«اليمن على شفا كارثة إنسانية حقيقية وعميقة» كانت هي كلمات جيرت كاليبري ممثل منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونسيف) في اليمن. ومع أن هذة البلاد التي لها تاريخ طويل من الكفاح عبر الصراعات والنزاعات المسلحة ، فإن الوضع الحالي يهرول باتجاه كارثة لم يسبق لها مثيل. ثلث اليمنيين يذهبون إلى النوم كل ليلة وهم يتضورون جوعاً – حوالي 7 ملايين ونصف- في حين أن نصف جميع الأطفال دون سن الخامسة من العمر يعانون من سوء تغذية مزمن ، ويعيش نصف السكان في فقر مدقع. وقد اطلق برنامج الغذاء العالمي صرخة بأنه بحاجة الى 56 مليون دولار لبرامجة هذا العام في اليمن ، وهو رقم يساوي ثلث المساعدات العسكرية الامريكية للنظام اليمني في 2010.!! وفي حين أن ملايين اليمنيين غير قادرين على النوم بسبب الجوع، فعددا اكبر أيضا غير قادر على النوم بسبب تنامي أصوات دوي المعارك المسلحة المريرة على البلاد. يستمر دوي الانفجارات القوية والتفجيرات في صنعاء ومدن اخرى رئيسية حينما تعود المعارك بين القوى الموالية للنظام والمعادية له. تستمر انقطاعات الكهرباء في العاصمة لأكثر من 23 ساعة يوميا في بعض الاحيان ، وهذا يعني بأن اولئك المحظوظين بأنه وظائفهم لا تزال قائمة، غير قادرين على انجاز اعمالهم. تعفنت وتعطبت المخزونات الغذائية في «ثلاجات» البقالات والمنازل. ما ان يهبط المساء، حتى تصبح صنعاء مدينة أشباح، خاصة عندما تفتح قوات النظام النار على المتظاهرين المدنيين بانتظامِ يٌنذر بخطر شديد. وقد برز مؤخراً اتجاهاً مُخيفاً في استهداف المتظاهرين حين قامت قوات الامن باختطاف شباب متظاهرين – بما فيهم جرحى – من وسط الاحتجاجات وابقاءهم في سجون سرية ، وفقا لاحد تقارير المنظمة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات. خارج صنعاء ، ذكر برنامج الغذاء العالمي انه تم تشريد اكثر من نصف مليون يمني منذ بدء الاحتجاجات في يناير من هذا العام. في محافظة أبين وحدها في جنوب اليمن، حيث حدثت أعنف الاشتباكات بين قوات الجيش ومتطرفين إسلاميين فر أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم ، يعيش غالبيتهم في 50 مبنى مدرسي في محافظة عدن المجاورة. وحتى بداية فصل الصيف ، قتل أكثر من 2400 شخص وجرح أكثر من 20000 بناء على احد تقارير مؤسسة أبعاد للأبحاث والدراسات.. تتفاقم الكارثة الانسانية من كل جوانبها ويتصاعد العنف بسبب غياب أي شكل من أشكال «الحكومة الفاعلة» وبسبب الاستعصاء السياسي الذي أصاب البلاد بالشلل. استمرار رفض الرئيس علي عبداللة صالح التنحي بعد 33 عاما قضاها في السلطة ، يجعل من الصعب التخيل كيف يمكن ان يتحسن الوضع في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك ، فإن العالم لا يزال ينظر في الاتجاة المغاير تماما. في 21 اكتوبر صوت مجلس الامن على القرار 2014 حث فيه الرئيس صالح على التوقيع على المبادرة الخليجية والتنحي عن السلطة في أقرب وقت ممكن. التصويت ، الذي تم مناقشته في مجلس الامن في زمن أٌقل من دقيقتين، هو دليل واضح على الأهمية شديدة التدني التي يعطيها المجتمع الدولي لليمن وشعبه، وهذا أمراً سيندم عليه إذا انفجر اليمن كاملاً إلى صراعا ملتهب..بل على الارجح حين ينفجر. أعطى قرار مجلس الامن صالح 30 يوماً قبل أن يجتمع مره اخرى ليناقش الوضع. ولكن ما فشل بيوقراطيو مجلس الأمن في فهمه هو أنه بعد 30 يوماً قد لا يكون هنالك يمناً باقِ لمناقشتة. وبدلاً من ان تصبح اليمن، «تونس» أو «مصر» – بدعم دولي – حيث ادت الاحتجاجات المشروعة إلى انتخابات ديمقراطية هناك، فإن اليمن تهرول بسرعة لتكون «الصومال الجديدة» ، وتسير في اتجاه الدولة الفاشلة. الدعم المستمر من غالبية المجتمع الدولي، وخاصة المملكة العربية السعودية ، للرئيس صالح سيزيد من من سرعة انحدار البلاد الى الخراب. إن قدرة اليمنيين الفائقة والمُدهشة على الصمود امام الازمات التي واجهتهم هذا العام هو أمراً استثنائياً وجميل. ولكن إن استمر العالم في تجاهل اليمن ورفض التدخل لإيقاف الحلحلة الشاملة التي يمر بها اليمن، فلا يجب أن يٌفاجأ أحد من كابوس مُفزع يوقظهم نتيجة هذا الصمت والتجاهل.