب أخرى مكتوب عليها مكتب المدير، مكتب الوكيل جميع الصفوف الدراسية، كما أن الجهة الأخرى للسوق مليئة بجميع أنواع الكراسي والماسات والدواليب والمكاتب والأدوات الطبية والزراعية.. بالإضافة إلى جميع أنواع الأسلحة المختلفة، حتى الزئبق الأحمر الذي تم نهبه من قاعدة العند الجوية. عموماً كل هذا كان متوقعاً في ظل الهمجية السائدة لدى قادة وقيادة النظام القائم على الاجتياح والضم والإلحاق، ولكن غير المتوقع ان تصل همجية الهمج وحقارة فيد الفيادين إلى نهب وبيع صحون ودسوت ومطايب للبيع وآثار الفتوت والعصيد والرز لا تزال عالقة عليها. عرفت بعد ذلك أن هذه الأواني تابعة لأسر في منطقة جول مدرم، تركت بيوتها قبل أن يكمل الأطفال أكلهم، ومن خلال عرض جفان الفتوت ودسوت العصيد وصحون الرز ومطايب الصانونة، في سوق الحراج للبيع، أدركت تماماً بأننا نعيش في زمن دانق وداعر وشلفوت، وأيقنت كل اليقين حينها بأن الوحدة في خطر وان هذا الاستقواء الغبي والاستعلاء الساذج والسخيف هو الذي سيجعل كراهية أبناء الجنوب تستوي في دسوت القهر، وترسخ في جنان المهانة التي تنضج على نار الحرقة الهادئة، وان هذا الشرخ الوحدوي المؤلم لن يندمل بسهولة...وقد كان الحراك السلمي الجنوبي أحد أبرز نتائج تلك الحرب وذلك الفيد الذي مارسه نظام الفيد والتشليح. ولهذا أقول إن الثورات العربية لم يفجرها البوعزيزي في تونس أو خالد سعيد في مصر، بل كان الحراك هو السباق في إشعال فتيل الشرارة الأولى للثورات السلمية وقدم المئات من الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين في سجون النظام، وعند قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية لتواصل مسيرة النضال السلمي للحراك، التحم جميع الحراكيين التحاماً ثورياً في صفوفها، وثار الجميع في ثورة سلمية لإسقاط هذا النظام الذي لم يكتف بسلب الفتوت من لقوف أطفال كرش والمسيمير وجول مدرم، بل سلب فرحة وحرية الأطفال، ونهب البلاد والعباد..شفط الغاز والبترول والجاز، ولهف الثروة، ويريد أن يزرط الثورة، بدعم لوجستي من الخبرة.. والآن وبعد سقوط رئيس النظام ورئيس النواب ورئيس حكومة المهام، ورئيس الشورى والبقية، أصبح النظام بلا شرعية وما يزال ثوار الثورة يواصلون النضال، ويرفضون الاذلال، والابتذال، وصامدون كالجبال، رابطون على بطونهم ، ومصرون على تحقيق أهداف ثورتهم، وبقايا النظام ما يزال يراهن على عودة المشير أو الفريق، والواقع يقول ما يرجعش من مكة دقيق.