تأخر الرئيس علي عبدالله صالح في الترحيب بالقرار الأممي رقم (2014)، رغم أنه «متوازن ويؤكد نجاح الدبلوماسية اليمنية»، حد وصف عبده الجندي الناطق باسم الحكومة، عبده الجندي الذي سبق وأن طالب مجلس الأمن بأن يكون «متوازناً» في قراره. اتفقت تفسيرات السلطة والمعارضة حول قرار مجلس الأمن، حيث وصفه الطرفان بأنه «إيجابي». وهذا التفسير الواحد لمضمون القرار، يفصح عن حالة إجماع على رحيل «صالح».. إذ أن القرار، بحسب سوزان رايس، المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأممالمتحدة هو «رسالة قوية إلى الرئيس صالح مفادها أن الوقت قد حان ليصغي للنداءات المشروعة للشعب اليمني لنقل سلمي ومنظم للسلطة نحو يمن موحد وآمن ومستقر وديمقراطي». ودعت الخارجية الفرنسية، في بيان لها، عقب صدور القرار، دعت الرئيس صالح « للاستماع إلى رسالة المجتمع الدولي القوية، وأن يرقى إلى مستوى مسؤوليته والموافقة فوراً على التنفيذ الكامل لعملية الانتقال السلمي للسلطة لتلبية تطلعات الشعب اليمني والسماح بتوحيد اليمن القائم على الاستقرار والأمن والديمقراطية». اللغة الرسمية والمفردات هي ذاتها التي رحبت بالمبادرة الخليجية أكثر من 3 مرات منذ إبريل الماضي، والأشخاص هم أنفسهم. لكن الرئيس صالح، هذه المرة، لم يرحب بالمبادرة، التي تحولت إلى قرار دولي.. ويوم الاثنين نقلت وكالة الأنباء اليمنية عن الرئيس ترحيبه، لكن ترحيبه المتأخر جاء بالأسلوب ذاته الذي اعتمده صالح في كل ترحيباته السابقة بالمبادرة الخليجية الممتدة لأكثر من 6 أشهر.. ورغم ظهور صالح بعد وقبل صدور القرار الأممي، إلا أن الرجل بدا متحدياً، حيث، وقال في كلا الحالتين مجتمعاً بقيادات الدفاع والداخلية: «إن هناك مؤامرة على الوطن».. قبل صدور قرار مجلس الأمن، هاجم صالح سفراء الدول الكبرى وبعد صدور قرارها، ظهر صالح مجتمعاً بالقيادات العسكرية والأمنية نفسها، وتجاهل القرار. لكن الناطق باسم حكومته، عبده الجندي، وفي اليوم نفسه قال: «إن الدول الكبرى تأكد لنا إنها تعرف كل صغيرة وكبيرة عن اليمن». وأضاف الجندي: «من لا يجلس على مائدة الحوار فسيكون هدفاً للقرار القادم». يبذل نظام صالح جهوداً حثيثة للتهوين من فحوى القرار، خشية أن ينفض الناس من حوله.. وتبدت حالة الخوف والقلق واضحة في اللغة الرسمية التي ظهرت في بيانات السلطة، وعلى ألسنة الناطقين باسمها، فتارة يوصف القرار بأنه «متوازن» وتارة ب«الإيجابي»، هكذا يظهرون قرار مجلس الأمن لدرجة أن وسائل إعلام السلطة قالت مخاطبة الرأي العام المحلي: «إن قرار مجلس الأمن الدولي جاء ضربة قوية للمعارضة». لكن تصريحات المجتمع الدولي، بلا استثناء، التي أعقبت صدور هذا القرار، وضعت حداً لمثل هذه التفسيرات. وقال المتحدث باسم للبيت الأبيض جاي كارني: «إن المجتمع الدولي بعث اليوم برسالة موحدة لا لبس فيها للرئيس صالح بأنه يجب أن يستجيب لتطلعات الشعب اليمني من خلال نقل السلطة على الفور». وأكد قائلاً: «إن الولاياتالمتحدة تقف مع الشعب اليمني وسوف تعمل مع الشركاء الدوليين لتوفير المساعدات الملحة إلى اليمن من خلال تنفيذ عملية انتقال سياسي». الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الوقت نفسه وعبر الناطق باسم وزارة الخارجية «مارك تونر» وفي بيان مفصل، قالت: «إن رسالة المجتمع الدولي إلى الرئيس صالح واضحة وموحدة على أن الوقت قد حان للرئيس صالح بالسماح للشعب اليمني بحياة خالية من العنف وانعدام الأمن». وفيما وصف البيت الأبيض القرار ب«الإجراء القوي»، وقالت بريطانيا «إن القرار يحمل بعض الرسائل الصارمة»، رحبت روسيا والصين والاتحاد الأوروبي به، وقالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية كاترين آشتون: «إن الاتحاد الأوروبي إلى جانب شركائه الدوليين سيقوم بمراقبة تقدم اليمن في تطبيق هذا القرار». كما دعا مجلس التعاون الخليجي الرئيس صالح إلى «التنحي وتنفيذ المبادرة الخليجية للدخول في عملية تقود نحو انتقال سلمي للسلطة». وأكد الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني في بيان صادر عنه «ترحيبه بقرار مجلس الأمن» الذي يؤدي إلى توقيع المبادرة الخليجية «في أقرب وقت ممكن». وقال الزياني إن ذلك «يتطلب التزام الرئيس اليمني أو من ينوبه بالتوقيع الفوري على المبادرة منعاً للمزيد من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التي أصبحت لا تحتمل المزيد من التأخير». وقالت سوزان رايس، المندوبة الأمريكية لدى الأممالمتحدة في تصريح صحفي عقب صدور القرار: «إن صالح تعهد مراراً وتكراراً بالتوقيع على المبادرة الخليجية، واليوم يوضح مجلس الأمن للرئيس صالح بأن تلكؤه المستمر يضعف بلده ويعرض المستقبل السلمي والديمقراطي للشعب اليمني للخطر».. والتفسير ذاته لتدهور الأوضاع في اليمن عند بريطانيا، فقد اعتبرت الحكومة البريطانية قرار مجلس الأمن بشأن اليمن «إشارة واضحة من المجتمع الدولي بأن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية المتدهورة في اليمن هي نتيجة مباشرة لإحجام الرئيس صالح عن الموافقة على تسوية سياسية». وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ: «إن العالم يراقب عن كثب الوضع في اليمن وعلى من يرتكبون جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان أن يدركوا بأنهم سوف يحاسبون على أعمالهم». وبخلاف ما كان يتوقعه الرئيس صالح حظي قرار مجلس الأمن الدولي بإجماع حيث ولم تعترض أي دولة، كما ولم تتحفظ، بما في ذلك روسيا والصين، الدولتان اللتان سبق وان اعترضتا القرار الخاص بسوريا، واللاتي استثناهما الرئيس صالح من «التعصب» الأسبوع الماضي.. وبعد صدور القرار رحبت موسكو به مثلها مثل أي عاصمة أوروبية. لم تعد قضية نقل السلطة في اليمن شأناً داخلياً فقط ولا مثار اهتمام إقليمي وعربي، وإنما بات القلق من تدهور الأوضاع في هذا البلد، شبحاً يفزع العالم.. وهي المرة الأولى التي يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع تجاه اليمن، مدفوعاً بالخوف على الأمن والسلام الدولي جراء تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية داخل هذا البلد الهام والمسلح والفقير، الذي يحتل موقعاً أساسياً في خارطة العالم.. وقال مندوب ألمانيا في الأممالمتحدة إن قرار مجلس الأمن حول اليمن «ليس بلا أنياب بل إنه مهم ويحمل عدة رسائل ويدعو صالح إلى أن يسلم السلطة فوراً». وقال المندوب الألماني في تصريح لقناة «الجزيرة» «بأن هذه خطوة أولى» مؤكداً على أن مجلس الأمن «سوف يتابع الوضع عن كثب في اليمن وربما يتخذ المزيد من الإجراءات». استبق الرئيس صالح قرار مجلس الأمن بتفجير الوضع عسكرياً في منطقة الحصبة، وإرسال «مجرمين» للتنكيل بالمسيرات السلمية، وهدد صالح بخيار الحسم العسكري إذا لم يذهب الشعب نحو الانتخابات.. وبدا الرئيس جاداً وهو يهدد متحدثاً بتلك اللغة إلى قيادات وزارتي الدفاع والداخلية، لكن مصفحات ومدرعات الحرس الجمهوري التي توزعت على شوارع الحصبة ومدينة صوفان لم تحرز أي تقدم على الأرض.. وطيلة هذا الأسبوع، والذي سبقه، كانت المسيرات السلمية تغمر أكبر وأخطر شوارع المدن اليمنية غير آبهة بتهديداته.
في حال أحجم الرئيس صالح عن التوقيع على المبادرة الخليجية، «فإن هناك احتمال واضح لوقوع المزيد من أعمال العنف» بحسب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي أضاف، قائلاً : «إن العالم يراقب اليمن عن كثب وعلى من يرتكبون جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان أن يدركوا بأنهم سوف يحاسبون على أعمالهم». وأشار «هيغ» إلى أن مجلس الأمن الدولي أوضح بالإجماع مخاوفه الكبيرة بشأن اليمن، لافتاً إلى أن «هذه ليست أزمة اليمنيين وحدهم وحسب، بل تمثل كذلك مصدر قلق للمنطقة والعالم».
يدرك الرئيس صالح المخاوف الدولية من تفاقم الأوضاع في بلاده، وقد عمد مشفوعاً بهذا الفهم لطبيعة مخاوف الأسرة الدولية إلى تأجيج فكرة الخوف ليس فقط في نفوس شعبه ولكن بهدف الضغط على الدول الكبرى والإقليم لمراجعة قراراتها. وقد شرع نظام صالح بتأجيج الهلع والخوف عبر عدد من القرارات غير المعلنة؛ لعل أهمها إخفاء المشتقات النفطية من السوق المحلية، وانعدام مادة الغاز المنزلي وارتفاع سعره.. وبعيد صدور قرار مجلس الأمن الدولي، اختفت بالفعل هذه المواد الأساسية من الأسواق وتلقت بعض محطات «بيع البترول» بلاغات سرية مبطنة بتهديد، لإخفاء هذه المواد والاعتذار للزبائن «بعدم توفرها» –بحسب مصادر موثوقة- وهو أسلوب ضاغط على المواطنين اعتاد نظام صالح اللجوء إليه منذ الجولة الأولى للمبادرة الخليجية وظل يلجأ إليه كلما اشتدت الأوضاع في صنعاء وعادت حرب الحصبة. ويعاني سكان صنعاء وغيرها من المدن اليمنية انقطاعاً يومياً وطويلاً للكهرباء، حيث وتعيش معظم أحياء العاصمة حالة انطفاء لأيام متواصلة. هذه الأوضاع المأساوية، التي ازدادت تفاقماً بعد قرار مجلس الأمن الدولي، ترافقت مع حالات قنص لمدنيين أبرياء في بعض أحياء العاصمة، البعيدة عن ساحة الاعتصامات وعن منطقة الحصبة. فقد لقي طفل في العاشرة من عمره حتفه إثر تعرضه لطلقة طائشة في الرأس وهو في طريقه إلى المدرسة يوم الأحد في منطقة «سعوان» شرق صنعاء. كما واخترقت رصاصة نافذة أحد الفصول الدراسية بمدرسة «قتيبة» القريبة من السفارة الأمريكية في حي المدنية وأصابت أحد الطلاب في الرجل السبت الفائت.. بالإضافة إلى مقتل كفيف مسن برصاص قناصة في شارع هائل وإصابة فتاة في ذات المكان، ويبدو أن تعميمات أمنية صدرت إلى الموالين لصالح وإلى المرتبطين بالعناصر الأمنية في عموم حارات صنعاء، بخلق حالة هلع داخل الحارات عبر إطلاق الرصاص عبثاً في الجو. إلى ذلك تناقلت وسائل الإعلام صور عدد من الضحايا الأبرياء (نساء ومسنين) الذين سقطوا قتلى في الشوارع بفعل آلة القنص. كما ولا تزال أخبار وقصص الجرحى والمختطفين تفيض بالمأساة والألم. وبدأت الصحافة تتحدث وتكشف عن أشخاص ضالعين في ارتكاب جرائم جسيمة بحق الشباب المحتج، في الوقت الذي لا يزال الإعلام الرسمي يحرض تلك العناصر لحصد مزيداً من الأرواح.. حيث دافع الناطق باسم الحكومة عبده الجندي أمس الأول عن مرتكبي جريمة «القاع» التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى والمختطفين من الشباب السلميين الأسبوع الفائت، وقال الجندي: «إن القوانين والأديان والمواثيق الدولية تكفل حق الدفاع عن النفس». حد تعبيره. تكرار مثل هذه الجرائم في اليمن من قبل نظام موعود بضمانات دولية، هو ما حدا بمنظمة العفو الدولية إلى المطالبة بعدم منح صالح ورموز نظامه حصانة قانونية من الملاحقة القضائية «لأن ذلك يعتبر خيانة فادحة لكثير من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان».. وإذ رحبت المنظمة الدولية بقرار مجلس الأمن، الذي أدان تواصل تلك الانتهاكات الجسيمة، شددت «العفو الدولية» على أن أي دعوة من هذا القبيل «سيكون مصيرها الفشل إذا منح هؤلاء المسؤولون الحصانة من التحقيق في ارتكاب الانتهاكات». وقد دعت المنظمة أكثر من مرة دول الخليج إلى «إزالة بند الحصانة من مبادرة المرحلة الانتقالية» وترى منظمة العفو الدولية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، بأن بقاء تلك الضمانات بعد التوقيع على الاتفاقية «سيعرقل جلب العدالة للضحايا». يتصرف الرئيس علي عبدالله صالح هذه الأيام بطريقة الرجل المعزول، أو المحاصر الذي استنفذ كل أوراقه. ويحاول الرئيس صالح العائد من الموت، استنهاض ما تبقى من حزبه وجيشه ليدفعوا عنه الأخطار. لكن جهود الرئيس صالح تتكلل بالفشل، خصوصا بعد صدور قرار مجلس الأمن الحاسم والحائز على الإجماع الدولي. لكن لم يتأكد بعد ما إذا كان الرئيس قد حسم في أعماق نفسه أمر التوقيع، أم أن الرئيس لا يزال يراهن على وهم القوة بعد كل هذه التحولات العاصفة. ويرى أصدقاء الرئيس صالح الذين خبروا نفسيته جيدا أن نهاية القذافي «مفزعة لاشك»، لكن صالح مع مرور الوقت يتعايش مع الخوف «وليس مستبعدا أن يغير صالح رأيه مع مرور الأيام القادمة». لكن ما هو واضح وما صار في حكم المؤكد «أن عدداً كبيراً من قيادات الجيش الموالي لصالح وقيادات حزبه سوف تحدد انحيازها للشعب في اللحظات الأخيرة، لاسيما وقد أصبحت فكرة بقاء صالح رئيسا على اليمن مستحيلا». بالنسبة لقوى الثورة السلمية فقد أمدها قرار مجلس الأمن الدولي بالقوة، وقد بدأت تعزز تحركاتها الدبلوماسية على أكثر من صعيد، في حين تبدو حركة دبلوماسية الرئيس محدودة وعاجزة أن تفعل شيئا.