شخصيا، أقبل بنصف ثورة سلسة في اليمن، لسبب بسيط ، هو أن هذا النصف ، سيأتي بالنصف الآخر، لكن.. هذه الحقيقة، كما ندركها نحن ، يدركها صالح أيضا، ولذا لن يسمح حتى بربع ثورة . تقديم إصلاحات حقيقية، هي مقدمة ثورة شاملة، هذا ما يعيه صالح ، وهذا ما يجعل كل الأنظمة الديكتاتورية، ترفض تقديم تنازلات، على مدى سنوات حكمها، وحتى مع اندلاع الثورة تستميت في عدم تقديم إصلاحات، إلى أن يسقط النظام بكامله، وهو أمر يستدعي عجب البعض من غباء هذه الأنظمة ، التي ترفض تقديم بعض التنازلات ، لحفظ ما تبقى من السلطة. موقف الديكتاتور نابع من ذكاء، لمعرفته بطبيعة نظامه الذي لا يقبل التطعيم، دون أن يؤدي ذلك إلى تفككه، وصالح يعرف بأن خرم إبرة من إصلاح سيجلب معه عاصفة من الثورة، الإصلاحات والثورة سيان لدى صالح، لأن نتيجتهما واحدة .. إسقاط النظام .. وهذا هو الخط الأحمر، الذي لا سماح به ، بالجملة أو .. بالتقسيط. قدر الديكتاتور، أن يقاتل عن ظلمه وفساده كله، حتى يسقط جميعه، فللحفاظ على الكرسي، يجب عدم السماح بتسرب ما يمكن أن يخلخل بنية النظام . هذا فقط ما يفسر مثلا هذا التعاطي المجنون للنظام السوري أمام المطالب الإصلاحية ورفضه تقديم أية إشارات حقيقية رغم كل هذه الضغوط ، فالإصلاح الجزئي، سيظهر مقدار الفساد الذي كان قائما، وينتج شروط الثورة عليه، ولذا فالقتال ضد الثورة والإصلاح، هو إستراتيجية الديكتاتور، وما عداها فهي مناورات. صالح هنا يعرف أن نظامه لا يقبل التطعيم، دون أن يؤدي ذلك إلى تفككه، انه يعتقد بأن خرم إبرة من إصلاح سيجلب معه عاصفة من الثورة، الإصلاحات والثورة سيان لدى صالح ، لأن نتيجتهما واحدة .. إسقاط النظام .. وهذا هو الخط الأحمر، الذي لا سماح به ، بالجملة أو .. بالتقسيط. جربنا إحداث اختراق سلس في بنية النظام، منذ عشرين عاما دون جدوى ، أغرتنا دعوى سلاستها ، وبعدها عن العنف ، ومع كل إخفاق عاودنا التجربة، ولم تثمر سوى تمديدا للنظام الفاسد لكي يطيل عهده وكارثتيه، سايرنا الكذاب إلى باب السفارة الإماراتية فاتضح بأنه يريد أن يسايرنا هو إلى الجحيم . تأكدنا من أن الخيار السلس، ليس سلسا إطلاقا، لأنه مرفوض، جملة وتفصيلا، من قبل صالح، مثله مثل الخيار الثوري، وانظروا لحادثة محاصرة سفارة الإمارات من قبل أنصار صالح ، وفيها السفير الأمريكي وسفراء الخليج ؟ هي رسالة في المدى الذي يمكن أن يمضي فيه صالح ضد المعارضة والعالم أجمع، إذا هددت سلطته حتى بالخيار السلس الذي أعلن قبوله به. فشل الخيار السياسي شعبيا منذ خروج الجنوبيين للمطالبة بالانفصال يأسا من خيار عبثي لا يوصل سوى لنتيجة واحدة . على مدى عشرات السنين، لقد حسم الجنوبيون خيارهم صوب الخيار الثوري ، وفيما كان المشترك ممعنا في المسار السياسي الذي لم يثمر شيئا كانت الجماهير تبحث عن "خراجها" بعيدا عن المشترك بل وصل الأمر إلى بنية أحزاب المشترك التي بدأ أعضاءها الجنوبيون يتحدثون بذات النغمة الانفصالية . اليوم، لدينا هذه المبادرة الفخ، التي قدمها صالح في ظرف استثنائي، في لحظة تهاوي نظامه، حينما شعر صالح بأن الجيش سينقلب عليه، .. واستغاث بالخليجيين لضمان نجاته، وحالما توقفت الانشقاقات ولم تصل إلى الحرس الجمهوري عاد إلى طبعه، وقد نقضها صالح ورفضها بأكثر من طريقة، وها هو صالح يتحدث بعيدا عن المبادرة والقربي يهدد بالحرب الأهلية إن أرغم صالح على التنحي، وكأننا كنا نلعب "الغماية" على مدى ستة اشهر بل الواقع ان صالح يلاعبنا ذات اللعبة التي بدأها منذ عشرين عاما . السياسيون أوقفوا الثورة في الساحات لأجل نصف ثورة سلسلة، وارتضى الشباب ذلك ضمنا رغم تشكيكهم بجدواها. لكن هل نحن مخيرون بين ثورة كاملة عنيفة أو نصف ثورة سلسة؟ من يضمن لنا انتقال سلس وإصلاحات يوافق عليها صالح ؟ .. الوسطاء من الخليجيين والأمريكان؟ هؤلاء، فشلوا منذ سنوات في إقناع صالح ، وهو على كرسي الرئاسة ، بإحداث إصلاحات لإبعاد اليمن من الانهيار، وتصريف أموال المنح والمساعدات في مصارفها التنموية.
إن كانوا فشلوا في الضغط على صالح وهو على كرسي الحكم .. فقط لإحداث إصلاحات .. فهل ينجحون في الضغط عليه لإسقاط نفسه ؟. صالح لم يتنازل والجماعة لم يضغطوا ، عادوا اليوم من جديد يتحدثون عن الحوار ، الوسطاء أنفسهم غير قادرين على فعل شيء او غير راغبين ، إنهم يناشدون صالح الذي لا يقبل المناشدة بل يرد بحزم ووضوح . ومع كل خيبة كان ما يفعله الوسطاء هو حث المعارضة على أن يكونوا عقال فحسب، وظل جنون صالح طليقا حتى انبعث جنون الثورة لصد الفساد وإيقافه. انتهت المهلة .. هذا منطق الشباب ، وهذا ما يريدون أن يقوله الجميع للرئيس، لقد بذلت أحزاب المعارضة، مع الرئيس صالح، أضعاف ما بذله الزبيري ورفاقه، مع الإمام احمد، في محاولة إقناعه، بإحداث إصلاحات ضرورية، .. الزبيري وصحبه، حين أدركهم اليأس من الإمام، حسموا أمرهم، وفق رؤية حاسمة: الثورة على نظام لا أمل في إصلاحه، .. ونصف المسار سلكته المعارضة، مع الرئيس صالح، الذي سعى للتمديد والتوريث، ورفض أية خطوات إصلاحية. اليوم، يقوم الشباب بالنصف الآخر، الثورة ، لقد وصلت المعارضة، منذ سنوات، إلى طريق مسدود، بينما ظلت تجاري مناورات الرئيس، "لعل وعسى"، مؤملة في إحداث اختراق في بنية النظام الفاسد.. و لتصل في النهاية إلى .. لا شيء. وكما لم يستجب الإمام لن يستجيب الرئيس، يؤكد الشباب ، ولذلك فالمسألة عندهم محسومة وواضحة .. آخر العلاج الكي.