الحملة الشرسة والمكشوفة التي تستهدف حزب الإصلاح خلال هذه الفترة، لم تكن بريئة و مخلصة لوجه الله والوطن والثورة، كما أراد عرابوها أن يقدموا أنفسهم من خلالها، فأنا لست هنا بصدد الدفاع عن الإصلاح الحزب الذي ليست كوادره ملائكة معصومة عن الخطاء، بقدر إشفاقي على أؤلئك الذين يتخذون من حملتهم تلك، ستاراً وقفازاً لتوجه مشاريعي ضيق وصغير وبأجندة مكشوفة وغير بريئة. فالإصلاح قطعا ليس حزب ملائكة كما هو بالمقابل ليس حزب شياطين، بل قطعا الشياطين هم الذين يحاولون أن يضفوا عليه هذه الصفة الشيطانية ، بسذاجة واضحة، ومكشوفة تنبأ عن مدى إن لم يكن ارتباطهم، بل لا شك خدمتهم للأجهزة الأمنية - بقصد أو دون قصد منهم – تلك التي لا تزال تحت قبضة أفراد عائلة صالح.
صحيح هناك أخطاء كبيرة ترتكب في الساحة، لا أحد يقبل بها، من قبل لجان الأمن أو اللجنة الإعلامية أو التنظيمية، لكن هذه اللجان ليست تابعة قطعا للتجمع اليمني للإصلاح تحديداً فهي تابعة لأحزاب اللقاء المشترك التي تضم ستة أحزاب أخرى إلى جانب الإصلاح،، لكن العجيب هو أنه لا يتم ذكر سوى الإصلاح فقط في باب الشكوى و الاتهام والسب والتجريح والشيطنة، مع أن كل الأحزاب الأخرى شريكة في تكوين كل تلك اللجان ولها أعضاء فيها.
صحيح أيضا الإصلاح حزب كبير بحجم هذا الوطن، وإن وجدت أي أخطاء فهي لا شك كبيرة، بكبر الحزب، لكن هذا ليس مسوغ منطقي أن يظل الإصلاح وحيداً مشجبا تعلق عليه كل الأخطاء، وخاصة تلك التي تتعلق بالساحات تحديداً.
فما يجب أن يدركه البعض من – ثوار الغفلة – أن الإصلاح حزب كبير والوطن أكبر من الإصلاح، وأن سياسة الكيد الإقصائي لا تجدي نفعا ما لم يكن هناك نية وطنية صادقة في توضيح الأخطاء و المطالبة بإصلاحها، بدل من توظيفها في مكايدات سخيفة لخدمة أهداف وأجندات أسخف منها.
لا مناص هنا من حتمية فرض الواقع لذاته كحقيقة لا يمكن تجاوزها، وبدل من مجابهة واقع صارم، ينبغي التفكير بآلية أخرى أفضل وأنفع شريطة أن تكون بنية التصحيح لا الكيد والتحريض ضد هذا الطرف أو ذلك، الإصلاح حزب المستقبل ومستقبل هذا الوطن هو مرهون بحزب إصلاحي مدني ديمقراطي، لا بحزب مطلوب منه أن يتخندق في إطار عقائدي ضيق.
ليفهم الجميع، أن الإصلاح حزب سياسي وهكذا يعلن عن نفسه في كل المحافل وفي كل أدبياته، فلا ينبغي أن يتم التعامل معه بغير ما أعلن هو ذاته عنه، وهذا أعتقد أنه مكسب ليمن ما بعد صالح، يمن التعددية الحزبية المفتوحة للجميع أن يعبر عن ذاته وفق للأطر والآليات الديمقراطية الحزبية تلك، وبعيدا عن أي ذهنية فئويه مذهبية أو طائفية أو مناطقيه.
وبتالي لا بديل عن هذه الأطر الحزبية سوى الشيخ أو السيد والقبيلة والمذهب، لذا وجب علينا أن نسعى جميعا لتعزيز قيم التعددية الحزبية والثقافية، القائمة على ركيزة دولة النظام والقانون، التي ستعمل على إذابة كل الحواجز الفئوية المصطنعة.
إن أخشى ما أخشاه، أن تعمل هذه المناكفات السخيفة على جر الإصلاح إلي دوامة الكيد المضاد، وبتالي جره أيضا إلى مربع صناعة الحزب المستبد الذي قد يتوهم أن ما يقوم به من ممارسات استبدادية لا تخرج عن دائرة الدفاع عن نفسه وأعضاءه، مسوغا كل ما قد يُرتكب من أخطاء في حق الآخرين، وأعتقد أن هذا السلوك هو الذي يتجلى حاليا في حالة المظلوميه الكربلائية التي يتقمصها الأخوة الحوثيين، في ممارساتهم وسلوكياتهم العنيفة ضد كل ما لا يتفق معهم، أو يخالفهم الرأي.
شيطنة الآخرين هي شيطنة بحد ذاتها كما يقول الأستاذ و المحامي هائل سلام، فتقصد أخطاء الآخرين وإضفاء وصفه شيطانية على أفعاله ، و أقواله لاشك عمل شيطاني بحت ، وإننا هنا نقول ينبغي أن يعي أصحاب مشاريع الشيطنة، أن مثل تلك المشاريع أصبحت مكشوفة، ومعروف مسبقاً جهة التمويل والتنفيذ، وأن تلك المشاريع الصغيرة لا مجال لها تحت أي رداء كانت، مقدس أو مدنس، فالثورة اليمنية وجيلها العظيم الواعي أصبح يدرك جيداً صوابية هذا الفعل أو ذاك، ولم يعد مجرد متلقي لا يعي شيء.
الأمر الأخر الأكثر غباءً في مشروع الشيطنة الذي يستهدف أكبر الأحزاب اليمنية، هو الخلط الكبير بين الإصلاح والسلفية، بشكل ساذج وغبي يقفز فوق حقائق فكرية وسياسية وتاريخية كبيرة، في هذا الموضوع، وهو أن الإخوان المسلمين ممثلا بتجمع الإصلاح هم محط سخط وعدم رضى بل وعداء المنظومة السلفية " الوهابية" التي ترى في الإخوان مشروع مفلسين ليس إلا، عدا عن أن المملكة ترى في الإخوان المشروع الحضاري الديمقراطية الذي يتهددها وكل الأنظمة التي على شاكلتها، وبتالي رأينا في ما يجري في خضم الانتخابات المصري والتونسية الأخيرة من دعم سعودي كبير للتيارات السلفية في كل من مصر ممثلة بحزب النور وتونس العريضة الشعبية لأجل ضرب مشروع الإخوان المسلمين المتقدم في هذين البلدين، حزبي العدالة والحرية مصريا والنهضة تونسيا.
ونفس النظرة الإقصائية والعدائية ضد الإخوان من قبل السعودية في مصر وتونس، لا شك موجودة ضدهم هنا في اليمن، وصحيح للمملكة علاقات صداقة وتبعية من قبل شريحة كبيرة من شيوخ قبائل اليمن، والذين منهم أعضاء في تجمع الإصلاح، لكن الأصح أيضا هو أن الإصلاح الحزب ليس في يد أي من هذه الأطراف، التي يحسب للإصلاح جرها إلى حقل العمل السياسي المدني والوطني وليس العكس.
نقول لمهوسي الحداثة الملفوفة بنكهة الماضي الكهنوتي البغيض ، الإصلاح حزب سياسي كبير وعريق، وليس مذهب فقهي أو عقيدة دينية، وينبغي التعامل معه وفق هذا التوصيف السياسي، حزب سياسي يؤمن بنظام الجمهورية الدستوري الديمقراطي التعددي سياسيا وثقافيا ومذهبياً أيضا، وأنتم الأول من يطلب منك أن تعيدوا تشكيل رؤاكم ومنظومة أفكاركم وفقا لهذا المنطق السياسي الحداثوي، بعيدا عن أي عقائدية مستبطنة في تلافيف ذاكرتم الماضوية، المهجوسة بقداسه العرق الأري، مهما اختلفت منابر الحديث مجتمع مدني أو أحزاب تقدمية يسارية، كل هذا لا يستر عورة تفكيركم السلالي.
في الأخير نقول لأصحاب مشاريع الشيطنة المكشوفة، الوطن يتسع للجميع، ولا داعي لرتوش ودموع التماسيح، ما علينا جميعا هو أن نعكس مقولة الفيلسوف الإيرلندي جانثان، التي قال فيها، إن لدينا من التدين الشيء الكثير ما يكره بعضنا إلى بعض، وليس لدينا إلا الشيء القليل ليحبب بعضنا إلى بعض" ومن هنا لا بد أن نتخطى حواجز القداسة المزيفة، ليكون الوطن هو المقدس الأول والأخير، ولن يكون كذلك ما لم تكن هناك دولة مواطنة متساوية وقانون صارم، دولة تعلي من كرامة الإنسان وحرمته، بعيدا عن أي أوهام أخرى غير المواطنة المتساوية. المصدر أونلاين