قال ثلاثة من الساسة اليمنيين البارزين إن الحراك الذي تفجّر في الشارع اليمني مطالباً بالتغيير «تجاوز» المعارضة السياسية التقليدية، وأكدوا على أن ثورة الشباب في اليمن حملت معها ثقافة جديدة نأت بالسلاح، الذي يعتبر رفيق اليمني، بعيداً، منادية: «سلمية.. سلمية». جاء ذلك في حوار أجرته صحيفة البيان الإماراتية مع رئيس المجلس الوطني لقوى الثورة محمّد سالم باسندوه والرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الأمين العام للحزب الاشتراكي ياسين سعيد نعمان والأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح عبد الوهاب الأنسي، الذين يزورون الإمارات حالياً. وقال قادة المعارضة إن التغيير في بلدهم «واقع لا محالة»، آملين أن تنتهي الأزمة نهاية سلمية غير مأساوية. وشددوا على أن خروج اليمنيين إلى الميادين؛ منادين بالتغيير لم يكن أبداً تقليداً للحالة التي تولّدت بفعل «الربيع العربي» في كل من تونس ومصر وليبيا، مؤكدين على أن الظروف السياسية التي كانت تتفاعل في اليمن كانت مؤداها الثورة. وقال نعمان في الحوار رداً على سؤال عن من «يضبط» السلاح في اليمن، إن اليمنيين الذين يوصفون بأنهم «مسلحون حتى العظم» تركوا السلاح في البيوت وخرجوا إلى الشارع في كل المحافظات للمطالبة بالتغيير ورحيل النظام، غير آبهين بالاستفزاز الذي يمارس ضدهم، لافتاً إلى أن النظام «يحاول تجاوز الحل السياسي إلى العنف»، وهو الخيار الذي يعتبره «غير مناسب» في الحالة اليمنية.
وقال محمد سالم باسندوه إن الرئيس صالح يريد جر اليمن إلى الحرب، لكنّه يشدد على أن قوى الثورة «لن تمكنه من ذلك وستحافظ على سلميتها»، ويقول واثقاً: «نحن نستعد لطي صفحة هذا النظام». وكشف باسندوه، الذي يرأس المجلس الوطني لقوى الثورة لصحيفة البيان عن تلقي المعارضة دعوات من عواصم عربية عدة لوضعها في صورة التطورات السياسية والميدانية. ويوضح أنه وزملاءه سيطلبون «من الأشقاء ممارسة المزيد من الضغط على رأس الحكم في اليمن للتوقيع على المبادرة الخليجية ونقل السلطة بطريقة سلمية، بما يجنّب البلاد من الانزلاق نحو العنف».
ليست ثورة ترف ويعتبر ياسين نعمان أن الثورة في اليمن «من أروع الثورات»، فالشباب الذين نزلزا إلى ميادين المدن حملوا معهم «ثقافة جديدة» ليس من أبجدياتها السلاح. ويضيف: «الناس لم يخرجوا إلى الشارع بترف.. وليس تقليداً». ويستطرد بالقول إن اليمنيين «انتظروا 20 سنة لتحقيق الوحدة والديمقراطية»، ويتهم النظام ب«استهلاك» الوحدة ثم التفّ على الديمقراطية حتى «يئس» الناس من التغيير عبر الديمقراطية، بعدما رأوا ما جرى في انتخابات العام 2006 الرئاسية. ويقر نعمان بأن «الناس تجاوزونا»، قاصداً الأحزاب السياسية، وخرجوا إلى الشارع خالقين «حالة فريدة من الحراك». ويزيد: «كسياسيين كنا نتخوّف من الخروج إلى الشارع.. قلنا إن الشارع ورقة ملتهبة، وورقة خطرة»، لذا كانت التيارات السياسية القائمة تتردد في المواجهة عبر الشارع. ويتابع: «ما جرى على مدى الشهور الثمانية الماضية يجب أن يقدّر.. فالشباب رفضوا العنف. ورفضوا أن يجرّوا إليه». ويعزو الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الأمين العام للحزب الاشتراكي بعض المواجهات المسلّحة التي وقعت إلى «انفعالية» و«رد فعلٍ» على العنف الذي يقع من قبل الطرف الآخر، قاصداً السلطة.
لا دولة! كيف تسير الأمور في ظل حالة الكر والفر الحاصلة في الشارع؟ وماذا بقي من هياكل الدولة؟ يرد الأمين العام لتجمع الإصلاح عبد الوهاب الأنسي على تساؤل «البيان» بالقول إن «الدولة موجودة اصطلاحاً»، في إشارة إلى ذوبان العمل المؤسسي. ويضيف الأنسي: «اليمنيون ذاقوا مرارة غياب الدولة»، معتبراً أنه «لا أثر» لمؤسسات أو سلطات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية حتى قبل تفجّر ثورة الشباب في فبراير الماضي، وهو «الاحساس» الذي يعزو إليه خروج الناس منادين بتغيير النظام، لأنهم، برأيه، وجدوا أن لاسبيل إلاّ «التضحية من أجل إيجاد نظام وقانون وتنمية». ويجمع قادة المعارضة على أن الدولة «قامت على أساس الفرد»، وأن أركانها كانت «مجرد هياكل مفرّغة».
وزن «القاعدة» أما عن تنظيم القاعدة، وحقيقة قوته وتغلغله في المجتمع اليمني، فيوضح الأنسي أن بقاء القاعدة «استراتيجية حكومية»، معتبراً أن النظام حوّلها ورقة لابتزاز المجتمع الدولي: الولاياتالمتحدة والمحيط الإقليمي. ويتفق نعمان مع الأنسي في أن النظام بعدما فقد مقومات الشراكة مع العالم لجأ إلى ورقة الحرب ضد الإرهاب «ليبدو شريكاً دولياً». ويؤكد نعمان على أن الأرض اليمنية «بيئة نابذة للقاعدة.. ولهذا النوع من التطرف»، مركزاّ على أن «اليمن كبلد مسلم بلد اعتدال». وينفي أن تكون هناك حاضنة شعبية لفكر التطرف.
زيارة روسية سألت «البيان» عن نتائج الزيارة التي قام بها وفد المعارضة إلى العاصمة الروسية قبل أكثر من أسبوع، فقال ياسين سعيد باسندوه إنها ناجحة. وعن ما نَشَدَه الوفد من العملاق الروسي، أجاب باسندوه: «نسعى إلى رسم علاقتنا مستقبلاً.. والبحث في المخارج من الحاضر عبر ارساء علاقات جديدة». ويضيف: «يحدونا الأمل بدعم روسيا.. عدنا بدعم روسيا» للدولة المدنية الديمقراطية التي ننشد بناءها في اليمن. ويردف السياسي اليمني البارز، الذي يرئس المجلس الوطني لقوى الثورة، أن العالم كله بات مهيئاً للتغيير في نظام الحكم» في اليمن. ويقول إن التغير واقعٌ لا محالة «نأمل أن تكون النهاية سلمية غير مأساوية». ويتدخّل ياسين نعمان بالقول إن المبادرة الخليجية تلمسّت حاجة اليمنيين للتغيير. ويفسّر رفض السلطة التوقيع على المبادرة بالمفاجأة التي أحدثها قبول المعارضة للمبادرة والتوقيع عليها «إذ ان النظام كان يتصور أن المعارضة لن تتجرّأ على التوقيع، نظراً لتجاوز مطالب الشارع حدود» المقترحات التي عرضها مجلس التعاون الخليجي.