أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    احتجاجات للمطالبة بصرف الراتب في عدن    "تسمين الخنازير" و"ذبحها": فخ جديد لسرقة ملايين الدولارات من اليمنيين    الكشف عن آخر التطورات الصحية لفنان العرب "محمد عبده" بعد إعلان إصابته بالسرطان - فيديو    دورتموند يقصي سان جرمان ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    ردة فعل مفاجئة من أهل فتاة بعدما علموا أنها خرجت مع عريسها بعد الملكة دون استئذانهم    اعلامي مقرب من الانتقالي :الرئيس العليمي جنب الجنوب الفتنة والاقتتال الداخلي    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يجدد فوزه امامPSG    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    إهانة وإذلال قيادات الدولة ورجالات حزب المؤتمر بصنعاء تثير غضب الشرعية وهكذا علقت! (شاهد)    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    اتفاق قبلي يخمد نيران الفتنة في الحد بيافع(وثيقة)    شبكة تزوير "مائة دولار" تُثير الذعر بين التجار والصرافين... الأجهزة الأمنية تُنقذ الموقف في المهرة    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    صنعاء.. إصابة امين عام نقابة الصحفيين ومقربين منه برصاص مسلحين    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    البنك المركزي اليمني يكشف ممارسات حوثية تدميرية للقطاع المصرفي مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34789 شهيدا و78204 جرحى    قيادات حوثية تتصدر قائمة التجار الوحيدين لاستيرات مبيدات ممنوعة    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    الاتحاد الأوروبي يخصص 125 مليون يورو لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مميز    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في مديرية بيحان بمحافظة شبوة    ارتفاع اسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    العين يوفر طائرتين لمشجعيه لدعمه امام يوكوهاما    ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    تنديد حكومي بجرائم المليشيا بحق أهالي "الدقاونة" بالحديدة وتقاعس بعثة الأمم المتحدة    الأمم المتحدة: أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة مميز    مجلس النواب ينظر في استبدال محافظ الحديدة بدلا عن وزير المالية في رئاسة مجلس إدارة صندوق دعم الحديدة    باصالح والحسني.. والتفوق الدولي!!    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    تهامة.. والطائفيون القتلة!    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة المشتقات النفطية ومسؤولية السلطة
نشر في المصدر يوم 26 - 07 - 2011

تعيش اليمن منذ أكثر من شهرين أزمة خانقة في المشتقات النفطية، أدت إلى تعطيل معظم مناحي الحياة في اليمن، ومع ذلك لا توجد إلا معلومات ضئيلة توضح حقيقة هذه الأزمة. وما زاد الوضع تشويشا استخدام هذه الأزمة كمادة للسجال الإعلامي بين السلطة والمعارضة، حيث يرمي كل طرف مسئولية الأزمة على الطرف الآخر. واستثمارها لصالحه.

وتحاول هذه الورقة توضيح هذه المشكلة استناداً إلى المعلومات المتاحة، والتي هي شحيحة وبعضها غير متوفر، وهو ما اضطرنا للتخمين والقياس للتوصل لبعض الاستنتاجات. وفي البداية دعونا نلقي نظرة على واقع النفط في اليمن من خلال هذا الجدول:

المعلومات الأساسية حول النفط في اليمن
معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام في 2002
450 ألف برميل
معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام في 2010
260 ألف برميل
كمية الاستهلاك المحلي السنوي من المشتقات البترولية (2010)
7192 مليون لتر
قيمة مبيعات المشتقات النفطية للاستهلاك المحلي عام 2010
400 مليار ريال
حصة الحكومة من النفط الخام عام 2010
58 مليون برميل
كمية استهلاك البنزين في عام 2010
2220 مليون لتر (6 مليون لتر في اليوم)
كمية استهلاك الديزل في عام 2010
3540 مليون لتر (9.5 لتر في اليوم)
كمية استهلاك المازوت في 2010
1277 مليون لتر (3.4 مليون لتر في اليوم)
المخصص اليومي للمصافي المحلية من النفط اليمني
70 ألف برميل (26 مليون برميل سنويا)
كمية المشتقات النفطية لتوليد الكهرباء في 2009
2 مليار لتر (5.4 مليون لتر في اليوم)
قيمة صادرات الحكومة من النفط الخام في 2010
2700 مليون دولار
قيمة واردات المشتقات النفطية في 2010
2100 مليون دولار
معدل التصدير اليومي للنفط عبر أنبوب مأرب – رأس عيسى
120 ألف برميل (60 ألف للحكومة ، 60 ألف للشركات)
كمية الديزل التي حصلت عليها شركة النفط خلال شهر يونيو2011
70 ألف طن (81 مليون لتر) 2.7 مليون لتر يوميا
كمية الاحتياج الفعلي من الديزل في شهر يونيو 2011
260 ألف طن (304 مليون لتر) 10 مليون لتر يوميا
الكمية اليومية للمصافي من المنحة السعودية
50 ألف برميل
* بعض الأرقام الواردة في الجدول ليست دقيقة تماما لتضارب المعلومات بشأنها
* معظم المعلومات في الجدول مصدرها بيانات رسمية وتصريحات لمسئولين حكوميين

من خلال الجدول السابق يمكن استخلاص النتائج التالية:
1- إنتاج النفط في تناقص مستمر، فقد انخفض منذ عام 2002 من 450 ألف برميل يوميا ليصبح في حدود 260 ألف برميل يوميا عام 2010 وبنقص سنوي يتراوح ما بين 4 و7%. وهذا يعني بأن هذا المورد الحيوي في طريقه إلى النضوب.
2- أصبحت اليمن تستهلك أغلب دخلها من صادرات النفط على الاستهلاك المحلي، فوفقا للإحصائيات الرسمية الخاصة بعام 2010 نجد أن إجمالي قيمة إيرادات صادرات النفط الخام، بلغت 2700 مليون دولار، فيما تم شراء مشتقات نفطية من الخارج بقيمة 2100 مليون دولار. وهذا يعني بأن الحكومة اليمنية قد أنفقت ما نسبته 77% من دخلها الذي حصلت عليه من تصدير النفط الخام على استيراد المشتقات النفطية. وفي حال استمر الحال على ما هو عليه فإن من المتوقع أن تستهلك الحكومة كل دخلها من تصدير النفط الخام على شراء المشتقات النفطية في عام 2013.
3- الاستهلاك المحلي من جميع المشتقات النفطية في عام 2010 (وفق إحصائية شركة النفط) بلغ 7.191 مليار لتر، وكانت قيمتها في حدود 400 مليار ريال (1800 مليون دولار) وكان متوسط سعر اللتر لجميع المشتقات = 55 ريالاً (25 سنت أمريكي) فيما كان السعر العالمي لمتوسط هذه المشتقات بحدود (70 سنت أمريكي) وهذا يعني بأن القيمة الفعلية للمشتقات النفطية في حدود (5 مليار دولار) أي أن الدعم الفعلي للمشتقات النفطية في حدود 3.2 مليار دولار.
4- لكون الحكومة اليمنية تستهلك معظم دخلها من صادرات النفط الخام في شراء المشتقات النفطية، فإنها قد قررت في نهاية 2010 وبالاتفاق مع المانحين الأجانب أن ترفع جزء من الدعم عن المشتقات النفطية، وكان هذا الاتفاق الذي لم يُعلن عنه يقضي برفع أسعار المشتقات النفطية بما يقارب 80%. وقد توصلنا لهذه النتيجة من أرقام ميزانية 2011 والتي تضمنت تخفيض قيمة الدعم بما يقارب 40% عما كان عليه في 2010، وهو ما كان سيؤدي إلى رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 80% تقريبا في النصف الثاني من عام 2011 بعد إجراء الانتخابات النيابية التي كان مقررا لها أن تجرى في 27 أبريل 2011، ولكن وبسبب حركة الاحتجاجات فقد تراجعت الحكومة عن هذا القرار.

5- من المحتمل أن يبلغ دخل الحكومة من صادرات النفط الخام في عام 2011 في حدود 3.2 مليار دولار، وكان من المتوقع أن تصل قيمة واردات المشتقات النفطية 2.8 مليار دولار –في حال لم يتم تفجير أنبوب النفط واستمرت الحكومة باستيراد المشتقات النفطية بنفس معدل 2010، فاتورة الدعم على المشتقات النفطية ستصل إلى 5 مليار دولار إذا لم تقدم الحكومة على رفع أسعار المشتقات النفطية.
6- أدى تفجير أنبوب تصدير النفط (مأرب –رأس عيسى) في 14 مارس 2011 إلى خسارة اليمن كدولة (الحكومة + شركات النفط) ما معدله 13 مليون دولار يوميا (120 ألف برميل × 110 دولار) بمبلغ إجمالي يقارب 1600 مليون دولار خلال ال 4 أشهر التي توقف فيها الأنبوب. وتبلغ حصة الحكومة من هذه الخسارة ما يقارب 800 مليون دولار.

7- تخصص الحكومة كل حصتها من نفط مأرب للاستهلاك المحلي والتي هي في حدود 70 ألف برميل، وتذهب 60 ألف منها لمصفاة عدن عبر أنبوب النفط، فيما تذهب الكمية الباقية إلى مصفاة مأرب.
8- تحتاج الحكومة لتعويض النقص في الإمدادات نتيجة تفجير الأنبوب إلى 200 مليون دولار في الشهر لشراء النفط الخام. وتحتاج إلى ما يقارب 230 مليون دولار شهريا لتشتري مشتقات نفطية، في حال أرادت توفير نفس الكمية التي وفرتها في 2010. وإجمالي هذا المبلغ يزيد عن الدخل الشهري للحكومة من صادراتها من النفط الخام بمبلغ 100 مليون دولار (430 – 330 = 100).
9- قسمت الحكومة اليمنية المنحة السعودية لمدة 60 يوماً (50 ألف برميل يوميا) بما يعوض 84% من نفط مأرب، في الوقت نفسه خفضت الحكومة من وارداتها من مادتي البنزين والديزل، حيث لم تذكر الأنباء عن أي واردات من البنزين فيما واردات الديزل كانت ضئيلة ولا تزيد عن 15% من احتياجات السوق المحلية.
10- بحسب تصريح نائب رئيس الجمهورية لشبكة سي إن إن ((CNN التلفزيونية فإن مصافي عدن تكرر النفط الممنوح من السعودية وفق النسب التالية: 50% مازوت ، 15% ديزل، و15% بنزين. ولكون الكمية التي خصصتها الحكومة اليمنية من المنحة السعودية للمصفاة تساوي 50 ألف برميل يوميا، فإن كمية المشتقات النفطية بعد استبعاد نسبة 10% من المشتقات الثقيلة التي تنتجها المصفاة تكون في حدود 22 ألف برميل مازوت = 3.4 مليون لتر يوميا (100% من الاحتياج اليومي وفقا للمعدل في 2010) و7 ألف برميل ديزل = 1.2 مليون لتر يوميا (12% من الاحتياج اليومي وفقا للمعدل في 2010) فيما كان البنزين يعادل 7 ألف برميل = 1.2 مليون لتر (18% من الاحتياج اليومي وفقا للمعدل في 2010).

11- بحسب تصريح منسوب لمدير شركة النفط فإن الكمية التي تسلمتها شركته من مادة الديزل في شهر يونيو لم تزد عن 26% من الاحتياجات الفعلية من هذه المادة في ذلك الشهر. وهو ما يفسر استفحال أزمة الديزل خلال الفترة الماضية.
12- لم تذكر الأنباء عن وصول أي واردات من مادة البنزين، مما يعني أن ما هو متوفر في السوق لا يزيد في أحسن الأحوال عن 2 مليون لتر يوميا (مخرجات مصفاة عدن من المنحة السعودية + جزء من منتجات مصفاة مأرب التي تبلغ طاقتها اليومية 10 آلاف برميل) ومعنى ذلك أن المتوفر في السوق من هذه المادة لا يزيد عن 30% من الاحتياج اليومي.
13- لم تتأثر صادرات النفط الخام من تفجير أنبوب مأرب حيث أن التصدير يتم بشكل طبيعي من الأنابيب الأخرى، وقد صدرت الحكومة خلال الأربعة أشهر الماضية ما يقارب 12 مليون برميل من النفط الخام، وبقيمة إجمالية تصل إلى 1300 مليون دولار، وفق سعر الخام الذي يبلغ متوسط سعره خلال هذه الفترة نحو 110 دولار للبرميل.

يتبين من النقاط السابقة أن أزمة المشتقات النفطية تتمثل في وجود نقص شديد من مادتي البنزين والديزل، فالمعروض في السوق من هاتين المادتين لا يزيد عن 30% للبنزين و26% من الديزل. وفق استهلاك 2010، والذي يعد أقل من الاستهلاك خلال هذه الفترة، والتي شهدت استهلاكاً إضافياً لمولدات الكهرباء الخاصة التي تم تشغيلها لتعويض النقص الناجم عن انقطاع الكهرباء العمومية، وحدوث جفاف في مناطق زراعية عديدة أدى إلى زيادة استهلاك مادة الديزل، بالإضافة إلى زيادة استهلاك القوات المسلحة من المشتقات النفطية في هذه الظروف. وقد أدت هذه المشكلة إلى مشاكل كبيرة تفاوتت نسبتها من منطقة إلى أخرى إلا أنها خلقت أوضاعاً خطيرة على كل القطاعات، خاصة القطاع الاقتصادي والخدمي.
حلول المشكلة:
لقد كان بإمكان الحكومة أن تحل المشكلة أو تخففها بأكثر من طريقة نذكر منها:
1- بعد المنحة السعودية كان بإمكان الحكومة اليمنية أن تعوض الكمية التي خسرتها من نفط مأرب، بحيث يتم تصفية 60 ألف برميل يوميا، وهو ما كان بإمكانه أن يكفي الاستهلاك لمدة 50 يوماً. إلى جانب ذلك كان بإمكان الحكومة أن تشتري مشتقات من الديزل والبنزين بنفس معدل مشترياتها في العام 2010، والتي كانت ستصل إلى مبلغ 230 مليون دولار. وهذا المبلغ متوفر من مبيعات النفط الخام الذي لم تتأثر صادراته بالأزمة كما سبق وذكرنا. وكان من شأن هذا الحل أن يحل الأزمة بشكل كامل.
2- كان من الممكن أن تحل الحكومة اليمنية المشكلة بنسبة 70% إلى 80% في حال قررت شراء نفط خام ومشتقات نفطية بما قيمته 180 مليون دولار في الشهر بعد وصول المنحة السعودية. فهذا المبلغ يوفر ما معدلة 9 مليون لتر من المشتقات في اليوم، وهذه الكمية تسد أكثر من 70% من الاحتياج المحلي من مادتي البنزين والديزل، وهو ما يعني التخفيف إلى حد كبير من حدة المشكلة.

3- في حال سمحت الحكومة للقطاع الخاص وشركة النفط باستيراد المشتقات النفطية من الخارج وبيعها بالسعر العالمي فإن الأزمة لم تكن لتتفاقم بالشكل الذي أصبحت عليه. ففي هذا الحالة كانت المشتقات ستتوفر في محطات الوقود بحدود 200 ريال للتر (4000 ريال للدبة 20 لتر) وهذا الوضع كان أفضل من الوضع الحالي الذي وصل سعر اللتر في السوق السوداء إلى 500 ريال.
4- كان بإمكان الحكومة أن تحول جزء من صادرات النفط المارة عبر الأنابيب الأخرى للاستهلاك المحلي، لتعوض نفط مأرب. إلى جانب ذلك فقد كان بإمكان الحكومة اليمنية أن تتفق مع الشركات الأجنبية المنتجة للنفط على شراء جزء من حصة هذا الشركات من النفط اليمني على أن تسدد لها القيمة في المستقبل. وهو أمر يمكن أن تقبل به الشركات النفطية التي تدرك أن أزمة المشتقات النفطية يمكن أن ينتج عنها مشاكل أمنية واقتصادية تؤثر على عمل هذه الشركات في اليمن.

مسؤولية الحكومة عن الأزمة:
لا يمكن الجزم دون أدلة قاطعة بأن الحكومة اليمنية قد تعمدت خلق الأزمة كما تذهب إلى ذلك أحزاب المعارضة. ومع ذلك هناك الكثير من القرائن التي تثير الكثير من الشكوك حول أداء الحكومة، والتي تصل في أحسن الأحوال إلى التقصير وعدم الكفاءة، وفي أسوئها إلى افتعال الأزمة وتدبيرها. ويمكن استخلاص هذه القرائن من خلال النقاط التالية:

1- بعد أن تم تفجير أنبوب النفط من قبل الشيخ علي جابر الشبواني، والذي قال إنه قام بذلك من أجل أن يعرف المسئول عن مقتل ابنه جابر الشبواني الذي قتل في مايو 2010 بطائرة أمريكية في حادث لا زال الغموض يكتنفه حتى الآن، كان من الطبيعي أن تبادر الحكومة اليمنية إلى حل هذه المشكلة بأي شكل من الأشكال، خاصة وأن أضرار تفجير الأنبوب يُلحق باليمن خسائر كبيرة جدا مباشرة وغير مباشرة وتمتد لسنوات طويلة قادمة، فحادثة كهذه ستؤدي إلى امتناع شركات النفط العالمية عن الاستثمار في اليمن مستقبلا. ولا يعقل أن أي حكومة لديها حس ولو متدن من المسئولية، لا تبادر بشكل جدي إلى حل مثل مشكلة كهذه. وكانت الحلول التي في يد السلطة كثيرة منها: التفاوض على مبلغ من المال مع الشبواني كما قامت به بعد حادث مقتل جابر الشبواني في العام الماضي. فبعد ذلك الحادث قام الشيخ علي الشبواني بتفجير أنبوب النفط وقطع خطوط نقل الكهرباء من محطة مأرب الغازية. وعلى إثر ذلك قام الرئيس بمراضاة الشيخ الشبواني بمبلغ 140 مليون ريال (700 ألف دولار) حسب ما ذكرت الأنباء في حينه. لكن السلطة في اليمن لم تحل المشكلة بهذه الطريقة عقب حادث تفجير النفط مباشرة، وهو أمر يبعث على الريبة، فلوا أن السلطات في اليمن دفعت للشبواني مبلغاً قريباً من المبلغ الذي دفع له في العام الماضي، فإن هذا المبلغ لا يساوي شيئاً أما الخسائر الكبيرة التي مني بها اليمن جراء توقف أنبوب النفط لمدة أربعة أشهر.
وكان بإمكان السلطة في حال رفض الشبواني الحل المالي أن تستخدم القوة المسلحة لإصلاح الأنبوب وهو إجراء كان سيلقى تأييدا شعبيا واسعا خاصة بعد استفحال أزمة المشتقات النفطية.
غير أن السؤال الذي يثير الريبة هو لماذا لم تقدم السلطة على حل هذه المشكلة خلال الأربعة أشهر الماضية؟ فلم نسمع عن مفاوضات جدية مع الشبواني أو قيام حملة عسكرية كبيرة ضده. وما يزيد من الشكوك، أن السلطة أعلنت في منتصف شهر يوليو أنها قامت بإصلاح الأنبوب دون أن توضح كيفية حدوث ذلك، فهل تم الاتفاق مع الشبواني على مبلغ مالي؟ فإن كان هذا ما تم، وهو الأكثر احتمالا، فلماذا لم تقدم السلطة على هذا الحل منذ بداية المشكلة؟ وهو سؤال يحتاج إلى إجابة مقنعة من قبل السلطة التي لا يمكن اتهامها دون دليل قاطع بأنها من دفع بالشبواني ليفجر أنبوب النفط إلا أن سلوكها تجاه هذه القضية يثير أكثر من سؤال.
2- أوضحنا فيما سبق للحلول التي كان بإمكان الحكومة أن تقوم بها لتحل الأزمة بشكل كامل أو جزئي، ولكون الحكومة لم تقدم على مثل تلك الحلول أو غيرها، فإنها تتحمل المسئولية عن هذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد. فما هي الأسباب التي دفعت السلطة في اليمن إلى عدم حل المشكلة وتركتها تتفاقم بهذا الشكل؟ وسنحاول في النقاط التالية تخمين هذه الأسباب.
- سبب مالي بحت يتعلق بعدم قدرتها على توفير مبالغ مالية كافية لشراء المشتقات النفطية، وإذا كان هذا الأمر صحيحاً إلى حد ما قبل وصول المنحة السعودية إلا أن هذا المبرر يسقط بعد وصول المنحة السعودية.
- سبب سياسي وهو الأكثر ترجيحا، حيث يعتقد كما تقول المعارضة أن السلطة قد تقاعست عمدا عن حل المشكلة من أجل أن ترسل رسالة للشعب مفادها أن حركة الاحتجاجات التي تطالب بتغيير الرئيس هي سبب الأزمة. وهو ما يردده الخطاب الرسمي منذ بداية الأزمة، وتهدف من خلال هذا الخطاب إلى تقوية موقفها وإضعاف موقف المعارضة.
- إلى جانب ذلك يمكن التخمين بأن السلطة قد تعمدت إبقاء الأزمة لسبب عسكري، يتمثل في تقييد حركة خصومها نتيجة نقص الوقود، ورغم أن الحرمان من الوقود أمر شائع في المنازعات العسكرية إلا أن هذا الأمر قد انعكس على مجموع السكان وليس المحاربين فقط، وهو سلوك يعد محظورا وفق القانون الدولي الإنساني الذي يتعامل مع هذا الإجراء على أنه جريمة حرب، في حال أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، ويصل الأمر إلى اعتباره جريمة إبادة جماعية في حال أدى إلى خلق مجاعة أو كارثة إنسانية ضخمة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
- توفير أموال للإنفاق السياسي والأمني؛ عند التدقيق في الحسابات المالية للحكومة نجد أنها قد تمكنت من توفير مبالغ إضافية، من جراء أزمة المشتقات النفطية، حين خفضت من واردات هذه المشتقات. ففي العام الماضي أنفقت الحكومة 77% من دخلها المتحصل من تصدير النفط الخام على شراء المشتقات النفطية (كما هو موضح في الجدول السابق) أما في الأشهر الماضية، فإن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن واردات المشتقات النفطية كانت لا تزيد عن 40% من إنفاقها المعتاد، وهو ما حقق لها وفرا ماليا كبيرا قياسا بالعام الماضي. فمجموع مبيعات الصادرات النفطية خلال الأشهر الأربعة الماضية كانت في حدود 12 مليون برميل، وقد بيعت بسعر خام برنت الذي تراوحت أسعاره خلال هذه الفترة ما بين 110 إلى 120 دولار للبرميل. وهو ما يعني أن قيمة هذه الصادرات تجاوزت 1300 مليون دولار. وفي حال افترضنا أن الحكومة اشترت نفط من الخارج خلال نفس الفترة بما قيمته 500 مليون دولار فإن ذلك يعني أنها قد حققت فائضاً يعادل 800 مليون دولار، وهو فائض كبير قياسا بالفائض الذي حققته العام الماضي، والذي لم يتجاوز 600 مليون دولار خلال العام كله. وتوفر هذا المبلغ الإضافي يجعلنا نستنتج أن الحكومة تعمدت تحقيقه كي تنفقه في الجوانب السياسية والعسكرية. والمتمثل في شراء الأسلحة وتجنيد أفراد جدد في القوات المسلحة والأمنية وشراء ولاءات المناصرين وإضعاف الخصوم.
من كل ما سبق يمكن القول وبشكل شبه أكيد، أن السلطة اليمنية كانت قادرة على حل أو حتى التخفيف من حدة هذه المشكلة، إلا أنها لم تقم بواجبها بالشكل الصحيح. ولمعرفة مسئولية الحكومة أو المعارضة عن هذه الأزمة يتطلب الأمر لجنة تحقيق محايدة تحدد مسئولية الحكومة والأطراف الأخرى التي تتهمها. فخلق أزمة بهذا الشكل سلوك إجرامي، ويمكن أن يصل إلى حد جريمة الإبادة الجماعية في حال أدت هذه المشكلة إلى حدوث مجاعات وضحايا على نطاق واسع، فالتعريف القانوني لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية تشمل الجهات التي تخلق ظروف المجاعات والكوارث الإنسانية، وهو السلوك الذي اتبعه بعض الطغاة، كما حدث خلال حكم (جوزف ستالين) للاتحاد السوفيتي.

لقد أدى تعامل السلطة مع الأزمة النفطية إلى تقوية حجج المطالبين بالتغيير، فعلى افتراض أن السلطة كانت راغبة في حل المشكلة، ولكنها لم تقدر، فهذا في حد ذاته مؤشر من مؤشرات عدم أهليتها للحكم، فالعجز عن إدارة الشأن العام سبب كاف للتغيير. أما في حال كانت السلطة قادرة على حل المشكلة ولم تقم بذلك، أو أنها كانت بشكل من الأشكال تقف خلفها، فإن هذا السلوك يعد جريمة تستوجب العزل والمحاكمة. فمن غير المقبول أن يستمر نظام سياسي يمارس التخريب والعقاب الجماعي على شعبه.
إن من أهداف حركة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير خلق ظروف سيئة للنظام السياسي تُصعب عليه الاستمرار في الحكم. وما يساعد على هذا الفعل الأخطاء التي يرتكبها النظام السياسي بحق نفسه، حين يقوم باتخاذ سياسات تفاقم المشاكل في الدولة. وقد أدت أزمة المشتقات النفطية، بغض النظر عن المتسبب فيها، إلى خلق مثل هذه الظروف، فالشلل الكبير الذي أحدثته الأزمة في البلد، يشبه إلى حد كبير حالة العصيان المدني التي يدعو لها المحتجون، فإن كانت الحكومة هي من تقف خلفها فإنها قد قامت بتنفيذ العصيان المدني بنفسها، على حد ما أشار إليه أحد الكتاب.

في التجربة المصرية، كان من أسباب سقوط نظام مبارك بذلك الشكل وفي تلك الفترة القصيرة، سوء إدارته للأزمة، فحين قام بخلق حالة من الفراغ الأمني، عبر سحب القوات الأمنية وإخراج السجناء، فإنه فاقم الأزمة على نفسه، مما عجل بخروجه المدوي. ويمكن أن تكون أزمة النفط وغياب الخدمات بمثابة سوء تقدير من قبل النظام ومن الخطايا الجسام التي ارتكبها في حق نفسه، حيث تزيد الضغوط عليه، وتقدم لمعارضيه حججاً إضافية للمطالبة بتغييره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.