قال المدير العام لقناة الجزيرة القطرية الفضائية وضاح خنفر يوم الثلاثاء انه سيترك الشبكة دون أن يذكر سببا لرحيله في وقت لعبت فيه تغطية القناة دورا مهما في حركات الاحتجاج التي لم يسبق لها مثيل والتي هزت العالم العربي. وقال خنفر في مذكرة استقالة ارسلها بالبريد الالكتروني الى العاملين بقناة الجزيرة ونشرت ايضا على حسابه الشخصي على موقع تويتر انه قرر الرحيل.
وقال خنفر انه كان يناقش منذ فترة مع رئيس مجلس الادارة رغبته في ان يعتزل الادارة مشيرا الى انه تفهم رغبته وقبل قراره.
ومنذ انطلاق قناة الجزيرة في عام 1996 أصبحت أكثر القنوات الاخبارية الفضائية جذبا للمشاهدين في الشرق الاوسط. وواجهت باستمرار صعوبات مع حكومات غربية وعربية في منطقة تشدد فيها الحكومات تقليديا السيطرة على وسائل الاعلام الرسمية.
وتبث الجزيرة التي تمتلكها الحكومة القطرية تغطية متواصلة للانتفاضات التي اسقطت حكاما مخضرمين في تونس ومصر وليبيا هذا العام وتقدم القناة نفسها على انها صوت الديمقراطية في المنطقة.
ويقول منتقدون انها أكثر ترددا في تغطية الاحداث الاقرب من مقرها في الخليج وان كانت غائبة بشكل ملحوظ اثناء شهر من الاحتجاجات المماثلة في البحرين التي سحقتها الحكومة في منتصف مارس اذار.
واستقال مدير مكتب الجزيرة في بيروت غسان بن جدو في ابريل نيسان لخلافات فيما يبدو بشأن تغطيتها للانتفاضات التي امتدت أيضا الى سوريا واليمن.
ووصفت برقيات دبلوماسية امريكية مسربة القناة بأنها أداة في أيدي الدبلوماسية القطرية. ولعبت القناة دورا مهما في زيادة مكانة هذه الدولة الخليجية الغنية الصغيرة.
نص رسالته التي ودع فيها زملاءه من العاملين فى الشبكة الزملاء الكرام:- خمسة عشر عاما قاربت على الانقضاء منذ أن أطلت شاشة الجزيرة على جمهورها قوية مدهشة ومتميزة، ومنذ اليوم الأول قطعت الجزيرة على نفسها عهدا ووعدا بأنها مستقلة شعارها الرأى والرأى الآخر، ولعل كلمتى الإعلام والاستقلالية كانتا فى ذلك الوقت من الأضداد التى لا تجتمع، فالإعلام الرسمى العربى كان قد أفسد صورة الصحافة فى أذهان الناس، وحوّل الإعلامى إلى أداة طيعة فى أيدى الحكومات، ولذا لم يكن يسيرا على مشاهدى الجزيرة أن يصدقوا وعد القناة ولا عهدها.
ومرت الأيام فإذا الجزيرة وفية بوعدها، وإذا الأنظمة الفزعة من هذا المخلوق الجديد تحاربه بكل صرامة، بالإشاعات أولا، ثم بالاحتجاج لدى الحكومة القطرية، ثم بالاستهداف المباشر لمراسلى القناة ومكاتبها، وصولا إلى الاعتقال وإغلاق المكاتب، ثم فى حجب إشارتها والتشويش على بثها، كل ذلك والجزيرة ماضية فى طريقها التحريرى القويم، كلما وقع عليها أذى ازدادت عنفوانا.
فلما رأى المشاهدون سيرة القناة مع أهل السلطة والنفوذ، وأيقنوا أن الجزيرة قد انحازت لهم فى شوقهم القديم للتحرر والكرامة والانعتاق، وأن شاشتها تنتمى إلى عالمهم هم، ليست وافدة مما وراء البحار، ولا حاملة لأية أجندة سياسية أو حزبية أو أيديولوجية، وأنها تؤمن بمنح الجميع صوتا، حتى أولئك الذين آذوها واعتقلوا أبناءها، عندها وعندها فقط منحوها ثقتهم.
شارعنا العربى ليس كما رآه الزعماء والملء من أعوانهم: سوقة ودهماء وغوغاء وأتباع كل ناعق، بل هو شارع ذكى ومسيّس، يدرك بفطرته السليمة ما لا تدركه النخب ولا أهل النفوذ، والثقة التى منحها الناس للجزيرة كانت عن سابق وعى وتمحيص، ومع ذلك فلن يكون جمهورنا رفيقا بنا إن أخطأنا، وهذا خير ضمان لاستمرار الجزيرة فى طريقها ونهجها، ذات النهج الذى قضى من أجله طارق ورشيد وعلى حسن الجابر، ومكث فيه تيسير وسامى فى السجن بضع سنين، ومن أجله اعتقل وعذب وأبعد كثير منكم.
الزملاء الكرام، اسمحوا لى أن أشيد فى هذه المناسبة بكل زميل وزميلة من أبناء الجزيرة. فلولا مثابرتكم وإيمانكم برسالتها لما وصلت إلى ما وصلت إليه، وقد وصلت اليوم بقنواتها ومكاتبها ومواقعها ومؤسساتها شأوا رفيعا تغبطها عليه مؤسسات إعلامية سبقت إلى الوجود وما سبقت إلى عقول الناس وقلوبهم.
وعلى المستوى الشخصى أكمل ثمانية أعوام فى إدارة المؤسسة، بعدما عملت قريبا من الناس مراسلا فى إفريقيا وأفغانستان والعراق، وانزرع فى وعيى منذ تلك الأيام أن الصحافة الحرة الحقة هى تلك التى تضع الإنسان فى مركز اهتمامها، درس تعلمته وتعلمه كل مراسل للجزيرة وكل عامل بها، وهو ما آليت على نفسى أن أحافظ عليه فى السنوات الثمانى الماضية: غرفة أخبار مستقلة تحترم عقول المشاهدين وتنحاز إلى وعيهم الجمعى بمهنية ومسئولية.
الفضل يعود إليكم وإلى اقتراحاتكم وتشجيعكم فى أن انتقلت الجزيرة فى السنوات الأخيرة من قناتين إلى شبكة من القنوات تزيد على خمسة وعشرين، وتبث بالعربية والإنجليزية وقريبا بالتركية والسواحيلية ولغة أهل البلقان، وكنتم أنتم من أعان فى تشييد بنية مؤسسية حديثة وراسخة، احترمت العاملين فيها وقدمت لهم ما يستحقونه، ثم بجهدكم الدؤوب استطعنا أن نصل ببث الشبكة إلى مئات الملايين حول العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة التى اتهم وزير دفاعها السابق الجزيرة بأنها كاذبة وشريرة، والتى عادت وزيرة خارجية إدارتها الحالية لتشيد بتغطيتها وتصفها بأنها تقدم أخبارا حقيقة.. لم يفل الوصف الأول من عزم الجزيرة، ولم يَغُّرها النعت الأخير، فالجزيرة هى الجزيرة لم تتبدل ولم تتغير.
إنهم مراسلو الجزيرة المنبثون فى أصقاع الأرض وصحفيوها ومنتجوها ومذيعوها وكل العاملين بها من قدم للعالم تغطية مدهشة للأحداث فى حرب أفغانستان والعراق ولبنان وغزة ومقديشو، وهم من نقل الصور الأولى لكارثة تسونامى والمجاعة فى النيجر، وكثير غيرها، وفى عامنا هذا كنتم من أدهش العالم ونقل أنظارهم وأفئدتهم إلى ميادين التحرير والتغيير من سيدى بوزيد إلى جسر الشغور، فى ثورة عربية سطر الشباب فيها أسمى وأنبل ملحمة عاشتها أجيالنا، لا تزال تؤتى ثمارها كل حين، ماضية إلى منتهاها: عزة وكرامة وانعتاقا من أغلال الاستبداد وأوثان الديكتاتورية.
وكنت محظوظا فى سنواتى الثمانى الماضية أن جمعتنى بمجالس إدارة الجزيرة علاقة عمل متميزة، وكان لخبرة رئيس المجلس، سعادة الأخ الشيخ حمد بن ثامر آل ثانى، وسديد نظره وكريم خلقه ورحابة صدره ودعمه اللامحدود للجزيرة والعاملين بها، الأثر الأجل فى استقرار المؤسسة ونموها وثباتها على درب الإعلام الحر.
وما كان للجزيرة أن تحقق ما حققت لولا الرعاية التى أولتها قطر شعبا وقيادة للجزيرة، فقد احتملت فى سبيل الحفاظ على استقلالية الجزيرة أذى كبيرا، ومع ذلك استمرت قطر فى تقديم الدعم المشكور من غير منة، ووقفت إلى جانب العاملين فى المؤسسة بما يليق بكريم خلق قطر وأهلها.
ولأن الجزيرة قوية بمنهجها، ثابتة بانتماء أبنائها، راسخة فى مؤسستها، محروسة بوعى مشاهديها، لا تتغير بتغير موظف ولا مدير، ولأن ثمانية أعوام من العمل الإدارى كافية لتقديم ما لدى القائد من عطاء، وأن مصلحة المؤسسات كما هى مصالح الدول، تحتاج إلى تداول وتعاقب، فتحا لرؤى جديدة، واستجلابا لأفكار مبدعة، فقد كنت قد تحدثت مع رئيس مجلس الإدارة منذ زمن عن رغبتى فى أن أعتزل الإدارة عند انتهاء السنوات الثمانى، وقد تفهم مشكورا رغبتى هذه، فها أنا ذا اليوم أمضى من موقعى إلى ميدان آخر جديد، أستلهم فيه روح الجزيرة ورؤيتها، وأنقل ما تحصل لى من تجربة وخبرة، مستمرا فى الدفاع عن الإعلام الحر النزيه، منافحا عن أخلاق المهنة وميثاقها، معتزا ما حييت بكم جميعا، ممتنا لجمهور الجزيرة ممن أحبنا وأحببناه، والذى كان ملهما لى فى المضى قدما رغم كل الضغوط والصعوبات.
وأبارك للمدير العام الجديد متمنيا له التوفيق والسداد فى قيادة المؤسسة والمضى بها نحو آفاق أوسع، وبتعاونكم جميعا معه فإن الجزيرة ستكون بحول الله على الدوام منارة للإعلام الحر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم/ وضاح خنفر