كلما قرأنا في التاريخ أو في السير الشعبية اليمنية أو العربية المحكية أو المكتوبة؛ نكتشف عظمة اليمن عبر تداول العرب والغرب لتاريخ هذا البلد العظيم ومناضليه مثل التبع أسعد الكامل وذو نواس الملك اليمني الذي رفض الظلم والاستعمار بصرف النظر عن نهايته، وسيف بن ذي يزن الذي ناضل وقاوم الاستعمار الحبشي حتى تحرر اليمن منه، وبلقيس الملكة الحكيمة التي أسست للحياة الديمقراطية في هذا العالم ومنذ قدم التاريخ، والملكة أروى بنت أحمد الصليحي التي عملت على توحيد اليمن، والشوكاني، وابن الأمير اللذين ملأا الكون علماً، وكتبهم تعد من أهم المراجع العلمية الدينية حتى اليوم، وإلى ما شاء الله، وعبد الرزاق الصنعاني الذي كان يعد منهلاً في علم الحديث، وكان كعبةً يزورها كل طالبي العلم، والزبيري، والمقالح والبردوني الذين جعلوا اليمن حاضرًا في عقول وأذهان من يعشقون الأدب والفكر والنضال في العالم، وغيرهم من الأسماء كثير في مجالات الحياة شتى. وما نذكره هنا ليس الا قطرةً من بحر اليمن الزاخر في مجالات العلم والأدب والفكر والفن والنضال. وحينما نستعرض تاريخ العربية السعيدة نجد أنها البقعة التي شكلت محورً عالمياً لعب دوراً هامً على المستويين الاقتصادي، والسياسي إذ إنها من أسست لطرق التجارية وحمتها، وكان قرارها السياسي مستقلاً يصدر وفقاً لأهواء، ورغبات اليمنيون الناجمة عن مصالح اليمن العليا. وفي العصر الإسلامي، ومنذ زمنه الأول استبشر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفهم بأوصاف كثيرة تدل على شدة احترامه لهم، وامتداحه لقدرهم فهم كما يرى أجناد الأرض وأهل المدد وأهل الإيمان والحكمة، وبلدتهم (اليمن) كما ذكرت في القرآن هي البلدة الطيبة، وهي أيضاً مثلما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن نَفَس الرحمن يأتي منها. كما أن اليمنيين شاركوا في الفتوحات الإسلامية إذ حملوا على عاتقهم نشر السلام في العالم بدعوة الإنسانية إلى الإسلام. و هذا كله يوضح أن اليمن معلوم للجميع إذاً كيف أصبح مجهولاً؟
أعتقد أن هذا الأمر نتج عن عدة أسباب أولها: انصراف اليمنيين عن الشأن السياسي المتعلق بالسلطة، واهتمامهم بتأمين حياتهم، وأسرهم في حين أن النزاع والصراع على كرسي الحكم قد شغل الأمراء في الكيفيات والأساليب والوسائل التي تدعم وتحصن وتحافظ على الكرسي لأحدهم حتى خروج الأتراك، وتولي السلطة من قبل أسرة آل حميد الدين التي عزلت اليمن، وحولته إلى بؤرة للتخلف والجهل والفقر والمرض. ثانيها: أن انتصار ثورة سبتمبر قد أزاح حكم الإمامة لتحل بدلاً عنه إمامية جديدة ٍ بلباس جمهوري عدا فترتي الإرياني والحمدي، وما بعدهما عاد إلينا حكم الإمامة بثوب الجمهورية الذي أساء إلى اليمنيين، وشوه تاريخهم، وأظهرهم بوصفهم فقراء متسولين يستندون إلى العنف، والسلاح في حياتهم معتمدين على القبلية المشوهة التي تتنكر للأخلاق والأعراف والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، فضلاً عن ممارسة نظام صالح للاضطهاد والقمع ومصادرة الحريات وسلب الحقوق وامتهان الكرامة وحرمان اليمني من القيام بأداء واجبه نحو وطنه والمشاركة في رفعته وعزته، حتى لا يفكر في السياسة وأمور الحكم ليحتكر علي صالح وعائلته هذا الأمر. إذاً بعد أن كانت اليمن معلومةً، أصبحت مجهولةً بسبب هذا النظام الفاسد. ولكنها عادت من جديد لأن تكون معلومةً للعالم بفضل ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية التي أشعرت العالم من جديد بهذه البقعة من الأرض، وشعبها الحر الحكيم الذي واجه النظام الفوضوي، وآلته القمعية بقوة السلم المتمثلة بالصدور العارية، والأيادي البيضاء، وتوج هذا الأمر بحصول أحدا قادة الثورة السلمية على جائزة نوبل لسلام، وهي أختنا العزيزة توكل كرمان التي جعلت من اليمن يسطع فوق الخريطة الإنسانية بعد أن كان مجهولاً وعلى هامشها. ولنعمل جميعاً على أن تبقى بلدنا بعد نجاح ثورتنا السلمية في مقدمة الركب الحضاري الإنساني لتعيش اليمن أبية بثوارها كريمةً برسالتها السلمية نحو الإنسانية. المصدر أونلاين