التخلف عادة ما يكون شاملا.. ومثلما ليس لدينا علماء مرموقون في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وشتى أنواع العلوم والمعرفة، فلا غرابة أن يكون عامة "علماء" الدين بمستوى أقل مما تقتضيه قضايا العصر وتحديات المستقبل، وحاجات المسلمين ومتطلبات نهوضهم. وهناك "رجال دين" مسلمين بمستوى معقول من الإدراك في كل الطوائف والمذاهب والإتجاهات الإسلامية، لكن عادة ما يكونوا عرضة للتهميش والقمع الذي يزهدهم في الخروج عن المألوف والمعتاد وإن كان في ذلك خدمة لدينهم وأمتهم .. في 2002، أعدت الأممالمتحدة تقريرا عن التنمية البشرية في العالم العربي، وأظهر التقرير صورة مزرية لحال العرب في كل مجال ومن ذلك غياب الحكم الرشيد القائم على سيادة القانون والعدل والمساءلة والشفافية.. وعلق حينها محرر مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة، متسائلا، عن دور الإسلام في تخلف العرب؟!.. ومن اليسير تبرئة الإسلام الحنيف عن مسؤولية التخلف الذي يعاني منه العرب، لكن من الصعب تبرئة إرث المسلمين الفقهي واجتهادات كثير منهم في الماضي والحاضر عما يحيق بهم من تشرذم وفساد واستبداد وتشويه وتخلف ..
بدأت نهضة الغرب بإصلاح ديني تبناه مارتن لوثر الذي تعمق في فهم القرآن كما قال محمد عابد الجابري، وقاد طائفة كبيرة من المسيحية إلى فهم للدين قريب من روح الإسلام الحقيقية، وكانت البروتستانتية هي الحاضنة للثورة الصناعية في أوروبا، حيث لم يعد هناك تضارب بين الإيديولوجيا والتكنولوجيا وفقا ل- "لستر ثارو" ، مقارنة بالصين التي كانت مهيأة لاحتضان الثورة الصناعية في القرن السادس عشر لولا إعاقة أيديولوجيتها الكونفوشيوسية المحافظة التي كانت سائدة في الصين آنذاك.. في سياق الفهم المشوه لدين الإسلام العظيم في زمننا، تأتي كثير من المواقف والفتاوى التي تقدم الإسلام للعالم دينا يكره الآخرين، ويهادن فساد الحكام ويمجد الطغيان ويؤله الإستبداد ويناصر الظلم ويقمع الشعوب ويضيق بالحرية، وتلك حال أشبه بالكهنوت الذي لفظه العالم منذ قرون . مع كثرة من يدعون العلم بالدين الإسلامي وازدياد شيوخ الإسلام عن حاجة المسلمين في أيامنا لا أعرف إلا قليلا ممن صدر عنهم بيان الموالاة، وعدم جواز الخروج على الحاكم بالقول والفعل تحت أي ظرف ومهما كان الظلم والفساد والجور، كما يفهم من البيان.. وفضلا عن الضرر البالغ الذي يسببه بيانهم لأهل اليمن، فإنهم يسيئون إلى دين عظيم ويسهلون على أعدائه التقليديين النيل منه.. إذ، ما الذي يجلبه من فخار للمسلمين، وخير للبشرية، دين – أو بالأصح فهم قاصر لدين عظيم- يرى عدم جواز الخروج على الحاكم تحت أي ظرف.. أسمحوا لنا أيها السادة أن نقول لكم، ببساطة، إن هذا فهما لا يجوز وموقفا لا يليق وفتاوى لا تلزم أحدا. ولأنكم من بني جلدتنا ومسلمين كذلك فإننا نعتذر للعالم وللتاريخ وللأجيال القادمة ولدين الله عن فهم وموقف كهذا، أما الأضرار والمخاطر التي ستتعرض لها البلاد والعباد جراء ذلك فيجب أن لا ترتاح لها ضمائركم يوما أبدا، خصوصا وقد أجزتم القمع والتنكيل لمن يطالب بالحرية معتصما أعزلا ومسالما.. عزاؤنا أن غالبية أمة المسلمين في بلدان عدة، قد تحررت من هذا الفهم الجائر لدين العدل والحرية، وقد انتقد بيانكم ولامكم كثيرون ومنهم الأزهر الشريف الذي ناصر الثورة المصرية وآزرها ولا يزال.