في زيارته قبل الأخيرة إلى إمارة دبي، تسلم الرئيس علي عبد الله صالح – الذي أصبح مؤخّراً يلقب بالرئيس الصالح، على غرار لقب " الرئيس المؤمن" الذي اتخذه السادات لنفسه في السنوات الخمس الأخيرة من حياته- تسلّم كتاب" رؤيتي"، كهدية رمزية من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. الكتاب من تأليف الأخير، يقع في 220 صفحة، وكالمتوقع: مطبوع على ورق فخم جعلت من تكلفته مشكلاً ماديّاً بالنسبة ليمني نحيل، هو أنا غالباً. قال السيد الرئيس لأخيه الشيخ محمد، أمام العدسات: سنقرأ الكتاب ونقول لكم رأينا فيه. ولأنني ذلك النوع من الرجال الفضوليين جدّاً فقد تصفحت موقع الشيخ محمد بن راشد، صفحة صفحة لأعثر على ما يمكن أن يقول أن " الشيخ محمد بن راشد تسلّم – أخيراً – مسوّدة تعليقات من أخيه الرئيس اليمني حول كتابه ذائع الصيت " رؤيتي". لم أجد شيئاً على هذه الشاكلة، حتى خالي " غوغل" لم يفدني بشيء. ولا أدري ما إذا كان الشيخ محمد بن راشد، الذي أنجز أحدث معجزة اقتصادية وإدارية عالمية اسمها " دبي" في أيام معدودات، لا يزال ينتظر تعليقات فخامة الرئيس، الذي وعدنا منذ 1996 ب 300 ميغاوات لم تصل إلى الآن. وبالمناسبة فإن هذه الطاقة الكهربائية اليمنية المنتظرة تعادل تقريباً الطاقة الكهربائية التي تحرك "ميترو دبي" ! قلتُ بحزم: يبدو أن الأخ الرئيس لم يقرأ الكتاب بعد، رغم مضي 3 سنوات على استلامه من يد ابن مكتوم. قال صديق متهوّر: عقلي يقول لي أن الأمر غير ذلك! سفّهته بصرامة وحزم، مستفيداً من تصريحات المصدر العسكري لصحيفة 26 سبتمبر: سأخرس لسانك وأكسر يدَك. كل ما في الأمر أن صاحبنا غير صاحبهم، ولكل منهما هوى ( وللناس فيما يعشقون مذاهبُ) على رأي عمّك أبي فراس الحمداني.
بعد جدل شديد، قررت أن أجيبها من قاصرها وأختصر كتاب "رؤيتي" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على شكل حلقات مجهرية لأقطع الشورت في البسين ( الشك باليقين، سابقاً) كاستجابة لاحتمالٍ لا بأس به يقول: من غير المستبعد أن الرئيس اليمني لم يطلع بعدُ على الكتاب حتى الساعة بسبب انشغالاته الجمة في "حماية الثورة، والوحدة، والديموقراطية" كما تعهّد تحت سقف البرلمان عقب تقديم أوراق ترشحه للرئاسة.
- يبتدئ الشيخ محمد بن راشد الجزء الأول من كتابه بفصل مستقل حول "نبض التنمية" وقصة الغزالة والأسد: مع إطلالة كل صباح في أفريقيا يستيقظ الغزالُ مدركاً أن عليه أن يسابق أسرع الأسود عدواً وإلا كان مصيره الهلاك. ومع إطلالة كل صباح في أفريقيا يستيقظ الأسد مدركاً أن عليه أن يعدو أسرع من أبطأ غزالٍ وإلا أهلكه الجوع. لا يهم إن كنت أسداً أو غزال، فمع إشراقة كل صباح يتعيّن عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح.( صفحة 13)
- الفشل الحقيقي برأيي ليس أن تقع على الأرض لكن أن تظل على الأرض حين يطلبُ منك الوقوف. والفشل الأكبر هو ألا تريد أن تقف مرة أخرى.( صفحة 15)
- لم أسمع أفكاراً تنموية قديمة منذ وقت طويل، ولا أريد أن أسمعها الآن أو في المستقبل. ولأجل هذا لا يأتي أحدٌ إليّ بفكرة عتيقة لأننا نريدُ تنمية رائدة جديدة. ولا مكان في الرائد والجديد للمتخلف والعتيق. ( صفحة 19)
- إذا لم نفكر إلا بالحروب والمشاكل والتوتر والعواصف فسنتوقف وسيتوقف معنا الزمن. لا نريد أن نتوقف أو أن يتوقف الزمن لأننا عانينا من التوقف ما يكفي. مهمتنا أن ندرس المشاكل بدقة ثم نختار الطريق المناسب لنا لتوجيه دفة سفينتنا بين الأمواج العاتية إلى بر السلامة والنمو ونحقق الأهداف التي نريدُها. ( صفحة 27 )
- أهم ما يميز الاقتصاد الجديد هو الفكرة التي تنفذ في وقتها. يمكن أن نستعجل أموراً حيناً وأن نتريث حيناً، لكن يجب أن نبدأ من نقطة ما وبسرعة ومن دون أخطاء. لماذا السرعة؟ لأن الأسرع يأكل الأكبر، كما يقولون بالإنجليزية : The fastest eats the biggest ( صفحة 27 )
يتحدث محمد بن راشد في الجزء الثاني عن مقوّمات صناعة التنمية: الرؤية، القيادة، الإدارة، القرار، فريق العمل..
- كان والدي رحمه الله يأذن للتجار المواطنين أو الهنود وسائر التجار من الجنسيات المختلفة بدخول ديوانه قبل موظفي الدولة. كان يصلي الفجر ويبدأ جولة على المشاريع في المدينة واحداً واحداً للتأكد من حسن سير العمل ( صفحة 34 ) ... الرؤى لا تصنع الحضارات ولا تحقق النمو والتقدم ما لم يترجم صاحب الرؤية رؤيته إلى حقيقة خلال وقت مناسب. (صفحة 35)
- ( قبل قيام اتحاد دولة الإمارات) كان الاقتصاد ضعيفاً، والتخطيط محدوداً، وكانت الرعاية الصحية عادية جدا، ولم تكن نسبة التعليم كبيرة. أضف إلى هذا وجود ضغوط سياسية خارجية وتشكيك بنجاح التجرية. قال البعض: كيف تنجح هذه التجربة في وقت فشلت كل الاتحادات العربية بين دول أكثر نضجاً وتطوّراً؟ (في الحقيقة) الرقي والتطور والنضج لا علاقة لها بفشل تلك التجارب. كانت النظم الإدارية العربية في تلك الفترة فاشلة فأفشلت جهود الوحدة بين حكوماتها. قيام الإمارات علمني أن هناك قادة لا يحبون الكراسي بل شعوبهم. ( صفحة 36 )
- يجب أن تقوم الرؤية على مصالح محددة وتجيب عن أسئلة مهمة: ما هي مصلحة البلد من هذه الرؤية؟ ما هي مصلحة المجتمع؟ ما هي مصلحة قطاع الأعمال؟ من سيستفيد منها وكيف؟ كيف يمكن أن تدعم هذه الرؤية الجهود وتكمل الإنجازات التي سبقق تحقيقها؟ ( صفحة 38)
- عندما أقدم رؤيتي لمشروع معين يجب أن تكون رسالتي واضحة لجميع المعنيين بتنفيذها: هذه هي رؤيتي أريد تنفيذها بالصورة الآتية وخلال المهلة المحددة، وأريد من هذا المشروع تحقيق هذا الهدف وذاك، وأريده أن يعمل بهذه الطريقة, هذا هو عدد الشركات التي ستساهم فيه، وهذا هو فريق العمل الخاص بالمشروع، وما هي مصادر التمويل، وهذا ما أتوقعه منه بعد تنفيذه فاستعدوا جميعاً وابدأوا العدْو لتحقيقه على بركة الله. ( صفحة 39)
- التحدي الأكبر الذي يواجه القائد هو دفع جميع المعنيين بتنفيذ رؤية معينة في اتجاه تحقيق الهدف المشترك وحشد كل الجهود والطاقات لتحقيق نجاحها. لا يمكن أن أقعد في مكتبي وأنتظر معجزة تحقق رؤيتي. الرؤية تتطلب عملاً جماعياً منظماً على أعلى درجات الدقة والالتزام ( صفحة 40 ( الفرق بين رؤيتي ورؤى الآخرين هو أنني أستطيع تنفيذ الرؤية وهم ربما لا يستطيعون. التوقيت حاسم ( صفحة 41)
- القائد الناجح هو الذي يطرح الرؤية ويقرر أهدافاً محددة لها، ويرسم مسار تطورها التنموي ويشرف على تنفيذها. الإخفاق في تحديد هذه الإهداف وعدم متابعة تنفيذها يعني وصفة حقيقية للفشل في تحقيق التنمية. حتى لو اشتركنا بأفضل جواد في العالم علينا ألا نتوقع الفوز إن لم نجد الراكب الذي يوجه الجواد نحو النجاح. ( صفحة 41).
- الإمارات معنية بإحلال السلام، لا علاقة لها بالتوتر والحروب والخصام. الجميع في دبي موجودون لكسب عيشهم والتسابق على تحقيق التنمية وتعزيز المصالح وبناء الحاضر والمستقبل. ومن يعتقد غير ذلك فإن دبي ليست المكان المناسب له. دبي آمن مدينة في العالم، هذا صحيح، لأن شعبنا هم رجال الشرطة وحماة الأمن. لهم في وطنهم مصالح ومنافع وحاضر ومستقبل لذا تجدهم يحرسون مصالحهم ومصالح أسرهم ويسهرون على رعايتها. ( صفحة 42)
- المستقبل يقتضي التغيير: التغيير في المناهج، في التدريب، التغيير في التفكير، التغيير في عمل الحكومة، التغيير في الأولويات. أقول باختصار إن معظم الأدوات المناسبة للاقتصاد الجديد (هي) أدوات جديدة يجب إحداث التغيير المناسب للتعامل معها وتحقيق النجاح. ( صفحة 44)
- للنجاح في الأعمال والمشاريع مقومات معروفة، لكن لا شي يعلو على التخصص في زمن التخصص، والمهنيّة في زمن المهنيّة، والتقنيّة في زمن التقنيّة. زمننا باختصار هو زمن الأفكار العظيمة القادرة على صناعة المشاريع العظيمة وليس زمن حشو العقول بالمعلومات. مئة مشروع ناجح يمكن أن توفر فرص العمل لعشرات الآلاف وتصنع المستقبل مكاناً أفضل لأبنائنا وبناتنا وكل الأجيال. ( صفحة 44)