حل عيد الأضحى المبارك وما تزال أعمال العنف في محافظة أبينجنوب اليمن مستمرة بين قوات الجيش ومسلحين متشددين يعتقد ارتباطهم بتنظيم القاعدة منذ أشهر، وهو ما يرهق السكان ويزيد معاناة نحو مائة ألف نازح من جحيم الحرب. منذ سيطرة المتشددين الذين يطلقون على أنفسهم «أنصار الشريعة» على مدينتي زنجبار وجعار في نهاية مايو الماضي والمعارك تدور في زنجبار مع قوات الجيش التي تحاول استعادة السيطرة عليها، لكنها حتى الآن لم تحقق تقدماً كبيراً رغم انها أعلنت «تحرير» المدينة. وما تزل الاشتباكات تجري في بعض أحياء زنجبار الواقعة بأطراف المدينة، بينما تعيش مدينة جعار وضعاً أهدأ قليلاً عدا عن الغارات الجوية التي تستهدف مواقع المتشددين وتخطئ أحياناً فتصيب أهدافاً مدنية. للوصول إلى زنجبار أو جعار عليك أن تسلك طريقاً طويلاً وغير معبد بالكامل، يمر من محافظة لحج ومنطقة الحرور وصولاً إلى جعار التي تعد معقل الجماعات المسلحة، ويستمر السفر بالسيارة من عدن نحو أربع ساعات، بعدما قطع الجيش «طريق العلم» الواصل إلى زنجبار. عند وصولك إلى أطراف مدينة جعار تجد نقطة تفتيش تابعة لجماعة «أنصار الشريعة» وعليها مسلحين ملثمين، يلقون نظرة سريعة على السيارة ومن فيها ثم يأمرون السائق: «تفضل». فتواصل السيارة طريقها إلى داخل جعار. في داخل مدينة جعار التي نزح عدد قليل من سكانها، تظهر علامات البؤس على المواطنين، مع محاولتهم رسم ابتسامة العيد على وجوههم، لكن الخوف من وصول المعارك الرئيسية إلى المدينة ينغص عليهم معيشتهم.
وقال أحد السكان مفضلاً عدم ذكر اسمه «العيد هذه المرة كئيب.. ليس له طعم، رغم انه العيد الثاني الذي يحل علينا تحت سيطرة أنصار الشريعة» في تعبير عن فقدان الفرحة بعيد الأضحى.
وأضاف وهو يجلس في دكانه الصغير بجعار ان المسلحين يقولون إنهم لن ينسحبوا من المدينة إلا «بعد تحقيق العدل وإيجاد حكم عادل، أما أن تعود السلطات مرة أخرى فذلك (الانسحاب) مستبعد». خلال الأشهر الماضية، شنت طائرات يمنية وامريكية غارات على مواقع في جعار، لكن بعضها أصابت أهدافاً مدنية، كما دمرت تلك الغارات مستشفى الرازي الذي كان المتشددون يستخدمونه كمقر لهم ولعلاج جرحاهم، كما استهدفت تلك الغارات مسجد الحمزة الذي كان قبل عام 1994 دار سينما، إضافة إلى مواقع مدنية أخرى مثل «الجامع الكبير وثانوية جعار ومكتب التربية». يتجول مسلحو «أنصار الشريعة» في المدينة بحرية ويمتشقون أسلحتهم الرشاشة، وبعض هؤلاء المسلحين يبدوا أن أعمارهم صغيرة وتحت سن الثامنة عشرة. ينتمي معظم المسلحين إلى أبين ومحافظات يمنية أخرى، كما ينتمي آخرين إلى دول عربية. التيار الكهربائي الذي كان مقطوعاً بشكل شبه دائم في جعار قبل أشهر، أعيد تشغيله لساعات في النهار وطوال الليل مع حديث المتشددين عن إصلاحهم لمحولات كهرباء لتزويد المواطنين بالتيار. وجاء في منشور دوري بعنوان «نحو حياة كريمة» خبر جاء فيه «قام (أنصار الشريعة) بتوفير وتركيب محولات كهربائية، نظراً لما تشهده البلاد من انقطاع للتيار الكهربائي لساعات طويلة». وفي المنشور ذاته الذي حصل المصدر أونلاين على نسخة منه نجد أخباراً عن توزيع مساعدات إنسانية للمحتاجين في المدينة، وخبراً آخر عن ضبط سيارات مسروقة وإعادتها لأصحابها، وثالث عن إصلاح الطرق التي دمرتها السيول في المدينة، إضافة إلى أخبار عمليات الجماعة ونعي لبعض قتلاهم. وهي أخبار لم يتم التأكد من صدقيتها. عاد بعض النازحين إلى مناطقهم في جعار والقرى المحيطة بها بعدما فروا إلى مدينة عدن في السابق، وجاءت العودة بعد صعوبة الحالة المعيشية خاصة مع ارتفاع إيجارات المساكن بعدن. لكن ما تزال زنجبار «مدينة أشباح» ونزح بعض المواطنين الذين ظلوا في منازلهم لحراستها مع اشتداد المعارك داخل المدينة.
وقال تقرير رسمي صادر عن مركز المعلومات في إدارة مخيمات النازحين فإن نازحي محافظة أبين يقدر عددهم حتى نهاية أكتوبر الماضي أكثر من 138 ألف نازح موزعين على أكثر من 25 ألف أسرة بما يمثل 35% من إجمالي السكان. لكن التقرير الذي نقل موقع الجزيرة نت مقتطفات منه أشار في إحدى فقراته إلى أن الأرقام الواردة لنازحي أبين لا تزال قابلة للزيادة والنقصان، وإلى أن عملية المسح والحصر مستمرة في خمس محافظات جنوبية نزحوا إليها هي عدن والبيضاء ولحج وشبوة وحضرموت.